الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٤٠ - ١٤٣].
* الشيخ: أحسنت. يقول الله عز وجل: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾.
قوله: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ الفاعل هو الله عز وجل، و(نزّل)، و(أنزل) معناهما واحد.
وقيل: أنزل فيما كان جملة واحدة، ونزّل فيما كان متفرقًا. ولكن آيات الكتاب العزيز تدل على أنه لا فرق، ولكن الذي يتدبر القرآن يدل على أنه لا فرق؛ فإن الله تعالى يعبر عن إنزال القرآن تارة بالإنزال وتارة بالتنزيل، نعم، إذا فصّل في هذا مثل قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ﴾ [الفرقان ٣٢] أي: نزلناه ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ فعلى حسب ما حصل.
﴿وَقَدْ نَزَّلَ﴾ أي: الله عز وجل ﴿عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ أي: في القرآن.
وإذا فسّرنا ﴿الْكِتَابِ﴾ بالقرآن؛ فهذا تفسير بالمراد.
وإذا فسرنا ﴿الْكِتَابِ﴾ بالمكتوب؛ فهذا تفسير باللفظ.
فالتفسير باللفظ: هو الذي يفسّر اللفظ بما يوافق اشتقاقه.
والتفسير بالمراد: هو الذي يُفسّر اللفظ فيه بما أُريد به، بقطع النظر عن الاشتقاق.
فإذا قلت: ﴿الْكِتَابِ﴾ بمعنى: المكتوب فهذا تفسير لفظي باللفظ.
وإذا قلت المراد به: القرآن؛ فهذا تفسير بالمراد.
وهذا يقع كثيرًا في القرآن الكريم تارة تُفسّر الكلمة بمرادها، وتارة تُفسّر بما يوافق اشتقاقها.
على كل ﴿الْكِتَابِ﴾ هنا فِعال بمعنى: (مفعول)؛ أي: مكتوب، وسمي مكتوبًا؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ولأنه مكتوب في المصاحف التي بين أيدينا، ولأنه مكتوب بأيدي السفرة الكرام البررة.
يقول: ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ﴾ هذه ﴿أَنْ﴾ مصدرية، ويجوز أن تكون تفسيرية؛ لأن التنزيل يتضمن معنى القول دون حروفه.
والتفسيرية: هي التي تأتي مفسرة لما تضمن معنى القول دون حروفه..
معنى المكتوب، فهذا تفسير لفظي باللفظ، وإذا قلت: المراد به القرآن، فهذا تفسير بالمراد، وهذا يقع كثيرًا في القرآن الكريم، تارة تفسَّر الكلمة بمرادها، وتارة تفسَّر بما يوافق اشتقاقها، على كلٍّ ﴿الْكِتَابِ﴾ [النساء ١٤٠] هنا (فِعَال) بمعنى (مفعول) أي: مكتوب، وسُمِّي مكتوبًا؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ولأنه مكتوب في المصاحف التي بين أيدينا، ولأنه مكتوب بأيدي السفرة الكرام البررة.
يقول: ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ﴾ [النساء ١٤٠]، هذه (أن) مصدرية، ويجوز أن تكون تفسيرية؛ لأن التنزيل يتضمن معنى القول دون حروفه، والتفسيرية هي التي تأتي مفسِّرة لما تضمن معنى القول دون حروفه، المنزَّل الآن ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾، الآية التي أشار الله عز وجل إليها هي قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام ٦٨]، يعني إذا رأيت أحدًا يخوض في آيات الله؛ إما بكفر، أو استهزاء، أو غير ذلك، فلا تقعد معه، لكن لو نسيتَ فلا حرج عليك إلا إذا أيش؟
* طالب: ذَكَرْتَ.
* الشيخ: ذَكَرْتَ؛ ولهذا قال: ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام ٦٨].
﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ﴾، المراد بالآيات هنا الآيات الشرعية فيما يظهر، ولكن لا مانع أن نقول: هي أيضًا في الآيات الكونية، أما الآيات الشرعية فهي ما جاءت به الرسل من الكتب المنزَّلة عليهم، وأما الآيات الكونية فهي المخلوقات.
فإذا رأيت أحدًا يحاول أن تكون الطبيعة هي الخالقة المدبِّرة فهذا كفر بآيات الله الكونية، أما الشرعية فيكون الكفر بها إما بالتكذيب، أو بالعصيان والمخالفة، لكن العصيان والمخالفة إما أن يكون كفرًا أكبر، وإما أن يكون دون ذلك.
وقوله: ﴿وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾ أي: تُتَّخَذ هُزُوًا وسخريةً، سواء كان ذلك فيها ذاتها، أو فيما جاءت به من الأحكام، أو فيما أخبرت به من الحوادث، مثل أن يسخر بيوم القيامة، أو يسخر بآدم، أو يسخر بقصص الأنبياء السابقين، أو يسخر بالأحكام الشرعية، كل هذا داخل في قوله: ﴿وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾.
﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾، المراد بالقعود المكث؛ سواء كان ذلك قعودًا، أم وقوفًا، أم اضطجاعًا، وليس المراد بالقعود ما هو ضد القيام والاضطجاع.
﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه﴾، (حتى) هنا للغاية، يعني: إلى أن يخوضوا في حديث غيره، وعبَّر بقوله: ﴿يَخُوضُوا﴾؛ لأن الذين كانوا يكفرون بآيات الله ويستهزؤون بها يبعُد كون قولهم جدًّا، بل هم دائمًا في خوض ولعب، ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ [الطور ١٢].
لكن مع ذلك إذا كان هذا الخوض لا يخدش الدين فلا بأس أن نبقى معهم، و﴿حَتَّى﴾ هنا قلت: إنها للغاية، فهل تأتي لغير الغاية؟ نقول: نعم، تأتي لغير الغاية كثيرًا، تأتي للتعليل، مثل قوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون ٧] هنا (حتى) لأيش؟
* الطالب: للتعليل.
* الشيخ: لا، السؤال خاص، لماذا لا تكون للغاية؟ السؤال لك.
* طالب: (...).
* الشيخ: علَّلتَ بالحكم الآن، ما ينفع، لماذا لا تكون للغاية؟ ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون ٧]؟ لأن المعنى يا إخوان يختلف، لو قال: لا تنفقوا حتى ينفضوا، كانت دلالة الآية على أنهم إذا انفضوا فأنفِقُوا عليهم؛ لأن (حتى) الغائية هي التي يحل محلها (إلى أن)، لا تنفقوا على من عند رسول الله إلى أن ينفضوا، فإذا انفضوا فأنْفِقُوا، وهذا ليس المراد، بل المعنى: لا تنفقوا لأجل أن ينفضوا.
أما التي معنا ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه﴾ فهي للغاية، ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه﴾ أي: غير الحديث الذي يكفرون فيه بآيات الله ويستهزؤون بها.
﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ الجملة مؤكَّدة بـ (إن)، والمراد: إنكم إن قعدتم؛ لقوله: ﴿إِذًا مِثْلُهُمْ﴾، أي: مثل هؤلاء الخائضين.
ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء ١٤٠] يوم القيامة، والمنافق سبق أنه الذي يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر، والكافر هو المصرِّح بكفره.
* ففي هذه الآية الكريمة: إثبات أن القرآن مُنَزَّل من عند الله؛ لقوله: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن القرآن كلام الله؛ لأنه إذا كان نازلًا من عنده لزم أن يكون كلامًا؛ إذ إن الكلام صفة ليس عينًا قائمة بنفسها، بل هي صفة من الصفات.
* ويتفرع على هذا أيضًا: إثبات علُوِّ الله؛ لأنه إذا كان الكلام من عنده وهو نازل دلَّ هذا على أن المتكلم به عالٍ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحكم معلَّق بالسمع؛ لقوله: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ﴾، كما عُلِّق بالبصر، كما عُلِّق بالقلب، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء ٣٦].
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا يجب الإنكار على الكافر بآيات الله والمستهزِئ بها، أتوافقون؟
* طالب: لا، لا.
* الشيخ: نعم؟
* طالب: لا، (...).
* الشيخ: نحن الآن نفسِّر الآية نفسها بقطع النظر عن الأدلة الأخرى؟
* طالب: ظاهرها نعم.
* الشيخ: ظاهرها نعم؛ لأنه إنما نهى عن القعود معهم ولم يأمر بالإنكار عليهم، ولكن يقال في الجواب عن هذا: إن الله تعالى إنما أراد أن يبيِّن حكم المشاركين، ونهيُهم عن ذلك -أي عن هذا المنكر- يُفهَم من نهينا عن الجلوس معهم، نهيهنا عن الجلوس معهم يعني أن لا نُقِرَّ المنكر، فالصواب أن هذه الآية لا تدل على ارتفاع النهي عن هذا المنكر، وإن دلَّت عليه أو سكتت عنه فلدينا نصوص أخرى تدل على وجوب إنكار المنكر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأحكام تدور مع عِلَلها، من قوله: ﴿لَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾، فلما كانوا يكفرون بآيات الله ويستهزؤون نُهينا عن القعود معهم، ثم أُذِن لنا بالقعود معهم إذا خاضوا في حديث غيره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المشارك لفاعل المنكر كفاعل المنكر، ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾، نحن قلنا: المشارك، والآية لا تدل على المشارك، تدل على أن الجالس معهم له حكم الفاعل، فنقول: إذا كان الجالس -يعني القاعد معهم له حكم الفاعل- فالمشارك من باب أولى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب مغادرة المكان الذي يُكْفَر فيه بآيات الله ويُستَهْزَأ بها، وجوب المفارقة، ولا يجوز للإنسان أن يبقى ويقول: أنا منكر بقلبي، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ»[[أخرجه مسلم (٤٩ / ٧٨) من حديث أبي سعيد الخدري.]]. وأنا الآن منكِر بقلبي غاية الإنكار.
نقول: لو صدقت في ذلك لقمتَ؛ إذ إن الجوارح تبعٌ للقلب، فلو كره القلب ذلك لكرهته الجوارح، وهذا لا يُغنيك، لا بد أن تفارق، وإلا كنتَ مثلهم.
فإن قال قائل: إذن حرِّموا على الإنسان الجلوس مع حالق اللحية؛ لأن حلق اللحية حرام؟
فالجواب عن ذلك: أنه يجب علينا أن نغادر المكان حين نراه يحلقها بالفعل، أما وقد انتهى الفعل ولم يبقَ إلا أثره فلا يلزمنا أن نغادر المكان الذي هو فيه.
ومثله لو قال قائل: إذا شممت رائحة الدخان في إنسان وجب عليك أن تفارقه؛ لأن أثر الدخان في فمه، فما الجواب؟
الجواب: لا يجب، نعم إذا رأيته يشرب الدخان حينئذ أنهاه، فإن نفع وإلا قمت، أما أثر المعصية فليس كفعل المعصية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم التعاون على الإثم والعدوان، وجهه أنه إذا حرُم القعود مع فاعل المنكر فالإعانة من باب أولى، مثل أن تهيئ لهم المكان؛ ترشُّه، تطيِّبه، تأتي بالأواني، تصب لهم القهوة، الشاي، هذا حرام من باب أولى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن جليس الصلحاء الذين يعملون الصالحات مثلهم، منين نأخذه؟ من قياس العكس؛ لأنه إذا وُزِرَ بالجلوس مع العصاة أُجِر بالجلوس مع الطائعين، وقد استعمل النبي ﷺ هذا القياس بنفسه -صلوات الله وسلامه عليه- لما قال:« «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» -يعني: الإنسان إذا أتى زوجته فله صدقة-« قالوا: يا رسول الله، يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟»، قالوا: نعم، قال: «كَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»[[أخرجه مسلم (١٠٠٦ / ٥٣) من حديث أبي ذر.]].
هذا قياس أيش؟ على العكس، هذه مثلها؛ لأن الله تعالى إذا أثَّم القاعدين مع فاعل المنكر فإن فضله أوسع وأعظم فيثيب القاعدين مع الصالحين وأهل الطاعة.
ومن هنا يتولد * فائدة وهي: الحذر من جلساء السوء، والترغيب في جلساء الصلاح، وهذا ما حصل من رسول الله ﷺ حيث قال:« «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ»، المسك نوع من الطيب، يقال: إنه يخرج من دم غزال معيَّنة، وفي ذلك يقول المتنبي يمدح -أظنه سيف الدولة- يقول:
؎فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ∗∗∗ فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ
فنحن نقول: إن الرسول قال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ؛ إِمَّا أَنْ يَحْذِيَكَ» –يعني: يعطيك مجانًا- «وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَكَ» -يعطيك بعِوض- «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً» -ما تُفْلِس من الجليس الصالح- «وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ كَنَافِخِ الْكِيرِ؛ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٣٤)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري.]].
أتدرون ما الكير؟ الكير عبارة عن جلد يُربط بعضه ببعض، ويُجعل له حلقوم يدخل على ماسورة تتصل بالجمر، وفي طرف الجلد هذا -وهو جلد ليِّن- في طرفه خشبتان –هكذا- تنفتحان وتنضمان، إذا شدَّه فتحهما، فامتلأ الجلد هواء، ثم ضمهما ودفعه، وحينئذ يكون هواء يدخل مع الماسورة على الفحم فتشتعل النار، هذا هو الكير، وكانوا يستعملونه فيما سبق، أدركناهم، يقول: هذا حامل الكير «إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ»، متى؟ إذا طار الشرر على الثياب، «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً».
فيؤخذ من الآية الكريمة معنى هذا الحديث، احذر جلساء السوء، وعليك بجلساء الصلاح؛ فإنك لن تعدم خيرًا من جلساء الصلاح، ولن تعدم شرًّا من جلساء السوء.
* من فوائد الآية الكريمة: أن النار لصنفين من العالم، قُلْهُمَا؟
* طالب: أن النار لصنفين من..
* الشيخ: بيِّنهما، مَن هما الصنفان؟
* الطالب: اللي في الآية المنافقين والكافرين.
* الشيخ: يكفي، المنافقون والكافرون، بقي صنف ثالث: المؤمنون، وهؤلاء الأصناف الثلاثة هم المذكورون في أول سورة البقرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات النار، وأنها واسعة، وجه ذلك؟ ﴿جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ﴾ وجه كونها واسعة «أن تسع مئة وتسعة وتسعين من بني آدم في النار»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٨)، ومسلم (٢٢٢ / ٣٧٩) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، والجن؟ ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩]، الظاهر الجن أكثر من بني آدم في النار، ولهذا قُدِّموا في الآية الكريمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ممكن نقول: فيها الالتفات؟ فيها التفات؟
* طالب: قوله بعد أن قال: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾، عبَّر هنا بالضمير، ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ﴾ عبر بالاسم الظاهر.
* الشيخ: إي نعم، ربما يقال هكذا، والإظهار في موضع الإضمار له فوائد:
* طالب: العموم.
* الشيخ: إرادة العموم، نعم.
* طالب: على سبب ترتب هذا الحكم عليهم، وإرادة بيان السبب والعموم.
* الشيخ: هذه واحدة.
* طالب: (...) للتنبيه.
* الشيخ: طيب، ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ٩٨]، ولم يقل: عدو له، مع أن هذا مقتضى السياق، لكن يبين أن ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ فهو كافر، وليُنَبِّه على سبب العداوة؛ عداوة الله، وهي الكفر، وليكون المعنى أشمل، يعني: فيكون الله عدوًّا للكافرين الذين كفروا بالمعاداة، والذين كفروا بغيرها أيضًا.
{"ayah":"وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ یُكۡفَرُ بِهَا وَیُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُوا۟ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۤ إِنَّكُمۡ إِذࣰا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡكَـٰفِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق