الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ﴾، انتصاب اليوم يجوز أن يكون بفعل محذوف وهو: احذروا أو اذكروا، وقال الزجاج: وهو محمول على قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 218.]]، ثم قال: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ﴾ أي: واتقوا ذلك اليوم، فدل ذكر الاتقاء في الآية الأولى على الاتقاء في هذه الآية، ولم ينصب اليوم على الظرف للاتقاء؛ لأنهم لم يؤمروا بالتقوى في ذلك اليوم، ولكن على المفعول به كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ [البقرة: 48]. وقوله تعالى: ﴿مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾، قال الكلبي: ماذا أجابكم قومكم في التوحيد [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 126.]]. قال أهل المعاني: ومعنى المسألة من الله للرسل التوبيخ للذين أرسلوا إليهم كما قال عز وجل: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير:8 ، 9] وإنما تُسأل ليُوبَّخ قاتلوها [["معاني الزجاج" 2/ 218، "النكت والعيون" 2/ 78، "زاد المسير" 2/ 453.]]. وقوله تعالى: ﴿قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا﴾، قال ابن عباس في رواية عطاء: إن للقيامة زلازل وأهوالًا حتى تزول القلوب من مواضعها، فإذا رجعت القلوب إلى مواضعها، شهدوا لمن صدقهم وشهدوا على من كذبهم، يريد أنه عزبت عنهم أفهامهم من هول يوم القيامة فقالوا: لا علم لنا [[أخرجه الخطيب في تاريخه كما في "الدر المنثور" 2/ 607 - 608، "تفسير البغوي" 3/ 116، "زاد المسير" 2/ 453.]]، وهو قول الحسن، ومجاهد، والسدي، قالوا: من هول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب، ثم يجيبون بعدما تثوب إليهم عقولهم [["تفسير الطبري" 7/ 125، "بحر العلوم" 1/ 466، "تفسير الوسيط" 2/ 244، "تفسير البغوي" 3/ 116، "زاد المسير" 2/ 453.]]، واختار الفراء هذا القول [[في "معاني القرآن وإعرابه" 1/ 324.]]. ونحو هذا قال الكلبي: من شدة هذه المسألة وهول ذلك الموطن، قالوا: لا علم لنا، ثم رجعت إليهم عقولهم، فشهدوا على قومهم أنهم بلغوهم الرسالة، وكيف ردوا عليهم [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 126.]]. ومثل هذا قال مقاتل [[في "تفسيره" 1/ 515.]]، وسفيان الثوري [[لم أقف عليه.]]. قال ابن عباس في رواية الوالبي [[علي بن أبي طلحة وهي من أصح الطرق عن ابن عباس.]]: إنهم قالوا: لا علم لنا كعلمك، لأنك تعلم ما أظهروا وما أضمروا، ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا [[أخرجه الطبري 7/ 126 بمعناه، "النكت والعيون" 2/ 78، البغوي 3/ 115، "زاد المسير" 2/ 453.]]، وعلى هذا إنما نفوا العلم عن أنفسهم؛ لأن علمهم كلا علم عند علم الله تعالى، وحكى ابن الأنباري عن جماعة أنهم قالوا: معنى الآية: لا حقيقة لعلمنا، إذ كنا نعلم جوابهم وما كان من أفعالهم وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا. وإنما الجزاء والثواب يُستحقان بما تقع به الخاتمة مما يموتون عليه، فلما خفي عليهم الذي ماتت عليه الأمم لم يكن لعلمهم حقيقة، فقالوا: لا علم لنا [["تفسير الوسيط" 2/ 244، "زاد المسير" 2/ 453.]]. وذكر الزجاج هذا القول فقال: وقال بعضهم: معنى قول الرسل: لا علم لنا، أي: لا علم لنا بما غاب عنا ممن أُرسِلنا إليه، وأنت تعلم باطنهم، فلسنا نعلم غيبهم، أنت علام الغيوب [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 218.]]، فعلى هذا معنى قولهم: (لا علم لنا) أي: بباطن أمرهم. يدل على صحة هذا التأويل: قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: 109]، أي: أنت تعلم ما غاب، ونحن نعلم ما نشاهده، ولا نعلم ما في البواطن [["تفسير الطبري" 7/ 126.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب