الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ قال ابن عباس والكلبي وغيرهما: يريد فرضنا وأوجبنا عليهم [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 610 دون نسبة لأحد وكذا السمرقندي في "بحر العلوم" 1/ 366، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 88.]]. قال مجاهد: يعني: على اليهود والعرب [[أخرج الطبري 5/ 160، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، انظر: "الدر المنثور" 2/ 323.]]. قال المفسرون: كتب الله على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، وكتب على المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم، فقال الله: ولو كتبنا على هؤلاء ما كتبنا على غيرهم لما فعله إلا قليل منهم [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 84 أ، "الوسيط" 2/ 610، "الرازي" 10/ 167.]]. وقوله تعالى: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾. قال الحسن: أخبر عن علمه فيهم، كقوله عن نوح: ﴿لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود:36] [[لم أقف عليه.]]. يعني: ما يفعل ذلك إلا من قد علم الله منه ذلك وهم قليل. وقال عطاء: ﴿إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ يريد الأنصار [[لم أقف عليه.]]. وقال مقاتل: كان من القليل عمار بن ياسر، وابن مسعود، وثابت بن قيس بن شماس [["تفسيره" 1/ 387، وانظر: "معالم التنزيل" 2/ 246، والقرطبي 5/ 270.]]. ونحو ذلك قال الكلبي، فقال: نزلت في ثابت بن قيس؛ لأنه قال: إن الله يعلم لو أمرني بأمرٍ أقتل نفسي لقتلت، فكان ثابت من القليل الذين استثنى [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص (88)، "الكشف والبيان" (4/ 84 أ "معالم التنزيل" 2/ 246.]]. والظاهر في هذه الآية ما قال الحسن؛ لكون المستثنى من المكتوب عليهم، والمهاجرون والأنصار وهؤلاء الذين ذكرهم فقال: ﴿مِنْهُمْ﴾، وإنما أريد بقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ المنافقون والذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم، وهم الذين ذكروا في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ هذا هو ظاهر (....) [[بياض في (ش) بقدر كلمتين أو ثلاث، ويمكن أن تقدر بـ: [ما قاله] أو [ما ذهب إليه].]] عطاء ومقاتل، فيمكن أن يحمل على وجهين: أحدهما: أن قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ يريد اليهود والمنافقين والمؤمنين جميعًا، ثم استثنى الصحابة الأنصار والمهاجرين والمؤمنين بقوله: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾، ويكون قوله بعد هذا: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ اليهود والمنافقين. وقد ورد في التنزيل آي حمل بعضها على العموم وبعضها على الخصوص. وعليه (....) [[كلمة غير واضحة في (ش)، ويمكن أن تقدر بـ: [يحتمل].]] أن يُحمل على قراءة من قرأ ﴿إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ بالنصب [[هذِه قراءة لابن عامر خاصة وكذا هي في المصحف الشامي. انظر: "الحجة" 3/ 168، "النشر" 2/ 250.]]؛ لاختلاف جنسي المستثنى منه والمستثنى، وذلك أنه في هذه الآية قبيلان: مكتوب عليهم وهم المنافقون، ومستثنى وهم الأنصار، فصار كالجنسين المختلفين، وإذا اختلف الجنسان فالاختيار النصب [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 70، "شرح المعلقات العشر" للنحاس 2/ 158.]]، كقوله: وما بالرَّبع من أحدٍ إلا أواري [[جملة مستفادة من بيتين من الشعر للنابغة الذبياني هما: وقفت فيها أصيلا لا أسائلها ... عيت جوابًا وما بالربع من أحد إلا الأواري لأيًا ما أبينها ... والنؤيُ كالحوض بالمظلومة الجلد= "معاني الزجاج" 2/ 70، "شرح القصائد المشهورات" للنحاس 2/ 158. والأواري التي يحبس بها الخيل من وتد أو حبل، الواحد: آري، واللأى: البطء ، والنؤي: حاجز من تراب حول الخيمة يحول دون وصول الماء إليها. وقال: بالمظلومة الجلد، لأنهم مروا في برية فحفروا فيها حوضًا وليست موضع حوض فجعل الشيء في غير موضعه.]] ويحتمل أن يكون هذا من الاستثناء المنقطع عن الأول، على أن تكون إلا بمعنى لكن، كأنه قيل: لكن قليلًا منهم، وهم الأنصار. وذكرنا معنى الاستثناء المنقطع بأبلغ الاستثناء عند قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ في سورة البقرة [الآية:150]. وقوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ على هذا الكنايةُ تعود إلى المنافقين، ويقال ذلك لأن القبيلين وإن اختلفا من حيث الإيمان والكفر، فقد اتفقا بالنسب والجوار والحلف واللغة، وكونهم أهل عصر [[قد تكون هذِه الكلمة: "مصر".]] واحد، في زمن نبي واحد، وكل هذا من الملابسة بين الفريقين، ولأن المنافقين أيضًا ادعوا الإيمان وأظهروا شعاره، فقاسمُ الإيمان يشملهم. ومثل هذا من التنزيل قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: 72] يعني المنافقين، وهو يخاطب المؤمنين، فجعلهم منهم. وسنذكر الوجه منه إذ انتهينا إليه. ولهذا المعنى الذي ذكرنا أن القليل غير مستثنى من المنافقين اختار جماعة من القراء (....) [[غير واضح في (ش)، ولعل الكلمة تكون: [ترجيح] الوقف ...]] الوقف على قوله: ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾ إشعارًا أن هذا الاستثناء منقطع من الأول [[ممن اختار هذا الوقف يعقوب. انظر: "القطع والائتناف" ص 256.]]. واختلف القراء في قوله: ﴿أَنِ اقْتُلُوا﴾ و ﴿أَوِ اخْرُجُوا﴾ فكسرهما عاصم وحمزة [[انظر: "السبعة" ص 236، "الحجة" 3/ 167.]] لالتقاء الساكنين [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 71، "التفسير الكبير" 10/ 166.]] ولم يضماهما وإن ضمت الهمزة لضم الحرف الثالث في الفعل، لأنهما (.. [[بياض في (ش)، ولعله: مع كونهما من ... المنفصل ...]] ..) المنفصل في حكم المتصل [[انظر: "الحجة" 3/ 168.]]. ومن قرأ بالضم فيهما [[هذِه القراءة لابن عامر وابن كثير ونافع والكسائي. انظر: "السبعة" ص 234، "الحجة" 3/ 167.]] فلأنهما حلّا محل الهمزة المضمومة كما ضمت هي، وإن كانتا منفصلتين [[انظر: "الوسيط" 2/ 610.]]. قال أبو إسحاق: للكسرة والضمة في هذه الحروف وجهان جيدان [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 72.]]. وأبو عمرو كان يختار الكسر في: ﴿أَنِ اقْتُلُوا﴾، والضم في: ﴿أَوِ اخْرُجُوا﴾. قال الزجاج: ولست أعرف لفصل أبي عمرو بين هذين الحرفين خاصية إلا أن يكون رواية [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 72.]]. وقال غيره [[أبو علي في "الحجة" 3/ 167.]]: فصل أبو عمرو بين النون والواو لأن الضمة في الواو أحسن لأنها تشبه واو الضمير، والجمهور في واو الضمير على الضم [نحو] [[بياض في (ش)، والتسديد من "الحجة" 3/ 167.]] ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ﴾ [البقرة: 16، 175] ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ﴾ [البقرة: 237]. وهذا قول أبي علي الفارسي [["الحجة" 3/ 167.]]. وقال الأخفش: الضم في هذه الحروف لغة حسنة، [وهي] [[بياض في (ش)، والتسديد من "الحجة" 3/ 167.]] أكثر في الكلام وأقيس، لأن ما أجروه في كلامهم من المنفصل مجرى المتصل أكثر من أن يُقتص [[من "الحجة" 3/ 167، 168، وكلام الأخفش ليس في كتابه "معاني القرآن".]]. وقوله تعالى: ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾ الكناية تعود إلى القتل والخروج كلاهما وذلك أن الفعل جنس واحد وإن اختلف ضروبه [[من "الكشف والبيان" 4/ 84 ب بتصرف، وانظر: "التفسير الكبير" 10/ 167. وقد استبعد أبو حيان والسمين كون الضمير راجعًا إلى الأمرين، وإنما لأحدهما انظر: "البحر المحيط" 3/ 285، "الدرالمصون" 4/ 22.]]. واختلف القراء في قوله: ﴿إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ فمن ضم وهو الوجه جعله بدلًا من الواو في ﴿فَعَلُوُه﴾، وكذلك كل مستثنى من مجحود، كقولك: ما أتاني [[انظر: "الحجة" 3/ 168.]] أحد إلا زيد، ترفع زيدًا على البدل من أحد، فتحمل إعراب ما بعد إلا على ما قبلها. وكذلك في النصب والجر، كقولك: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا، وما مررت بأحد إلا زيد. قال أبو علي: الرفع هو الأكثر والأشيع في الاستعمال والأقيس، فقدته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيد واحد [[يبدو أن في الكلام حذفًا أو سقطًا، ففي "الحجة" 3/ 168: "فقوته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيد، وما أتاني إلا زيد، واحد".]]، فكما اتفق [[في "الحجة" 3/ 168: "اتفقوا" وهو الأنسب بالسياق.]] على: ما أتاني إلا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه، اختاروا الرفع مع ذكر أحد. وأما من نصب فقال: ما جاءني أحد إلا زيدًا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك أن قوله: ما جاءني أحد، كلام تام، كما أن: جاءني القوم كذلك، فنصب مع النفي، كما نصب مع الإيجاب، من حيث اجتمعا في أن كل واحد منهما كلام تام [[انتهى من "الحجة" 3/ 168، 169، بتصرف. وانظر: "الوسيط" 2/ 611.]]. وذكرنا للنصب وجها آخر في معنى الآية. قال أصحاب المعاني: (....) [[غير واضح في (ش) بسبب طمس بعض الحروف.]] تجهيل من خالف ما يلزمه من التكليف مع تسهيله، ولو شدد نهاية التشديد لم يجز إلا (......) [[بياض في (ش).]] من الحظ الجزيل. يقول الله تعالى: ولو كتبنا عليهم القتل والخروج ما فعلوه للمشقة فيه، مع أنه كان ينبغي أن يفعلوه (... [[كلمة غير واضحة، ويمكن أن تكون الكلمة: (سيما) وقد سهلنا.]] ..) وقد سهلنا تكليفهم غاية التسهيل ويسرناه نهاية التيسير. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾. قال مقاتل: ما يوعظون به من القرآن [["تفسير" 1/ 387.]]. وقال الكلبي: ما يُؤمرون به [["تنويرالمقباس" بهامش المصحف ص 89.]]. وقوله تعالى: ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ في الآخرة [[انظر: "الوسيط" 2/ 611، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89.]]. وقال مقاتل: لكان خيرًا لهم في دينهم [["تفسيره" 1/ 387.]]. وقال الحسن: لكان خيرًا له في العصمة وأمنع من الشياطين [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء:66]. قال عطاء عن ابن عباس: أشد تثبيتًا في دينهم [[لم أقف عليه، وانظر: "الوسيط" 2/ 611.]]. وقال مقاتل: ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ تصديقًا بأمر الله [["تفسيره" 1/ 387.]]. فمعنى قول عطاء أنهم لو أطاعوا الرسول كان ذلك أشد تثبيتًا منهم لأنفسهم في الدين. وقال أبو روق: ﴿تَثبِيتًا﴾ تحقيقًا [[في "الكشف والبيان" 4/ 84 ب جاء هذا الوجه من التفسير بلفظ: "تحقيقًا وتصديقا لإيمانهم" دون نسبة لأحد، وانظر: "معالم التنزيل" 2/ 246.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب