الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا﴾ الآية. قال المفسرون: الذي نزّل في النهي عن مجالستهم ما نزل بمكة من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ الآية [الأنعام: 68] وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود، فيسخرون من القرآن ويكذبون به فنهى الله عز وجل المسلمين [[من "الكشف والبيان" 4/ 134 أبتصرف، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 398، والبغوي 2/ 301، و"الكشاف" 1/ 305، و"زاد المسير" 2/ 228، و"الدر المنثور" 2/ 415.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾ أي إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها ، ولكن أوقع فعل السماع على الآيات والمراد بالسماع الاستهزاء [[انظر: القرطبى 5/ 417، 418.]]. قال الكسائي: وهو كمال تقول العرب: سمعت عبد الله يُلام، وأتيت عبد الله يُلام، إنما سمع اللوم فأوقع على الملوم [[لم أقف عليه عن الكسائي، وانظر: القرطبي 5/ 418.]]. وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾. أي يأخذوا في حديث غير الكفر والاستهزاء، فكنى عنه لأن الفعل يدل على المصدر. وقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾، قال ابن عباس: "يريد إنكم كافرون مثلهم" [[لم أقف عليه.]]. وهذا دليل على الوعيد لمن رضي بحالهم وما هم عليه من الكفر والاستهزاء [[انظر: الطبري 5/ 330.]]، أو من رضي بالكفر فهو كافر، ويدل على أن من رضي بمنكر وخالط أهله وإن لم يباشر ذلك كان في الإثم والمعصية بمنزلة المباشر، ألا ترى أن الله ذكر لفظ المماثلة في هذا الموضع [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 462، و"بحر العلوم" 1/ 398، والبغوي 2/ 301، والقرطبي 5/ 418.]]، وقد قال ابن عباس في قوله: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾: "يريد وأنتم تسمعون وتجالسونهم ولا تغضبون" [[لم أقف عليه.]] فدل هذا أن النهي عن القعود معهم على الرضا بما هم عليه. فأما إذا قعد ساخطًا منكرًا لفعلهم فإنه لا يكون مثلهم [[لم أجد مثل هذا القول عند المفسرين، وهو خلاف ظاهر الآية.]]. وقال ابن عباس في قوله في سورة الأنعام: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ الآية [الأنعام: 68]: "دخل فيها كل مُحدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة" [["الكشف والبيان" 4/ 134 أ، وانظر: البغوي 2/ 301.]]. يريد أن من أحدث في الدين فقد خاض في آيات الله بالباطل. وقد ورد النهي في هذه الآية التي نحن فيه [[هكذا في المخطوط، ولعل الصواب: "فيها".]] عن القعود مع الذين يخوضون في آيات الله بالباطل، فلا يجوز القعود عند كل صاحب بدعة وإحداث في الدين، سيما في القرآن وتفسيره [[انظر: الطبري 5/ 330]]. وقال أهل العلم: إنما ورد النهي عن القعود مطلقًا، لأن (المجالسة) [[هذه الكلمة غير واضحة في المخطوط، وما أثبته قريب.]] مع قوم يقتضي المؤانسة والمشاركة فيما يجرى من المحادثة، هذا هو الغالب في العادة، وقيل من يُجالس قومًا منكرًا عليهم بأخطاء لما يجري بينهم. وكل من تمكن من إزالة منكر يرى قومًا عليه كان واجبًا عليه الإزالة وإذا لم يتمكن فالأولى أن يتباعد عنهم [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 398، والقرطبي 5/ 418.]]، فإن لم يتباعد مع سخطه لما يرى لم يضره إن شاء الله [[هذا مخالف لظاهر هذه الآية من قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ يريد أنهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بالآيات يجتمعون في جهنم على العذاب. وأراد (جامعٌ) بالتنوين، لأنه لم يجمعهم قبل، ولكن حذف التنوين استخفافًا من اللفظ: وهو مراد في المعنى [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 462.]]، وقد تقدمت نظائره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب