الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ فَيَفْزَعُونَ، فَيَقُولُ: ماذا أُجِبْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لا عِلْمَ لَنا، فَتُرَدُّ إلَيْهِمْ أفْئِدَتُهُمْ، فَيَعْلَمُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا﴾ قالَ: ذَلِكَ أنَّهم نَزَلُوا مَنزِلًا ذَهِلَتْ فِيهِ العُقُولُ، فَلَمّا سُئِلُوا قالُوا: لا عِلْمَ لَنا، ثُمَّ نَزَلُوا مَنزِلًا آخَرَ، فَشَهِدُوا عَلى قَوْمِهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ فَيَقُولُونَ لِلرَّبِّ تَبارَكَ وتَعالى: لا عِلْمَ لَنا إلّا عِلْمٌ أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنّا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ مِن طَرِيقِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا﴾ قالَ: فَرَقًا (p-٥٨٨)تَذْهَلُ عُقُولُهُمْ، ثُمَّ يَرُدُّ اللَّهُ إلَيْهِمْ عُقُولَهُمْ، فَيَكُونُونَ هُمُ الَّذِينَ يَسْألُونَ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] [الأعْرافِ: ٦] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا﴾ قالَ: مِن هَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ قالَ: يَأْتِي عَلى الخَلْقِ ساعَةٌ يَذْهَلُ فِيها عَقْلُ كُلِّ ذِي عَقْلٍ ثُمَّ قَرَأ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ﴾ . وأخْرَجَ الخَطِيبُ في (تارِيخِهِ)، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ قالَ: جاءَ نافِعُ بْنُ الأزْرَقِ إلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُفَسِّرَنَّ لِي آيًا مِن كِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أوْ لَأكْفُرَنَّ بِهِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ويْحَكَ، أنا لَها اليَوْمَ، أيُّ آيٍ؟ قالَ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا﴾ وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿ونَزَعْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكم فَعَلِمُوا أنَّ الحَقَّ لِلَّهِ﴾ [القصص: ٧٥] [القَصَصِ: ٧٥]، فَكَيْفَ عَلِمُوا، وقَدْ قالُوا: ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾ ؟ وأخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكم تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١] [الزُّمَرِ: ٣١]، وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٨] [ق: ٢٨]، فَكَيْفَ يَخْتَصِمُونَ وقَدْ قالَ: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٨] ؟ وأخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ﴾ [يس: ٦٥] [يس: ٦٥]، فَكَيْفَ شَهِدُوا وقَدْ خَتَمَ عَلى الأفْواهِ؟ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا ابْنَ الأزْرَقِ، إنَّ لِلْقِيامَةِ أحْوالًا وأهْوالًا، وفَظائِعَ وزَلازِلَ، فَإذا تَشَقَّقَتِ (p-٥٨٩)السَّماواتُ، وتَناثَرَتِ النُّجُومُ، وذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ والقَمَرِ، وذَهَلَتِ الأُمَّهاتُ عَنِ الأوْلادِ، وقَذَفَتِ الحَوامِلُ ما في البُطُونِ، وسُجِّرَتِ البِحارُ، ودُكْدِكَتِ الجِبالُ، ولَمْ يَلْتَفِتْ والِدٌ إلى ولَدٍ، ولا ولَدٌ إلى والِدٍ، وجِيءَ بِالجَنَّةِ تَلُوحُ فِيها قِبابُ الدُّرِّ والياقُوتِ، حَتّى تُنْصَبَ عَلى يَمِينِ العَرْشِ، ثُمَّ جِيءَ بِجَهَنَّمَ تُقادُ بِسَبْعِينَ ألْفَ زِمامٍ مِن حَدِيدٍ، مُمْسِكٌ بِكُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، لَها عَيْنانِ زَرْقاوانِ، تُجَرُّ الشَّفَةُ السُّفْلى أرْبَعِينَ عامًا، تَخْطِرُ كَما يَخْطِرُ الفَحْلُ، لَوْ تُرِكَتْ لَأتَتْ عَلى كُلِّ مُؤْمِنٍ وكافِرٍ، ثُمَّ يُؤْتى بِها حَتّى تُنْصَبَ عَنْ يَسارِ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنُ رَبَّها في السُّجُودِ، فَيَأْذَنُ لَها، فَتَحْمَدُهُ بِمَحامِدَ لَمْ يَسْمَعِ الخَلائِقُ بِمِثْلِها، تَقُولُ: لَكَ الحَمْدُ إلَهِي إذْ جَعَلْتَنِي أنْتَقِمُ مِن أعْدائِكَ، ولَمْ تَجْعَلْ لِي شَيْئًا مِمّا خَلَقْتَ تَنْتَقِمُ بِهِ مِنِّي، إلَيَّ أهْلِي، فَلَهِيَ أعْرَفُ بِأهْلِها مِنَ الطَّيْرِ بِالحَبِّ عَلى وجْهِ الأرْضِ، حَتّى إذا كانَتْ مِنَ المَوْقِفِ عَلى مَسِيرَةِ مِائَةِ عامٍ، وهو قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿إذا رَأتْهم مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] [الفُرْقانِ: ١٢]، زَفَرَتْ زَفْرَةً، فَلا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، ولا صِدِّيقٌ مُنْتَخَبٌ، ولا شَهِيدٌ مِمّا هُنالِكَ، إلّا خَرَّ جاثِيًا عَلى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ تَزْفِرُ الثّانِيَةَ زَفْرَةً، فَلا يَبْقى قَطْرَةٌ مِنَ الدُّمُوعِ إلّا بَدَرَتْ، فَلَوْ كانَ لِكُلِّ آدَمِيٍّ يَوْمَئِذٍ عَمَلُ اثْنَيْنِ وسَبْعِينَ نَبِيًّا لَظَنَّ أنَّهُ سَيُواقِعُها، ثُمَّ تَزْفِرُ الثّالِثَةَ زَفْرَةً، فَتَنْقَلِعُ القُلُوبُ مِن أماكِنِها، فَتَصِيرُ بَيْنَ اللَّهَواتِ والحَناجِرِ، ويَعْلُو سَوادُ العُيُونِ بَياضَها، يُنادِي كُلُّ آدَمِيٍّ يَوْمَئِذٍ: يا رَبِّ، نَفْسِي نَفْسِي، لا أسْألُكَ غَيْرَها، حَتّى إنَّ إبْراهِيمَ لَيَتَعَلَّقُ بِساقِ العَرْشِ يُنادِي: يا رَبِّ، نَفْسِي نَفْسِي لا أسْألُكَ غَيْرَها، ونَبِيُّكم ﷺ يَقُولُ: (يا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي)، لا هِمَّةَ (p-٥٩٠)لَهُ غَيْرُكُمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُدْعى بِالأنْبِياءِ والرُّسُلِ، فَيُقالُ لَهم: ماذا أُجِبْتُمْ؟ قالُوا: لا عِلْمَ لَنا، طاشَتِ الأحْلامُ، وذَهَلَتِ العُقُولُ، فَإذا رَجَعَتِ القُلُوبُ إلى أماكِنِها ( نَزَعْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنا هاتُوا بِرِهانِكم فَعَلِمُوا أنَّ الحَقَّ لِلَّهِ ) وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكم تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١] فَهَذا وهم بِالمَوْقِفِ يَخْتَصِمُونَ، فَيُؤْخَذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظّالِمِ، ولِلْمَمْلُوكِ مِنَ المالِكِ، ولِلضَّعِيفِ مِنَ الشَّدِيدِ، ولِلْجَمّاءِ مِنَ القَرْناءِ، حَتّى يُؤَدّى إلى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ، فَإذا أُدِّيَ إلى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ، أُمِرَ بِأهْلِ الجَنَّةِ إلى الجَنَّةِ، وأهْلِ النّارِ إلى النّارِ، فَلَمّا أُمِرَ بِأهْلِ النّارِ إلى النّارِ اخْتَصَمُوا، فَقالُوا: ﴿رَبَّنا هَؤُلاءِ أضَلُّونا﴾ [الأعراف: ٣٨] [الأعْرافِ: ٣٨]، و﴿رَبَّنا مَن قَدَّمَ لَنا هَذا فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا في النّارِ﴾ [ص: ٦١] [ص: ٦١]، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ﴾ [ق: ٢٨] [ق: ٢٨]، إنَّما الخُصُومَةُ بِالمَوْقِفِ، وقَدْ قَضَيْتُ بَيْنَكم بِالمَوْقِفِ، فَلا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ. وأمّا قَوْلُهُ: ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ﴾ [يس: ٦٥] فَهَذا يَوْمَ القِيامَةِ، حَيْثُ يَرى الكُفّارُ ما يُعْطِي اللَّهُ أهْلَ التَّوْحِيدِ مِنَ الفَضائِلِ والخَيْرِ، يَقُولُونَ: تَعالَوْا حَتّى نَحْلِفَ بِاللَّهِ ما كُنّا مُشْرِكِينَ، فَتَتَكَلَّمُ الأيْدِي بِخِلافِ ما قالَتِ الألْسُنُ، وتَشْهَدُ الأرْجُلُ تَصْدِيقًا لِلْأيْدِي، ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لِلْأفْواهِ فَتَنْطِقُ فَقالُوا لِجُلُودِهِمْ: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟ قالُوا: أنْطَقَنا اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب