الباحث القرآني

﴿قالَ اللَّهُ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ خَتَمَ بِهِ حِكايَةَ ما حَكى مِمّا يَقَعُ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأُشِيرَ إلى نَتِيجَتِهِ ومَآلِهِ وصِيغَةُ الماضِي لِما تَحَقَّقَ، والمُرادُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعالى عَقِيبَ جَوابِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُشِيرًا إلى صِدْقِهِ ضِمْنَ بَيانِ حالِ الصّادِقِينَ الَّذِينَ هو في زُمْرَتِهِمْ، وبِذَلِكَ يَزُولُ أيْضًا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَوْفُهُ مِن صُورَةِ ذَلِكَ السُّؤالِ لا أنْ إزالَتَهُ هي المَقْصُودَةُ مِنَ القَوْلِ عَلى ما قِيلَ ﴿هَذا﴾ أيِ اليَوْمُ الحاضِرُ ﴿يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ﴾ أيَ المُسْتَمِرِّينَ عَلى الصِّدْقِ في الأُمُورِ المَطْلُوبَةِ مِنهُمُ الَّتِي مُعْظَمُها التَّوْحِيدُ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ والشَّرائِعُ والأحْكامُ المُتَعَلِّقَةُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ النّاطِقِينَ بِالحَقِّ والصِّدْقِ الدّاعِينَ إلى ذَلِكَ، وبِهِ تَحْصُلُ الشَّهادَةُ بِصِدْقِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ ومِنَ الأُمَمِ المُصَدِّقِينَ لِأُولَئِكَ الكِرامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ المُقْتَدِينَ بِهِمْ عَقْدًا وعَمَلًا، وبِهِ يَتَحَقَّقُ تَرْغِيبُ السّامِعِينَ المَقْصُودُ بِالحِكايَةِ في الإيمانِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ صِدْقُهم أيْ فِيما ذُكِرَ في الدُّنْيا إذْ هو المُسْتَتْبَعُ لِلنَّفْعِ والمُجازاةِ يَوْمَئِذٍ وقِيلَ: في الآخِرَةِ والمُرادُ مِنَ الصّادِقِينَ الأُمَمُ ومِن صِدْقِهِمْ صِدْقُهم في الشَّهادَةِ لِأنْبِيائِهِمْ بِالبَلاغِ وهو يَنْفَعُهم لِقِيامِهِمْ فِيهِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعالى وهو كَما تَرى، وقِيلَ: المُرادُ صِدْقُهُمُ المُسْتَمِرُّ في دُنْياهم إلى آخِرَتِهِمْ لِيَتَسَنّى كَوْنُ ما ذُكِرَ شَهادَةً بِصِدْقِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فِيما قالَهُ جَوابًا عَنِ السُّؤالِ عَلى ما يَقْتَضِيهِ السَّوْقُ، ويَكُونُ النَّفْعُ بِاعْتِبارِ تَحَقُّقِهِ في الدُّنْيا (p-72)والمُطابَقَةُ لِما يَقْتَضِيهِ السَّوْقُ بِاعْتِبارِ تُقَرُّرِهِ ووُقُوعِ بَعْضِ جُزْئِيّاتِهِ في الآخِرَةِ، والمُسْتَمِرُّ هو الأمْرُ الكُلِّيُّ الَّذِي هو الِاتِّصافُ بِالصِّدْقِ ولا يَلْزَمُ مِن هَذا مَحْذُورُ مَدْخَلِيَّةِ الصِّدْقِ الأُخْرَوِيِّ في الجَزاءِ، ولا يَحْتاجُ إلى جَعْلِ الصِّدْقِ الأُخْرَوِيِّ شَرْطًا في نَفْعِ الصِّدْقِ الدُّنْيَوِيِّ والمُجازاةِ عَلَيْهِ، ولَعَلَّ فِيما تَقَدَّمَ غِنًى عَنْ هَذا كَما لا يَخْفى عَلى النّاظِرِ، وقِيلَ: المُرادُ مِنَ الصّادِقِينَ النَّبِيُّونَ، ومِن صِدْقِهِمْ صِدْقُهم في الدُّنْيا بِالتَّبْلِيغِ، ويَكُونُ مَساقُ الآيَةِ لِلشَّهادَةِ بِصِدْقِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في قَوْلِهِ: ﴿ما قُلْتُ لَهم إلا ما أمَرْتَنِي بِهِ﴾، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا الغَرَضَ حاصِلٌ عَلى تَقْدِيرِ التَّعْمِيمِ وزِيادَةٍ وقِيلَ المُرادُ مِنَ الصِّدْقِ الصِّدْقُ في الدُّنْيا إلّا أنَّ المُرادَ مِنَ الصّادِقِينَ الأُمَمُ، والكَلامُ مَسُوقٌ لِرَدِّ عَرْضِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ المَغْفِرَةَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى كَأنَّهُ قِيلَ: هَذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهم لا غَيْرَ فَلا مَغْفِرَةَ لِهَؤُلاءِ ولا يَخْفى أنَّ التَّعْمِيمَ لا يُنافِي كَوْنَ الكَلامِ مَسُوقًا لِما ذُكِرَ عَلى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ، واسْمُ الإشارَةِ مُبْتَدَأٌ و(يَوْمُ) بِالرَّفْعِ وهي قِراءَةُ الجُمْهُورِ خَبَرُهُ، وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ يَوْمَ بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ ظَرْفُ لِـ (قالَ) و (هَذا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ كَلامُ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أوْ حُقٍّ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ أوْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وقَعَ خَبَرًا، والمَعْنى هَذا الَّذِي مَرَّ مِن جَوابِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أوِ السُّؤالُ والجَوابُ واقِعٌ يَوْمَ يَنْفَعُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ هَذا مُبْتَدَأً و (يَوْمَ) خَبَرُهُ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ بِناءً عَلى أنَّ الظَّرْفَ يُبْنى عَلَيْهِ إذا أُضِيفَ إلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ وإنْ كانَتْ مُعْرَبَةً وهو مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ، واخْتارَهُ ابْنُ مالِكٍ وغَيْرُهُ والبَصْرِيُّونَ لا يُجِيزُونَ البِناءَ إلّا إذا صَدَّرَتِ الجُمْلَةُ المُضافَ إلَيْها بِفِعْلٍ ماضٍ كَقَوْلِهِ: عَلى حِينٍ عاتَبْتُ المَشِيبَ عَلى الصِّبا وألْحَقُوا بِذَلِكَ الفِعْلَ المَنفِيَّ، ويُخَرِّجُونَ هَذِهِ القِراءَةَ عَلى أحَدِ الأوْجُهِ السّابِقَةِ وقَرَأ الأعْمَشُ (يَوْمٌ) بِالرَّفْعِ والتَّنْوِينِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ هَذا والجُمْلَةُ بَعْدَهُ صِفَتُهُ بِحَذْفِ العائِدِ وقَرَأ (صِدْقَهُمْ) بِالنَّصْبِ عَلى أنْ يَكُونَ فاعِلُ (يَنْفَعُ) ضَمِيرَ اللَّهِ تَعالى و(صَدَقُهُمْ) كَما قالَ أبُو البَقاءِ إمّا مَفْعُولٌ لَهُ أيْ لِصِدْقِهِمْ أوْ مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ بِصِدْقِهِمْ أوْ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ أوْ مَفْعُولٌ بِهِ عَلى مَعْنى يَصْدُقُونَ الصِّدْقَ كَقَوْلِكَ: صَدَقْتُهُ القِتالَ والمُرادُ يُحَقِّقُونَ الصِّدْقَ ﴿لَهم جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا﴾ تَفْسِيرٌ لِلنَّفْعِ ولِذا لَمْ يُعْطَفُ عَلَيْهِ كَأنَّهُ قِيلَ: ما لَهم مِنَ النَّفْعِ، فَقِيلَ: لَهم نَعِيمٌ دائِمٌ وثَوابٌ خالِدٌ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ بَيانٌ لِكَوْنِهِ تَعالى أفاضَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ ما ذُكِرَ وهو رِضْوانُهُ عَزَّ وجَلَّ الَّذِي لا غايَةَ وراءَهُ كَما يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ورَضُوا عَنْهُ﴾ إذْ لا شَيْءَ أعَزَّ مِنهُ حَتّى تُمَدَّ إلَيْهِ أعْناقُ الآمالِ، ذَلِكَ إشارَةٌ إلى نَيْلِ رِضْوانِهِ جَلَّ شَأْنُهُ كَما اخْتارُهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أوْ إلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ كَما اخْتارَهُ في البَحْرِ وإلَيْهِ يُشِيرُ ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ، ﴿الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ 911 - الَّذِي لا يُحِيطُ بِهِ نِطاقُ الوَصْفِ ولا يُوقَفُ عَلى مَطْلَبٍ يُدانِيهِ أصْلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب