الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكم في الكِتابِ أنْ إذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها﴾ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ مُجالَسَةِ مَن يُظْهِرُ الكُفْرَ والِاسْتِهْزاءَ بِآياتِ اللَّهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿فَلا تَقْعُدُوا مَعَهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ و" حَتّى " هَهُنا تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّها تَصِيرُ غايَةً لِحَظْرِ القُعُودِ مَعَهم حَتّى إذا تَرَكُوا إظْهارَ الكُفْرِ والِاسْتِهْزاءِ بِآياتِ اللَّهِ زالَ الحَظْرُ عَنْ مُجالَسَتِهِمْ، والثّانِي: أنَّهم كانُوا إذا رَأوْا هَؤُلاءِ أظْهَرُوا الكُفْرَ والِاسْتِهْزاءَ بِآياتِ اللَّهِ، فَقالَ: لا تَقْعُدُوا مَعَهم لِئَلّا يُظْهِرُوا ذَلِكَ ويَزْدادُوا كُفْرًا واسْتِهْزاءً بِمُجالَسَتِكم لَهم؛ والأوَّلُ أظْهَرُ.
ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ ما اقْتَضَتْهُ الآيَةُ مِن (p-٢٧٨)إباحَةِ المُجالَسَةِ إذا خاضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٦٨] قِيلَ: إنَّهُ يَعْنِي مُشْرِكِي العَرَبِ، وقِيلَ: أرادَ بِهِ المُنافِقِينَ الَّذِينَ ذُكِرُوا في هَذِهِ الآيَةِ، وقِيلَ: بَلْ هي عامَّةٌ في سائِرِ الظّالِمِينَ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّكم إذًا مِثْلُهُمْ﴾ قَدْ قِيلَ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: في العِصْيانِ وإنْ لَمْ تَبْلُغْ مَعْصِيَتُهم مَنزِلَةَ الكُفْرِ، والثّانِي: أنَّكم مِثْلُهم في الرِّضا بِحالِهِمْ في ظاهِرِ أمْرِكم، والرِّضا بِالكُفْرِ والِاسْتِهْزاءِ بِآياتِ اللَّهِ تَعالى كُفْرٌ، ولَكِنْ مَن قَعَدَ مَعَهم ساخِطًا لِتِلْكَ الحالِ مِنهم لَمْ يَكْفُرْ، وإنْ كانَ غَيْرَ مُوَسَّعٍ عَلَيْهِ في القُعُودِ مَعَهم.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى وُجُوبِ إنْكارِ المُنْكَرِ عَلى فاعِلِهِ وأنَّ مِن إنْكارِهِ إظْهارُ الكَراهَةِ إذا لَمْ يُمْكِنْهُ إزالَتُهُ وتَرْكُ مُجالَسَةِ فاعِلِهِ والقِيامُ عَنْهُ حَتّى يَنْتَهِيَ ويَصِيرَ إلى حالٍ غَيْرِها.
فَإنْ قِيلَ: فَهَلْ يَلْزَمُ مَن كانَ بِحَضْرَتِهِ مُنْكِرٌ أنْ يَتَباعَدَ عَنْهُ وأنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لا يَراهُ ولا يَسْمَعُهُ ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ قِيلَ في هَذا أنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذا لَمْ يَكُنْ في تَباعُدِهِ وتَرْكِ سَماعِهِ تَرْكُ الحَقِّ عَلَيْهِ، مِن نَحْوِ تَرْكِ الصَّلاةِ في الجَماعَةِ لِأجْلِ ما يَسْمَعُ مِن صَوْتِ الغِناءِ والمَلاهِي، وتَرْكِ حُضُورِ الجِنازَةِ لِما مَعَهُ مِنَ النُّواحِ، وتَرْكِ حُضُورِ الوَلِيمَةِ لِما هُناكَ مِنَ اللَّهْوِ واللَّعِبِ؛ فَإذا لَمْ يَكُنْ هُناكَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ فالتَّباعُدُ عَنْهم أوْلى، وإذا كانَ هُناكَ حَقٌّ يَقُومُ بِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلى ما هُناكَ مِنَ المُنْكَرِ وقامَ بِما هو مَندُوبٌ إلَيْهِ مِن حَقٍّ بَعْدَ إظْهارِهِ لَإنْكارِهِ وكَراهَتِهِ وقالَ قائِلُونَ: إنَّما نَهى اللَّهُ عَنْ مُجالَسَةِ هَؤُلاءِ المُنافِقِينَ ومَن يُظْهِرُ الكُفْرَ والِاسْتِهْزاءَ بِآياتِ اللَّهِ؛ لِأنَّ في مُجالَسَتِهِمْ تَأْنِيسًا لَهم ومُشارَكَتَهم فِيما يَجْرِي في مَجْلِسِهِمْ.
وقَدْ قالَ أبُو حَنِيفَةَ في رَجُلٍ يَكُونُ في الوَلِيمَةِ فَيَحْضُرُ هُناكَ اللَّهْوَ واللَّعِبَ: إنَّهُ لا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَخْرُجَ، وقالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ مَرَّةً.
ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ حَضَرَ هو وابْنُ سِيرِينَ جِنازَةً وهُناكَ نُواحٌ، فانْصَرَفَ ابْنُ سِيرِينَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ فَقالَ: إنّا كُنّا مَتى رَأيْنا باطِلًا وتَرَكْنا حَقًّا أسْرَعَ ذَلِكَ في دِينِنا لَمْ نَرْجِعْ.
وإنَّما لَمْ يَنْصَرِفْ لِأنَّ شُهُودَ الجِنازَةِ حَقٌّ قَدْ نُدِبَ إلَيْهِ وأُمِرَ بِهِ فَلا يَتْرُكُهُ لِأجْلِ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ، وكَذَلِكَ حُضُورُ الوَلِيمَةِ قَدْ نَدَبَ إلَيْها النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ يَجُزْ أنْ يُتْرَكَ لِأجْلِ المُنْكَرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ إذا كانَ كارِهًا لَهُ وقَدْ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الغُدانِيُّ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسى عَنْ نافِعٍ قالَ «سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ في أُذُنَيْهِ ونَأى عَنِ الطَّرِيقِ وقالَ لِي: يا نافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا ؟ فَقُلْتُ: لا، فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِن أُذُنَيْهِ وقالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعَ (p-٢٧٩)مِثْلَ هَذا فَصَنَعَ مِثْلَ هَذا» . وهَذا هو الِاخْتِيارُ لِئَلّا تُساكِنَهُ نَفْسُهُ ولا تَعْتادَ سَماعَهُ فَيَهُونَ عِنْدَهُ أمْرُهُ، فَأمّا أنْ يَكُونَ واجِبًا فَلا.
{"ayah":"وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ یُكۡفَرُ بِهَا وَیُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُوا۟ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۤ إِنَّكُمۡ إِذࣰا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡكَـٰفِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











