الباحث القرآني
﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ﴾ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، أيْ: بِأنَّهُ أوْ عَلى أنَّهُ.
﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ أيْ: بَيَّنَ وحْدانِيَّتَهُ بِنَصْبِ الدَّلائِلِ التَّكْوِينِيَّةِ في الآفاقِ والأنْفُسِ وإنْزالِ الآياتِ التَّشْرِيعِيَّةِ النّاطِقَةِ بِذَلِكَ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّهادَةِ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ إيذانًَا بِقُوَّتِهِ في إثْباتِ المَطْلُوبِ و إشْعارًَا بِإنْكارِ المُنْكِرِ. وقُرِئَ "إنَّهُ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، إمّا بِإجْراءِ "شَهِدَ" مَجْرى "قالَ"، و إمّا بِجَعْلِ الجُمْلَةِ اعْتِراضًَا وإيقاعِ الفِعْلِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: "إنَّ الدِّينَ" إلَخْ عَلى قِراءَةِ "أنَّ" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ كَما سَيَأْتِي، وقُرِئَ "شُهَداءً لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ (p-17)حالٌ مِنَ المَذْكُورِينَ أوْ عَلى المَدْحِ، وبِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ومَآلُهُ الرَّفْعُ عَلى المَدْحِ، أيْ: هم شُهَداءُ لِلَّهِ، وهو إمّا جَمْعُ شَهِيدٍ كَظُرَفاءَ في جَمْعِ ظَرِيفٍ، أوْ جَمْعُ شاهِدٍ كَشُعَراءَ في جَمْعِ شاعِرٍ.
﴿والمَلائِكَةُ﴾ عَطْفٌ عَلى الِاسْمِ الجَلِيلِ بِحَمْلِ الشَّهادَةِ عَلى مَعْنىً مَجازِيٍّ شامِلٍ لِلْإقْرارِ والإيمانِ بِطَرِيقِ عُمُومِ المَجازِ، أيْ: أقَرُّوا بِذَلِكَ.
﴿وَأُولُو العِلْمِ﴾ أيْ: آمَنُوا بِهِ واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِما ذَكَرَ مِنَ الأدِلَّةِ التَّكْوِينِيَّةِ والتَّشْرِيعِيَّةِ، قِيلَ: المُرادُ بِهِمُ: الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقِيلَ: المُهاجِرُونَ والأنْصارُ، وقِيلَ: عُلَماءُ مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وأضْرابِهِ، وقِيلَ: جَمِيعُ عُلَماءِ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَرَفُوا وحْدانِيَّتَهُ تَعالى بِالدَّلائِلِ القاطِعَةِ. و ارْتِفاعُهُما عَلى القِراءَتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ: قِيلَ: بِالعَطْفِ عَلى الضَّمِيرِ في "شُهَداءَ" لِوُقُوعِ الفَصْلِ بَيْنَهُما. وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ ذَلِكَ عَلى قِراءَةِ النَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ يُؤَدِّي إلى تَقْيِيدِ حالِ المَذْكُورِينَ بِشَهادَةِ المَلائِكَةِ وأُوُلِي العِلْمِ، ولَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ فائِدَةٍ، فالوَجْهُ حِينَئِذٍ: كَوْنُ ارْتِفاعِهِما بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِ دِلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، أيْ: والمَلائِكَةُ و أُوُلُو العِلْمِ شُهَداءُ بِذَلِكَ، ولَكَ أنْ تَحْمِلَ القِراءَتَيْنِ عَلى المَدْحِ نَصْبًَا ورَفْعًَا، فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ العَطْفُ عَلى المُسْتَتِرِ عَلى كُلِّ حالٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قائِمًا بِالقِسْطِ﴾ أيْ: مُقِيمًَا لِلْعَدْلِ في جَمِيعِ أُمُورِهِ بَيانٌ لِكَمالِهِ تَعالى في أفْعالِهِ إثْرَ بَيانِ كَمالِهِ في ذاتِهِ، وانْتِصابِهِ عَلى الحالِيَّةِ مِنَ اللَّهِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا﴾ وإنَّما جازَ إفْرادُهُ مَعَ عَدَمِ جَوازِ "جاءَ زَيْدٌ وعَمْرُوٌ راكِبًَا" لِعَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً﴾ ولَعَلَّ تَأْخِيرَهُ عَنِ المَعْطُوفَيْنِ لِلدِّلالَةِ عَلى عُلُوِّ رُتْبَتِهِما وقُرْبِ مَنزِلَتِهِما والمُسارَعَةِ إلى إقامَةِ شُهُودِ التَّوْحِيدِ اعْتِناءً بِشَأْنِهِ ورَفْعًَا لِمَحَلِّهِ، والسِّرُّ في تَقْدِيمِهِ عَلى المَعْطُوفَيْنِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ الإيذانِ بِأصالَتِهِ تَعالى في الشَّهادَةِ بِهِ، كَما مَرَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ﴾ أوْ مِن هو - وهو الأوْجَهُ- والعامِلُ فِيها مَعْنى الجُمْلَةِ، أيْ: تَفَرُّدًَا، وأحَقُّهُ لِأنَّها حالٌ مُؤَكِّدَةٌ أوْ عَلى المَدْحِ، وقِيلَ: عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَنفِيِّ، أيْ: لا إلَهَ قائِمًَا إلَخْ، والفَصْلُ بَيْنَهُما مِن قَبِيلِ تَوَسُّعاتِهِمْ وهو مُنْدَرِجٌ في المَشْهُودِ بِهِ إذا جُعِلَ صِفَةً أوْ حالًَا مِنَ الضَّمِيرِ أوْ نَصْبًَا عَلى المَدْحِ مِنهُ. وقُرِئَ "القائِمُ بِالقِسْطِ" عَلى البَدَلِيَّةِ مِن هُوَ، فَيَلْزَمُ الفَصْلُ بَيْنَهُما كَما في الصِّفَةِ أوْ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وقُرِئَ "قَيِّمًَا بِالقِسْطِ".
﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ تَكْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ، ومَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِمَعْرِفَةِ أدِلَّةِ التَّوْحِيدِ والحُكْمِ بِهِ بَعْدَ إقامَةِ الحُجَّةِ، ولِيَجْرِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى:
﴿العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ فَيُعْلَمَ أنَّهُ المَنعُوتُ بِهِما، ووَجْهُ التَّرْتِيبِ تَقَدُّمُ العِلْمِ بِقدرته عَلى العِلْمِ بِحكمته تعالى، ورَفْعُهُما عَلى البَدَلِيَّةِ مِنَ الضَّمِيرِ أوِ الوَصْفِيَّةِ لِفاعِلِ "شَهِدَ" أوِ الخَبَرِيَّةِ لِمُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ. وقَدْ رُوِيَ في فَضْلِها أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: « "يُجاءُ بِصاحِبِها يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: إنَّ لِعَبْدِي هَذا عِنْدِي عَهْدًَا وأنا أحَقُّ مَن وفّى بِالعَهْدِ، أدْخِلُوا عَبْدِيَ الجَنَّةَ"،» وهو دَلِيلٌ عَلى فَضْلِ عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ و شَرَفِ أهْلِهِ. و رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ كانَ حَوْلَ البَيْتِ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ صَنَمًَا، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ خَرَرْنَ سُجَّدًَا، وقِيلَ: نَزَلَتْ في نَصارى نَجْرانَ. وقالَ الكَلْبِيُّ: قَدِمَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ حَبْرانِ مِن أحْبارِ الشّامِ، فَلَمّا أبْصَرا المَدِينَةَ قالَ أحَدُهُما: ما أشْبَهَ هَذِهِ المَدِينَةَ بِصِفَةِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، فَلَمّا دَخَلا عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَرَفاهُ بِالصِّفَةِ، فَقالا لَهُ: - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْتَ مُحَمَّدٌ، قالَ ﷺ: نَعَمْ، قالا: وأنْتَ أحْمَدُ، قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أنا مُحَمَّدٌ وأحْمَدُ، قالا: فَإنّا نَسْألُكَ عَنْ شَيْءٍ فَإنْ أخْبَرْتَنا بِهِ آمَنّا بِكَ وصَدَّقْناكَ، قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: سَلا، فَقالا: أخْبِرْنا عَنْ أعْظَمِ شَهادَةٍ في كِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَأنْزَلَ (p-18)اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ، فَأسْلَمَ الرَّجُلًَانِ.
{"ayah":"شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡعِلۡمِ قَاۤىِٕمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق