الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا﴾ أَيْ: فَرَضْنَا وَأَوْجَبْنَا، ﴿عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ كَمَا أَمَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ كَمَا أَمَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِصْرَ، ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾ مَعْنَاهُ: أَنَّا مَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ إِلَّا طَاعَةَ الرَّسُولِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، وَلَوْ كَتَبْنَا عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ وَالْخُرُوجَ عَنِ الدَّوْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ، ﴿إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عُمَرُ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَهُمُ الْقَلِيلُ، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنَا لَفَعَلْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: "إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَثْبَتُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي" [[ذكر ذلك الثعلبي عن الحسن ومقاتل. انظر: الكافي الشاف ص ٤٦، تفسير ابن كثير: ١ / ٥٢٣.]] . قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الشَّامِ ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ الشَّامِ، وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، تَقْدِيرُهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قَلِيلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الضَّمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ ﴿فَعَلُوهُ﴾ تَقْدِيرُهُ: إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ فَعَلُوهُ، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ تَحْقِيقًا وَتَصْدِيقًا لِإِيمَانِهِمْ. ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ثَوَابًا وَافِرًا. ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ أَيْ: إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ يُعْرَفُ الْحُزْنُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ"؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي مَرَضٌ وَلَا وَجَعٌ غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ فَأَخَافُ أَنْ لَا أَرَاكَ لِأَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلِ الْجَنَّةَ لَا أَرَاكَ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [[أسباب النزول للواحدي ص (١٥٨) وانظر: الكافي الشاف ص (٤٦) .]] . وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتَ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَنَحْنُ أَسْفَلُ مِنْكَ؟ فَكَيْفَ نَرَاكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [[الطبري: ٨ / ٥٣٤، الدر المنثور: ٢ / ٥٨٩، أسباب النزول للواحدي ص (١٥٩) .]] . ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ﴾ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، ﴿وَالرَّسُولَ﴾ فِي السُّنَنِ ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ أَيْ لَا تَفُوتُهُمْ رُؤْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَمُجَالَسَتُهُمْ لَا أَنَّهُمْ [[في (ب) (لأنهم) .]] يُرْفَعُونَ إِلَى دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاءِ، ﴿وَالصِّدِّيقِينَ﴾ أَفَاضِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالصِّدِّيقُ الْمُبَالِغُ فِي الصِّدْقِ، ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَقِيلَ: الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: النَّبِيُّونَ هَاهُنَا: مُحَمَّدٌ ﷺ وَالصِّدِّيقُونَ أَبُو بَكْرٍ، وَالشُّهَدَاءُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ سَائِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ يَعْنِي: رُفَقَاءَ الْجَنَّةِ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: ٦٧] أَيْ: أَطْفَالًا ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ أَيْ: الْأَدْبَارَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أُنْسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" [[البخاري في الأدب، باب علامة الحب في الله: ١٠ / ٥٥٧ عن ابن مسعود وأبي موسى، ومسلم في البر والصلة - باب المرء مع من أحب، برقم (٢٦٤٠) : ٤ / ٢٠٣٤. والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٦١.]] . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ قَالَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا"؟ قَالَ: فَلَمْ يَذْكُرْ كَثِيرًا، إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: "فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" [[أخرجه البخاري في الأدب - باب علامة الحب في الله: ١٠ / ٥٥٧ وفي الأحكام أيضا، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب، برقم (٢٦٣٩) : ٤ / ٢٠٣٢، والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٦١.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب