الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (٩٠)﴾ [النساء ٨٨ - ٩٠]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ الخطاب في قوله: ﴿فَمَا لَكُمْ﴾ للصحابة رضي الله عنهم، و(ما) اسم استفهام مبتدأ، والمراد بالاستفهام هنا الإنكار عليهم. و(لكم) جار ومجرور خبر المبتدأ؛ يعني: أي شيء لكم في المنافقين تختلفون فتكونون فئتين، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم بعد رجوع من رجع من المنافقين في أُحد، وتعرفون أنه رجع من الجيش في أُحُد نحو الثلث، كلهم منافقون، اختلف الصحابة فيما بعد؛ قال بعضهم: نقتلهم؛ لأنهم خانوا وتبيّن ردتهم، وقال آخرون: لا نقتلهم؛ لأنهم يظهرون بالإسلام، فاختلفوا وتنازعوا وصار المسلمون فئتين، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿فِئَتَيْنِ﴾ خبرًا لـ(صار) المحذوفة، والتقدير: فما لكم في المنافقين صرتم فئتين، أو كنتم فئتين، كلاهما صحيح، الفئة الأولى ماذا قالت؟ نقتلهم، والفئة الثانية قالت: لا نقتلهم، فئة أخرى قالت: هؤلاء مسلمون، فئة أخرى قالت: هؤلاء كفار منافقون. فبين الله الحكم بين الفئتين فقال: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ﴾ (الإركاس) بمعنى الرد والإرجاع، لكن على وجه مذموم، فمعنى ﴿أَرْكَسَهُمْ﴾ أي: ردهم وأرجعهم على وجه مذموم، ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ (الباء) للسببية، و(ما) يجوز في إعرابها أن تكون مصدرية ويكون التقدير: أركسهم بكسبهم، ويجوز أن تكون موصولة ويكون التقدير: بما كسبوه، فإذا كان الله أركسهم بما كسبوه فالصواب مع من قال: إنهم كافرون مرتدون، أما مسألة المقاتَلة فسيأتي التفصيل فيها في الآيات. ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ وهذا الاستفهام استفهام توبيخي، والإرادة هنا بمعنى المحبة أو بمعنى المشيئة، كلاهما صحيح، يعني: أتشاؤون أن تهدوا من أضل الله؟ أو أتحبون أن تهدوا من أضل الله؟ والجواب: ليس لكم ذلك؛ لأن من يرد الله أن يضله فإنه ليس له من الله من ولي ولا نصير. ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ الاسم الكريم (الله) بالرفع على أنه فاعل، وعلى هذا فيكون ﴿أَضَلَّ﴾ فيها ضمير محذوف هو عائد الصلة، والتقدير: من أضله الله. ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ (مَنْ) هذه شرطية، والدليل على أنها شرطية أن الفعل بعدها وقع مجزومًا، ولكنه حُرك بالكسر: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ لالتقاء الساكنين، وقد قال ابن مالك في الكافية: ؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُنْ لَيْنًا فَحَذْفَهُاسْتَحَـــــــــــــــــقْيعني: إن كان حرف علة احذفه، إذا كان ساكنًا اكسره. وقوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ (لن) هذه جملة جواب الشرط، ولماذا اقترنت بالفاء؟ لأن الجواب لا يصح أن يكون فعلًا للشرط، ومتى امتنع أن يكون الجواب فعلًا للشرط وجب أيش؟ اقترانه بالفاء، وقد جُمعت المواضع التي يقترن الجواب فيها بالفاء في بيت ينشدنا إياه؟ * طالب: (...) * الشيخ: ؎اسْمِيَّــــــــــــــــــــةٌطَلَبِيَّـــــــــــــــــــــــــــــةٌ وَبِجَــــــــــــــــامِدٍ ∗∗∗ وَبِمَـــــا وَقَــــــدْ وَبِلَــــــــنْوَبِالتَّنْفِيـــــــــــــــــــــــسِمن أي هذه السبعة؟ (لن) ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾. وقوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ قد يقول قائل: كيف كانت بالإفراد والخطاب الذي قبلها بالجمع ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾؟ قلنا: كأنه -والله أعلم- انفصلت هذه الجملة عما قبلها وصار المراد بها المخاطَب؛ يعني: فلن تجد -أيها المخاطَب- له سبيلًا، ومعنى ﴿سَبِيلًا﴾ أي: طريقًا إلى الهداية. * في هذه الآية: الإنكار على المؤمنين في الاختلاف في المنافقين؛ لقوله: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾. * ويترتب على هذه الفائدة: أن هذا يوحي بذم الاختلاف، وذم الاختلاف أمر ثابت؛ لأن هذه الأمة أُوصيت بأن تقيم الدين ولا تتفرق فيه، والاختلاف تفرّق، بل قد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران ١٠٥]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان يركس ويُرد على الوجه المذموم بسبب عمله، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾. * ومن فوائدها: إثبات الأسباب، تؤخذ منين؟ من قوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ الباء للسببية، والناس في الأسباب طرفان ووسط؛ فمن الناس من أنكر تأثير الأسباب إطلاقًا وقال: لا أثر للسبب في المسبّب، حتى كابروا المعقول والمحسوس وقالوا: لو رميت الزجاجة بحجر فانكسرت فإن الحجر لم يكسرها، ولكن انكسرت الزجاجة عنده لا به، لماذا؟ قالوا: لأننا لو أثبتنا تأثير الأسباب لأثبتنا خالقًا مع الله، سبحان الله! وهذا القول إذا نُسب للإسلام سوف يكون مثارًا للقدح في الإسلام؛ لأن غير المسلمين يشاهدون أن الأسباب تؤثر. * الطرف الثاني: من يقول: إن الأسباب لها تأثير بمقتضى طبيعتها لا بأن الله سبحانه وتعالى جعل فيها القوة المؤثرة، وهؤلاء قد ضلوا وأشركوا، جعلوا مع الله شريكًا، هؤلاء أيضًا على ضلال. * والقسم الثالث قالوا: إن للأسباب تأثيرًا بما أودع الله فيها من القوى الفاعلة، وليست هي التي تفعل، وهؤلاء هم أهل الحق وأهل الصواب، فالله تعالى هو الذي جعل الإحراق في النار فتحرق، وجعل الكسر في الحجر يقع على الزجاجة فتنكسر، والدليل على هذا أن الله تعالى قال في نار إبراهيم: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩]، وطبيعة النار أيش؟ الحرارة والإحراق الإهلاك، لكن قال لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ فكانت بردًا وسلامًا عليه، إذن الأسباب لا تؤثر بذاتها، ولكن بما أودع الله فيها من القوى الفاعلة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأعمال قد تكون سببًا لرِدَّة الإنسان وكثرة معاصيه، السيئة تجذب السيئة، والصغائر بريد الكبائر، والكبائر بريد الكفر، وهذا واضح ﴿أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾، فإذا رأيت من نفسك إركاسًا -والعياذ بالله- فانتشلها بالتوبة والاستغفار إلى الله عز وجل وسؤال الله الثبات، ولا تتهاون، لا تقل: إن شاء الله يقوى إيماني بعد، من الآن، من حين أن تحس بالمرض فعليك بالدواء. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الرد على الجبرية، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ فأثبت لهم كسبًا، والجبرية يقولون: إن الإنسان لا كسب له وعمله مجبر عليه. * ومن فوائدها: الرد على القدرية أيضًا، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ﴾ ﴿أَرْكَسَهُمْ﴾، والقدرية يقولون: إن أفعال العباد لا علاقة لتقدير الله تعالى بها إطلاقًا، فصار في الآية رد على كلتا الطائفتين المنحرفتين المبتدعتين، أهل السنة والجماعة يقولون: للإنسان فعل يُنسب إليه حقيقة، والمقدِّر لهذا الفعل من؟ الله عز وجل، وهذا هو المطابق للمنقول والمعقول والمحسوس. * ومن فوائد الآية الكريمة: توبيخ أولئك المؤمنين الذين يريدون أن يهدوا من أضل الله؛ لقوله: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾. فإن قال قائل: يُشكل على هذا إشكال كبير؛ الدعوة إلى الله عز وجل ومحاولة إصلاح الخلق، فإن الداعي يريد أيش؟ أن يهتدي المسلمون، أن يهتدي المدعوون؟ فيقال: الجواب عن هذا: أن الله أنكر على هؤلاء الذين يشاهدون أن الله أضل هؤلاء بالنفاق والعياذ بالله، ويحاولون أن يحكموا بإسلامهم، ويقولون: إنهم مسلمون كما هي الفئة الثانية. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الهداية والإضلال بيد من؟ بيد الله. * ويتفرع على هذه الفائدة: أن لا تسأل الهداية من الضلال إلا من الله عز وجل، وأن تجعل سؤالك لبعض الناس: كيف أهتدي تجعله سؤالًا عن السبب والطريق، وأما الذي بيده أزِمَّة الأمور فهو الله عز وجل؛ ولهذا قال الله لنبيه: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص ٥٦]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن من قدَّر الله إضلاله فإنه لا يمكن لأحد أن يقوم بهدايته؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾. فإن قيل: هذا يقتضي أن يكون للعاصي حجة على معصيته فيقول: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ فما الجواب؟ الجواب عن هذا أن يقال: لا حُجّة في هذا للعاصي إطلاقًا؛ وذلك لأن الإنسان لا يعرف أن الله أضله إلا بعد أن يضل هو، وضلاله هو صادر عن إرادته، إرادة الإنسان وقدرة الإنسان، فهو الفاعل وهو الذي أضل نفسه، لكن لا يعلم أن الله قدر عليه الضلال إلا بعد أيش؟ بعد وقوعه، فكيف يحتج بحجة لا يعلم بها إلا بعد وقوع الشيء؟! هذا باطل. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾، وإذا آمنت بذلك فلن تسأل الهداية إلا ممن؟ إلا من الله عز وجل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب