الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾. قال ابن عباس وأكثر المفسرين: نزلت في قوم قدموا على النبي ﷺ مسلمين، فأقاموا بالمدينة ما شاء الله، ثم قالوا: يا رسول الله إنا اجتوينا المدينة، فأذن لنا حتى نتبدا [[أي: نلحق بالبادية، انظر: "معاني الزجاج" 2/ 87.]]. فإذن لهم رسول الله ﷺ، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة، حتى لحقوا بالمشركين، فتكلم المؤمنون فيهم، فقال بعضهم: لو كانوا مسلمين مثلنا لأقاموا معنا وصبروا كما نصبر، وقال قوم: هم مسلمون حتى نعلم أنهم بدَّلوا. فبين الله تعالى نفاقهم في هذه الآية. وهذا معنى قول الحسن ومجاهد [[عن مجاهد بمعناه في "تفسيره" 1/ 168، وأخرجه الطبري 6/ 193. == وانظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 585، و"الدر المنثور" 2/ 340 - 341. وقد نسب هذا القول لكل من الحسن، ومجاهد: الماوردي في "النكت والعيون" 1/ 515، وابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 154.]]. وإنما وصفوا بالنِّفاق وقد أظهروا الارتداد عن الإسلام واللحوق بالمشركين؛ لأنهم نُسبوا إلى ما كان عليه قبل من إضمار الكفر. وانتصاب فئتين على الحال عند البصريين [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 451، و"معاني الزجاج" 2/ 88، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 442.]]. قال سيبويه: إذا قلت: ما لك قائمًا، فإنما معناه لم قمت، ونصبته على تأويل: أي شيء يستقر لك في هذه الحال [["معاني الزجاج" 2/ 88.]]. وقال الفراء: نصبه على معنى خبر كان، إذا قلت: مالك قائمًا، كأنك قلت: لم كنت قائمًا. قال: ولا تبال أكان المنصوب معرفةً أو نكرة، يجوز في الكلام أن تقول: مالك الناظر في أمرنا. وعنده يجوز: مالك القائم [["معاني القرآن" 2/ 281 بتصرف، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 88.]]. قال الزجاج: مالك القائم. خطأ؛ لأن القائم معرفة، لا يجوز أن تقع حالًا، و"ما" حرف من حروف الاستفهام لا يعمل عمل كان. قال: ولو جاز: مالك القائم، لوجب أن يجوز: ما عندك القائم، وما بك لقائم، وبإجماع لا يجوز: ما بك القائم، فما لك القائم مثله لا فرق في ذلك [["معاني الزجاج" 2/ 88.]]. ومعنى الآية: ما لكم مختلفين في هؤلاء المنافقين. قال الزجاج: أمر الله جل وعز أن يتَّفق المسلمون على تكفير من احتال على رسول الله ﷺ وخالفه فقال: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء:88] أي: أيّ شيء لكم في الاختلاف في أمرهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 87، 88.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾. قال الفراء: يقول ردهم إلى الكفر [["معاني القرآن" 1/ 281، وانظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 153.]]، قال: وركسهم لغة [[في "معاني القرآن" 1/ 281: "وهي في قراءة عبد الله وأبي ﴿وَاللَّهُ رَكَسَهم﴾ وانظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 153.]]. قال أبو عبيد [[في المخطوط: "أبو عبيدة" وهو خطأ.]]: يقال: ركست الشيء وأركستُه لغتان، إذا رددته [["غريب الحديث" 1/ 166، و"تهذيب اللغة" 2/ 1460 (ركس).]]. والرَّكس قلب الشيء على رأسه، (أَوْرَدُّ) [[في المخطوط: "أورده" والصواب ما أثبته لاستقامة الكلام، وكما في المصادر التالية.]] أوله إلى آخره، والارتكاس الارتداد [["العين" 5/ 310، و"تهذيب اللغة" 2/ 1460 - 1461 (ركس)، وانظر: "الصحاح" 3/ 936 (ركس)، و"التفسير الكبير" 10/ 219.]]، وقال أمية [[تقدمت ترجمته.]]: فاركسوا في حميم النار إنهم ... كانوا عصاةً وقالوا الإفك والزورا [["ديوانه" ص 408، والطبري 5/ 192، و"الدر المنثور" 2/ 342.]] ومن هذا يقال للرَّوث الركس، لأنه رد إلى حال النجاسة، ولهذا المعنى سمي رجيعًا [[انظر: "التفسير الكبير" 10/ 219.]]. وإجماع أهل اللغة أن الركس والإركاس بمعنى، وأن تأويله النَّكس والرد، والمنكوس والمركوس واحد [[انظر: "العين" 5/ 310، و"تهذيب اللغة" 2/ 1460 - 1461، و"الكشف والبيان" 4/ 95 ب و"التفسير الكبير" 10/ 219.]]. قال الزجاج: تأويل ركسهم في اللغة [[تكررت في (ش): (في اللغة) وهو سهو من الناسخ.]]: نكسهم وردهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 88.]]، والمعنى: أنه ردهم إلى حكم الكفار من الذل والصغار والسبي والقتل ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ أي بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق، وذلك أن المنافق ما دام متمسكًا في الظاهر بالشهادتين لم يكن لنا سبيل إلى دمائهم، وكذلك فعل رسول الله ﷺ، وكان قد أعلم بنفاق المنافقين، وذكر عددهم لحذيفة [[تقدمت ترجمته.]]، وعاش خلق بعد رسول الله ﷺ، فإذا أظهروا الارتداد عادوا إلى حكم الكفار، وهذا معنى قوله: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾. وقوله تعالى: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾. قال ابن عباس: "يريد تُرشدوا من لم يرشده الله" [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 92.]]. ومعنى هذا أنه ليس إليكم هداية من أضل الله، وهؤلاء ممن ضلهم الله فلا يرشدهم أحد. وقال الزجاج: [أي أتقولون] [[طمس هذا الموضع في (ش)، والتسديد من "معاني الزجاج" 2/ 88.]] إنَّ هؤلاء مهتدون والله جل وعز قد أضلهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 88.]]. فمعنى ﴿تَهْدُوا﴾ على هذا تسموا [[هكذا في المخطوط ولعل الصواب: "تسموهم".]] مهتدين وتجعلوهم مهتدين (.. [[في المخطوط طمس يمثل كلمة أو كلمتين.]] ..) وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88] قال ابن عباس: "يريد دينا" [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 92.]]. وقال الزجاج والسدي: أي (....) [[بياض في (ش) وعند الزجاج في "معانيه" 2/ 88: "أي طريقًا إلى الحجة".]]. والمعنى أنه لا ينفعه هداية هاد له.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب