الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (١٠٩) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله، أيها الناس. واسمعوا وَعْظه إياكم وتذكيرَه لكم، واحذروا يَوْم يَجْمع الله الرسل = ثم حذف"واحذروا"، واكتفى بقوله:"واتقوا الله واسمعوا"، عن إظهاره، كما قال الراجز: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا [[مضى تخريج البيت وتفسيره فيما سلف ١: ٢٦٤، وكان في المطبوعة هنا: "حتى غدت همالة"، غير ما في المخطوطة.]] يريد:"وسقيتها ماء باردًا"، فاستغنى بقوله"علفتها تبنًا" من إظهار"سقيتها"، إذ كان السامع إذا سَمِعه عرف معناه. فكذلك في قوله:"يوم يجمع الله والرسل"، حذف"واحذروا" لعلم السامع معناه، اكتفاءً بقوله:"واتقوا الله واسمعوا"، إذ كان ذلك تحذيرًا من أمر الله تعالى ذكره، خلقَه عقابَه على معاصيه. * * * وأما قوله:"ماذا أُوجبتم"، فإنه يعني به: ما الذي أجابتكم به أممكم، [[انظر تفسير"ماذا" فيما سلف ٤: ٢٩٢، ٣٤٦، ٣٤٧/٨: ٣٥٩.]] حين دعوتموهم إلى توحيدي، والإقرار بي، والعمل بطاعتي، والانتهاء عن معصيتي؟ ="قالوا لا علم لنا". * * * فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى قولهم:"لا علم لنا"، لم يكن ذلك من الرسل إنكارًا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم، ولكنهم ذَهِلوا عن الجواب من هَوْلِ ذلك اليوم، ثم أجابوا بعد أن ثَابَتْ إليهم عقولهم بالشَّهادة على أممهم. * ذكر من قال ذلك: ١٢٩٨٦ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل. قال، حدثنا أسباط، عن السديّ:"يوم يجمع الله الرسل فيقول مَاذا أجبتم قالوا لا علم لنا"، قال: فذلك أنهم نزلوا منزلا ذَهِلت فيه العقول، [[في المطبوعة: "ذلك أنهم لما نزلوا"، وفي المخطوطة: "فذلك أنهم لما نزلوا" وأثبت ما في المخطوطة، وحذفت"لما" لأنه لا موضع لها هنا، وكأنها زيادة من عجلة الناسخ.]] فلما سئلوا قالوا:"لا علم لنا"، ثم نزلوا منزلا آخر، فشهدوا على قومهم. ١٢٩٨٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة......... قال: سمعت الحسن يقول في قوله:"يوم يجمع الله الرسل"، الآية، قال: من هول ذلك اليوم. [[الأثر: ١٢٩٨٧ - هذا إسناد ناقص بلا شك، بين"عتبة"، و"الحسن البصري"، فوضعت مكانه النقط، وقد أعجلت أن أجد مثله فيما سلف، فتركته حتى أجد تمامه.]] ١٢٩٨٨ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله:"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم"، فيفزعون، فيقول: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا! * * * وقال آخرون: معنى ذلك: لا علم لنا إلا ما علّمتنا. * ذكر من قال ذلك: ١٢٩٨٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله:"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم"، فيقولون: = لا علم لنا إلا ما علمتنا ="إنك أنتَ علام الغيوب". * * * وقال آخرون: معنى ذلك: قالوا لا علم لنا، إلا علمٌ أنت أعلَمُ به منَّا. * ذكر من قال ذلك: ١٢٩٩٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا"، إلا علم أنت أعلم به منا. * * * وقال آخرون: معنى ذلك:"ماذا أجبتم"، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ * ذكر من قال ذلك: ١٢٩٩١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم"، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ ="قالوا قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب". * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال:"معناه: لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا"، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا:"لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب"، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره = لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم، وأنهم يسْتشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء، [[في المطبوعة: "سيشهدون على تبليغهم"، حرف ما في المخطوطة وأساء.]] فقال تعالى ذكره: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [سورة البقرة:١٤٣] . * * * وأما الذي قاله ابن جريج، من أن معناه:"ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ " فتأويل لا معنَى له. لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يَحدُث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك، وإذا سئلت عَمَّا عملت الأمم بعدها والأمر كذلك، فإنما يقال لها: ماذا عَرَّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهرُ خَبر الله تعالى ذكره عن مسألته إيّاهم، يدلّ على غير ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب