الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَما لَكم في المُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها سَبْعَةُ أقْوالٍ. (p-١٥٣)أحَدُها: «أنَّ قَوْمًا أسْلَمُوا، فَأصابَهم وباءٌ بِالمَدِينَةِ وحِماها، فَخَرَجُوا فاسْتَقْبَلَتْهم نَفَرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقالُوا: ما لَكم خَرَجْتُمْ؟ قالُوا: أصابَنا وباءٌ بِالمَدِينَةِ، واجْتَوَيْناها، فَقالُوا: أما لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نافَقُوا، وقالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنافِقُوا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» رَواهُ أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِيهِ. والثّانِي: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا خَرَجَ إلى أُحُدٍ، رَجَعَ ناسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، فافْتَرَقَ فِيهِمْ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ، فَفِرْقَةٌ تَقُولُ: نَقْتُلُهم، وفِرْقَةٌ تَقُولُ: لا نَقْتُلُهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ. هَذا في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ. والثّالِثُ: أنَّ قَوْمًا كانُوا بِمَكَّةَ تَكَلَّمُوا بِالإسْلامِ وكانُوا يُعاوِنُونَ المُشْرِكِينَ، (p-١٥٤)فَخَرَجُوا مِن مَكَّةَ لِحاجَةٍ لَهم، فَقالَ قَوْمٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: اخْرُجُوا إلَيْهِمْ، فاقْتُلُوهم، فَإنَّهم يُظاهِرُونَ عَدْوَّكم. وقالَ قَوْمٌ: كَيْفَ نَقْتُلُهم وقَدْ تَكَلَّمُوا بِمِثْلِ ما تَكَلَّمْنا بِهِ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: أنَّ قَوْمًا قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَأظْهَرُوا الإسْلامَ، ثُمَّ رَجَعُوا إلى مَكَّةَ، فَأظْهَرُوا الشِّرْكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، هَذا قَوْلُ الحَسَنِ، ومُجاهِدٍ. والخامِسُ: أنَّ قَوْمًا أعْلَنُوا الإيمانَ بِمَكَّةَ وامْتَنَعُوا مِنَ الهِجْرَةِ، فاخْتَلَفَ المُؤْمِنُونَ فِيهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، وهَذا قَوْلُ الضَّحّاكِ. والسّادِسُ: أنَّ قَوْمًا مِنَ المُنافِقِينَ أرادُوا الخُرُوجَ مِنَ المَدِينَةِ، فَقالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: إنَّهُ قَدْ أصابَتْنا أوْجاعٌ في المَدِينَةِ، فَلَعَلَّنا نَخْرُجُ فَنَتَماثَلُ، فَإنّا كُنّا أصْحابَ بادِيَةٍ، فانْطَلَقُوا واخْتَلَفَ فِيهِمْ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ. هَذا قَوْلُ السُّدِّيِّ. والسّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في شَأْنِ ابْنِ أُبَيٍّ حِينَ تَكَلَّمَ في عائِشَةَ بِما تَكَلَّمَ، وهَذا قَوْلُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَما لَكُمْ﴾ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. والمَعْنى: أيُّ شَيْءٍ لَكم في الِاخْتِلافِ في أمْرِهِمْ؟ و" الفِئَةُ": الفِرْقَةُ. وفي مَعْنى "أرْكَسَهُمْ" أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: رَدَّهم، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: رَكَسْتُ (p-١٥٥)الشَّيْءَ، وأرْكَسْتُهُ: لُغَتانِ، أيْ: نَكَسَهم ورَدَّهم في كُفْرِهِمْ، وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ، والزَّجّاجِ. والثّانِي: أوْقَعَهم، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أهْلَكَهم، قالَهُ قَتادَةُ. والرّابِعُ: أضَلَّهم، قالَهُ السُّدِّيُّ. فَأمّا الَّذِي كَسَبُوا، فَهو كُفْرُهم، وارْتِدادُهم. قالَ أبُو سُلَيْمانَ: إنَّما قالَ: أتُرِيدُونَ أنْ تَهْدُوا مَن أضَلَّ اللَّهُ، لِأنَّ قَوْمًا مِنَ المُؤْمِنِينَ قالُوا: إخْوانُنا، وتَكَلَّمُوا بِكَلِمَتِنا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: إلى الحُجَّةِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّانِي: إلى الهُدى، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب