الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ قال أبو إسحاق [[هو الزجَّاج، في "معاني القرآن" له: 1/ 385.]]، وأبو العباس [[هو أحمد بن يحيى (ثعلب): وقوله في "تهذيب اللغة" 2/ 1942 - 1943، وبعضه في "الزاهر" 1/ 125.]]: معنى ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: بيَّن وأظهر [[هذه العبارة بنصها في "تهذيب اللغة". ومما ذكره العلماء في معنى ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ إضافة إلى ما ذكره المؤلف: قضى، وحكم، وأعلم، وأخبر. وقد ردَّ الطبريُّ في "تفسيره" 3/ 209، وابنُ عطية في "المحرر الوجيز" 3/ 52 من المعاني السابقة المذكورة، معنى (قضى) الذي قاله أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 89 ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر الأقوال السابقة في معنى (شهد) قال: (وكل هذه == الأقوال وما في معناها، صحيحة، وذلك أن الشهادة تتضمن كلامَ الشاهد وقولَه وخبرَه عمَّا شهد به، ... وإن لم يكن معْلِمًا به لغيره، ولا مُخْبِرًا به لسواه، فهذه أول مراتب الشهادة. ثم قد يخبره ويُعْلِمه بذلك، فتكون الشهادة إعلامًا لغيره وإخبارًا له ..)، وتابع: (.. فمن قال: (حكم) و (قضى) فهذا من باب اللازم، فإن الحكم والقضاء هو إلزام وأمر؛ ولا ريب أن الله ألزم الخلق التوحيد وأمرهم به وقضى وحكم)، وتابع: (فإذا شهد الله أنه لا إله إلا هو، فقد حكم وقضى أن لا يعبد إلا إيَّاه). "المسير الكبير" لابن تيمية: 3/ 137 - 142. وانظر: "التفسير القيم" لابن القيم: 178.]]؛ لأنَّ الشاهد [[من قوله: (لأن الشاهد ..) إلى (.. مما أنشأ): نقله بالنص عن الزجَّاج.]]: هو العالم الذي يبين ما علمه. فالله عز وجل قد دلَّ على توحيده بجميع ما خلق، فبيِن أنه لا يقدر أحدٌ أن ينشيء شيئًا واحدًا مما أنشأ.
قال أبو العباس [[قوله في "تهذيب اللغة" 2/ 1942 - 1934 نقله المؤلف بالمعنى.]]: ونظير هذا في القرآن مما أُريد فيه بالشهادةِ: التبيينُ، وإن لم يقارنه القولُ: قولُه عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: 17]، معناه: مبيِّنين على أنفسهم الكفر؛ وذلك أنهم يؤمنون بأنبياء [[في (ج): (بالأنبياء).]]، كلهم شاهد لمحمدٍ ﷺ بالصِّدق، فلما آمنوا بأنبياء [[في (ج): (بالأنبياء).]] بشَّروا بمحمد، وحثُّوا على اتباعه، ثم خالفوا عليه فكذبوه وحاربوه، بيَّنوا بذلك الكفر على أنفسهم، فوُصفوا بأنهم شَهِدوا به، وإنْ لم يكونوا قالوا: نحن كفار [[هذا الوجه في تفسير شهادة المشركين على أنفسهم بالكفر المذكور في آية (17) من سورة التوبة، ذكره كذلك ابنُ الجوزي في "زاد المسير" 3/ 408، ونسبه لابن الأنباري. ومما قيل كذلك في تفسيرها: هو قول اليهودي: أنا يهودي، == والنصراني: أنا نصراني، والصابئ: أنا صابئ، والمشرك: أنا مشرك. وقيل: إنَّ إظهار عبادتهم للأوثان، وتكذيب القرآن، وإنكار نبوة النبي محمد ﷺ، كل هذا كفر يمارسونه، وهو إقرار منهم على أنفسهم به، وإن أبوا ذلك بألسنتهم. وقيل: قولهم في الطواف: (لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك). وقيل غير ذلك. فكيف يستقيم زعمُهم بعمارة المساجد وهي من صفات المؤمنين وشأنهم، والشهادة على أنفسهم بالكفر؟! وهما أمران متنافيان. انظر: "تفسير الفخر الرازي" 16/ 9، "تفسير أبي السعود" 4/ 51، "فتح القدير" 2/ 500.]].
وقوله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ أي: وشهدت الملائكة، بمعنى: أقرَّت بتوحيد الله -تعالى-؛ لما عاينت من عظيم قدرته؛ كقوله: ﴿شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا﴾ [الأنعام: 130]؛ أي: أقررنا. فَنَسَق شهادة الملائكة وأولي العلم على شهادة الله سبحانه، والشهادتان مختلفتان معنًى لا لفظًا، كقوله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56]، والصلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار والدعاء [[عن أبي العالية رضي الله عنه قال: (صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء). أخرجه البخاري في: "الصحيح" تعليقًا: "الفتح" 8/ 532 كتاب التفسير، سورة الأحزاب، وأخرجه إسماعيل القاضي في: "فضل الصلاة على النبي ﷺ": 82، 83، وقال عنه الألباني: (إسناده موقوف حسن)، وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 646، ونسب إخراجه لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم. وقال ابن عباس: (يصلون: يُبَرِّكون). أخرجه البخاري تعليقًا في: "الصحيح" في الموضع السابق، والطبري في "تفسيره" 22/ 43، وأورده السيوطي في " الدر" 6/ 647، ونسب إخراجه لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية. وقال الضحاك: (صلاة الله: رحمته، وصلاة الملائكة: الدعاء)، وفي رواية: (صلاة الله: مغفرته ..) أخرجه إسماعيل القاضي في: "فضل الصلاة على النبي" 82، 83 وقال محققه الألباني عن الروايتين: (إسناده موقوف ضعيف جدًا).
وعن ابن عباس قال: (صلاة الله على النبي: هي مغفرته ... وأما صلاة الناس على النبي ﷺ فهي الاستغفار) أورده السيوطي في "الدر" 6/ 646 ونسبه لابن مردويه. وقال الطبري: (وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبي، وتدعو== له ملائكته ويستغفرون؛ وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء). "تفسيره" 22/ 43. وقال القاسمي: (وبالجملة، فالصلاة تكون بمعنى التمجيد والدعاء والرحمة، على حسب ما أضيفت إليه في التنزيل أو الأثر) "محاسن التأويل" 13/ 4901. وانظر: "تفسير ابن كثير" 3/ 557، "فتح الباري" 8/ 533، "فتح القدير" للشوكاني 4/ 310.]].
وقال ابن الأنباري [[لم أهتد إلى مصدر قوله.]]: إنما عَطَف الملائكةَ وأولي [[في (ب): (وأولوا).]] العلمِ على اسمه؛ لأن الشهادة معناها في اللغة: إظهارُ المعلوم وتبَيُّنُه. فلمَّا بيَّن أولوا العلم المعلومَ [[(المعلوم): ساقط من (ج).]] [عندهم؛ كما بيَّنه الله عز وجل، عطفهم على اسمه؛ للاتفاق في إظهار المعلوم] [[زيادة من (ج)، (د).]].
وقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ أي: وشهد بتوحيده أولوا العلم؛ بما ثبت عندهم. وشهادة أولي [[في ب، (د): (أولوا).]] العلم: يجوز أن تكون بمعنى: الإقرار، ويجوز أن تكون بمعنى: التبيين [[قال ابن القيِّم رحمه الله بعد أن ذكر الوجهين: (والصحيح، أنها تتضمن الأمرين. فشهادتهم إقرار وإظهار وإعلام، وهم شهداء الله على الناس إلى يوم القيامة ..). "التفسير القيم" 199.]].
واختلفوا في المعنيين بـ (أولي العلم) ههنا: فقيل [[ورد هذا القول في "تفسير الثعلبي" 3/ 23 ب، "تفسير البغوي" 2/ 19، "فتح القدير" 1/ 491، ولم ينسبوه لقائل.]]: هم الأنبياء، وقال مقاتل [[قوله في "تفسيره" 1/ 276، والمصادر السابقة.]]: هم مؤمنو أهل الكتاب؛ لأن الله تعالى وصفهم بالعلم في مواضع من كتابه، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ [الإسراء: 107]، وقوله: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49].
قال ابن كيسان [[قوله: في: المصادر السابقة]]: يعني: المهاجرين والأنصار، وهو قول ابن عباس فى رواية عطاء [[لم أهتد إلى مصدر هذه الرواية.]].
وقال السدي والكلبي [[انظر قوليهما في المصادر السابقة، والأثر عن السدي ورد كذلك في "تفسير الطبري" 3/ 210، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 617.]]: يعني [[في (أ)، (ب): (معنى). والمثبت من: (ج)، (د).]]: علماء المؤمنين كلهم [[قال الشوكاني عن هذا القول: (وهو الحق، إذ لا وجه للتخصيص). "فتح القدير" 1/ 491.]].
وقوله تعالى: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾. ينتصب على الحال من اسم الله جل وعز، على تقدير: شهد الله قائمًا بالقسط. ويجوز أن يكون حالًا من: هو؛ تقديره: لا إله إلَّا هو قائمًا بالقسط [[وقد رجح هذا ابن تيمية. انظر: "التفسير القيم" لابن القيم 183.]].
وقال الفراء [[في "معاني القرآن" 1/ 200.]]: هو نصب على القطع [[استعمل الفراءُ كثيرا مصطلح (القطع) في كتابه "معاني القرآن" وهو في الغالب يريد به الحال، وقد يستعمله ولا يقصد به الحال، ولا أن يكون في النصب فقط، وكأنه يريد به قطع الكلمة عما قبلها من الإعراب، أيا كان هذا الإعراب. انظر حول مذهبه في ذلك: "النحو وكتب التفسير" 1/ 195 - 197. وكذا استعمل الطبري هذا المصطلح في تفسيره كثيرًا. راجع فهرس المصطلحات من "تفسيره" (تحقيق محمود شاكر): (ج) 1، 2، 5، 6، 7، 9. وانظر تعليق محمود شاكر على هذا المصطلح في هامش "تفسير الطبري" 6/ 270. وانظر هذا التفسير، في إعراب قوله تعالى: (.. وجيهًا في الدنيا والآخرة) [من آية: 45 من آل عمران].]]، لأنه نكرة نُعِت [[في (ج): (نصب).]] به معرفة، كان [[من قوله (كان ..) إلى (.. نُصِب) ينقله عن الثعلبي: 3/ 24 ب، باختصار يسير.]] أصلها: (القائم بالقسط)؛ فلما [[من قوله (فلما ..) إلى (.. قائمًا بالقسط): ساقط من: (ج).]] قُطعت الألفُ واللامُ نصب [[ومعنى كلام الفرَّاء: أنَّ الأصل أن تكون (القائم ..) معرفة مرفوعة؛ لكونها نعتا للفظ الجلالة المرفوع، وهو معرفة، لكن، لمّا نكرت (القائم)، انقطعت تبعية النعت للمنعوت، فتُرِك الرفعُ إلى النصب. وفي إعرابها وجوه أخر. انظر: "معاني القرآن" للأخفش: 1/ 199، "تفسير الطبري" 3/ 210، "إعراب القرآن" للنحاس: 1/ 316، "التفسير القيم" 182 - 183، "الدر المصون" 3/ 75 وما بعدها.]].
ومعنى قوله: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾: قائمًا بالعدل [[القِسْطُ بكسر القاف: العدل، والنصيب. ويقال: (أقسط، يُقْسِط، إقساطًا)، فـ (هو مُقْسِط). والقَسْطُ بفتح القاف: الجَوْر. ويقال قَسَطَ، يَقْسِطُ، قَسْطًا، وقُسوطًا، فهو قاسِط. انظر: (قسط) في "تهذيب اللغة" 3/ 2959، و"المجمل" 752.]]، كما يقال: (فلان قائم بالتدبير)؛ أي: يُجْرِيه على الاستقامة. فالله [[قوله: (فالله تعالى يجري التدبير على الاستقامة): ساقط من: (ج).]] تعالى يُجري التدبير على الاستقامة في جميع الأمور [[انظر: "تفسير الرازي" 7/ 222 - 223.]].
{"ayah":"شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡعِلۡمِ قَاۤىِٕمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق