الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ الآية. ﴿الَّذِينَ﴾ [[من قوله: (الذين ..) إلى (.. اللذين يقتضيهما ﴿يَحْسَبَنَّ﴾: نقله -بتصرف- عن: "الحجة"، للفارسي: 3/ 101 - 102.]] -في قراءة من قرأ: ﴿يَحْسَبَنَّ﴾ بالياء [[القراءة الواردة في قوله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ﴾ في الآية: 178، 180 و ﴿لَا تَحْسَبَنَّ﴾، و ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُم﴾ في آية: 188 كالتالي: قرأها ابن كثير، وأبو عمرو، كلَّها بالياء، في كل القرآن. وقرأها نافع، وابن عامر (لا تحسبن) و (فلا تحسبنهم). وقرأ عاصم، والكسائي، ويعقوب: ﴿يَحْسَبَنَّ﴾ في الآية: 178، 180 بالياء. وقرأوا ﴿تَحْسَبَنَّ﴾ و ﴿تَحْسَبَنَّهُم﴾ في الآية: 188، بالتاء. وكَسَرَ الكسائيُّ السينَ، وفتحها عاصم. وقرأها حمزة كلَّها بالتاء. ومن قرأ ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُم﴾ بالتاء، فتح الباءَ، ومن قرأها بالياء، ضم الباء. انظر: "السبعة" 219، 220، و"القراءات" للأزهري 1/ 131، و"الحجة" للفارسي 3/ 100 - 101، و"الكشف" 1/ 364 - 368.]] -، رَفْعٌ؛ بأنه فاعل (يَحْسَبُ) [[يقال: (حَسِبْتُ الشيءَ): ظَنَنْتُه، (أحْسِبُه، وأحْسَبُه)، والكسر أجْوَدُ اللغتين). "تهذيب اللغة" 1/ 810 (حسب). قال الجوهري: (ويقال: (أحْسِبُه) -بالكسر-، وهو شاذٌّ؛ لأن كلَّ فِعْلٍ كان ماضيه مكسورًا، فإن مستقبله يأتي مفتوح العَيْنِ، نحو: (عَلِمَ، يَعْلَمُ)، إلا أربعة أحرف جاءت نوادر، قالوا: (حسِب يحسِب ويحسَبُ)، و (بَئِس يبأس ويَبْئِسُ)، و (يَئِس يَيْأسُ وَييئسُ)، و (نَعِمَ يَنعَمُ ويَنْعِم) فإنها جاءت من السالم بالكسر والفتح. ومن المعتَلِّ ما جاء ماضيه ومستقبله جميعًا بالكسر، نحو: (ومِقَ يمِق)، و (وفِقَ يَفِق)، و (وثِقَ يَثِق)، و (وَرع يَرعُ)، و (ورِمَ يَرِمْ)، و (ورث يرث)، و (وريَ الزندُ يَرِي)، و (وَلي يَلي). "الصحاح" 1/ 112 (حسب).]]. وإذا كان ﴿الَّذِينَ﴾ فاعلًا؛ اقتضى (يَحْسَبُ) مفعولين؛ لأنّه يتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعولٍ يَسُدُّ مَسَدَّ مفعولين، وذلك إذا جَرَى - في صلة ما يتعدى إليه الحِسْبانُ-، ذِكْرُ الحديثِ والمُحَدَّث عنه، نحو: (حَسِبْتُ أن زيدًا منطلقٌ)، و (حَسِبتُ أنْ يقومَ عمرٌو) [[في (ج): (أن عمرو يقوم) وفي "الحجة": وحسبت أن تقومَ.]]. فجرى [[في (أ)، (ب): (جرت). والمثبت من (ج).]] فيما تَعَدَّى إليه (حَسِبْتُ) الحديثُ، وهو: الانطلاقُ والقيامُ. والمُحَدَّثُ عنه، وهو: زيدٌ أو عَمْرُو. فقام المفعولُ الواحدُ مقامَ المفعولين. وفقوله: ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ قد سَدَّ مسَدَّ المفعولين اللَّذَيْن يقتضيهما ﴿يَحْسَبَنَّ﴾. وقرأ حمزة: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الذين كفروا﴾ بالتاء. و ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ -في هذه القراءة- في موضع نَصْبٍ، بأنّه المفعول الأول. واختلفوا في وجه هذه القراءة: فقال الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 448. نقله عنه بالمعنى. وهو رأي الكسائي -كذلك-. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 380، و"تفسير القرطبي" 4/ 287.]]: هو على التكرير. المعنى: ولا تَحْسَبَنَّ يا محمدُ الذين كفروا، ولا تَحْسَبَنَّ أنَمَا نمْلِي لهم خيرٌ [[في (ج): (خيرا).]] لأنفسهم. قال: وهذا كقوله -تعالى-: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [[في (ج)، و"معاني القرآن": (هل).]] [محمد: 18]؛ يعنى: فهل ينظرون إلا الساعة، هل يَنْظُرُونَ [[في (ج): (ينتظرون).]] إلا أنْ تأتيهم بَغْتةً؟. وقال الزّجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 491. ناقله عنه بتصرف يسير.]]: هذه القراءة عندي، يجوز على البدل من ﴿الَّذِينَ﴾؛ المعنى: ولا تَحسَبَنَّ ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ [[في "معاني القرآن": (لا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرًا لهم).]]. وأنشد: فَمَا كانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ واحدٍ [[صدر بيت، وعجزه: ولكنَّه بنيانُ قومٍ تَهَدَّما وهو لعبدة بن الطبيب السعدي التميمي، وهو في "شعره" 88. وورد منسوبًا له في: "كتاب سيبويه" 1/ 156، و"البيان والتبيين" 2/ 363، و"الشعر والشعراء" (487)، و"عيون الأخبار" 1/ 287، و"الأصول في النحو" 2/ 51، و"الأغاني" 21/ 25، 26، و"شرح القصائد السبع"، لابن الأنباري 9، و"ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري (تصحيح: كرنكو، ن: مطبعة القدسي، القاهرة، 1342 هـ): 2/ 175، و"أمالي المرتضى" 1/ 114، و"بهجة المجالس" 1/ 514، و"شرح ديوان الحماسة" للتبريزي (ن: دار القلم) 1/ 328، و"شرح المفصل" 3/ 65. ونسبه في "الأغاني" 14/ 86 لمرداس بن عبدة. وورد غبر منسوب في: "تفسير الثعلبي" 3/ 158 ب، و"شرح المفصل" 8/ 55، و"البسيط في شرح جمل الزجاجي" 2/ 198، و"إعراب القرآن" لنحاس 1/ 380، و"الإغفال" للفارسي 1/ 593. وقد ورد في بعض المصادر: (فلم يك قيس ..). قال الشاعر البيت في رثاء قيس بن عاصم المنقري، سيد بني تميم. والشاهد في البيت: رفع (هلكُه) على أنه بدل من (قيس) اسم (كان) ويكون حينها (هلكَ) منصوبًا على أنه خبر (كان). ويجوز أن يكون (هلكُه) مرفوعًا على الابتداء، وحينها تكون (هلك) مرفوعة على أنها خبر المبتدأ. قال ابن الأنباري: (والرواية الجيدة: (هلكُه هلكُ واحد) برفعهما جميعًا). "شرح القصائد السبع": 9.]] جعل (هُلكُهُ) بدلًا من (قَيس)؛ المعنى: فما كان هُلْكَ قيسٍ هُلكَ واحدٍ. ومثلُه -مما جُعِلَ (أنَّ) مع الفعل بدلًا من المفعول-، قولُه: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [[انظر: "الحجة" للفارسي 3/ 107، و"التبيان" للعكبري (542).]] [الكهف: 63]، وقوله -تعالى-: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾ [[انظر: "الحجة" للفارسي 3/ 107، و"التبيان" للعكبري 2/ 404.]] [الأنفال: 7]، بَدَلًا مِنْ إحْدَى الطائفتين. قال أبو علي الفارسي [[في: "الإغفال" 1/ 593. نقله عنه بتصرف. وانظر: "الحجة" له 3/ 107.]]: هذه القراءة على تقدير البدل، لا يصح إلا بنصب (خيْر) [[في (ج): (خبر).]]؛ لأن (أنّ) تصير بدلًا من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وإذا صار بدلًا منه، فكأنه قال: لا تَحْسَبَنَّ إملاءَ الذين كفروا خيرًا. فيلزم انتصاب (خير) [[في (ج): (خبر).]] من حيثُ كان المفعول الثاني لـ (حَسِبْتُ). ألا ترى أنه أبدل [[(أبدل): ساقطة من (ج).]] ﴿أَنَّمَا﴾ كما [[في (ج): (كان).]] أبدل الشاعرُ (هلكُهُ) من (قيس)، فصار التقدير: وما كان هُلْك قَيْسٍ هُلْكَ واحدٍ، انتصب (هلكَ واحدٍ) [[(انتصب هلك واحد): ساقط من (ج).]] على أنه خبرُ (كان)، ولو [[(ولو): ساقطة من (ج).]] لم يبدل (هلكُه) من (قيس)؛ لارتفع بالابتداء، وصار (هُلْكُ واحدٍ) خَبَرَه. والجملة في موضع نصب على خبر (كان). كما أَنه لو لم يُبْدِلْ (أنّ) من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لكسرها ولم يَفْتَحْها، ولو كسرها لصارت (أنّ) واسمها وخبرها، في موضع نصب؛ لأنه مفعول ثانٍ لـ ﴿تَحْسَبَنَّ﴾. وكما انتصب (هُلْكَ واحد) في البيت، لَمّا أبدل الأول مِنْ (قيس) بأنه خَبَرُ (كان)؛ كذلك ينتصبُ ﴿خيرٌ لهم﴾ في الآية، إذا أبدل الإملاء من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بأنه مفعول ثانٍ لـ ﴿تَحْسَبَنَّ﴾. فإذًا، قد جاء أنه لا يجوز أن يُقرأ ﴿تَحْسَبَنَّ﴾ بالتاء، إلّا أن يُكسر (إنَّ) في ﴿أَنَّمَا نُمْلِي﴾، أو يُنصب ﴿خَيْرٌ﴾ [[في (ج): (خبر). وقد جاء في (ج) بعد (خير) العبارةُ التالية: (فلا يصح بالياء إنما). وهي عبارة مقحمة لا وجه لها.]]، مع فتح ﴿أَنَّمَا﴾، فيقرأ: (أنَّمَا نُمْلي لهم خيرًا لأنفسهم). ولم يُرْوَ عن حمزةَ كسْرُ (أنّ)، ولا نَصْبُ (خَيْرٌ)، فلا تصح القراءة بالتاء، على ما قرأ به حمزةُ، عند أبي عليّ [[قال النحاس، عن قراءة حمزة لقوله تعالى ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ﴾ [الآيتان: 178، 180] (وزعم أبو حاتم أنه لحنٌ لا يجوز، وتابعه على ذلك جماعةٌ). "إعراب القرآن" 1/ 379. وعَقَّب القرطبيُّ على زعم أبي حاتم، قائلًا: (قلت: وهذا ليس بشيء؛ لما تقدم بيانه من الإعراب، ولصحة القراءة وثبوتها نقلًا). "تفسيره" 4/ 288.]]. قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله. وقد ورد في: "زاد المسير" 1/ 805]]: أراد بـ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: المنافقين، وقُرَيْظَةَ والنَّضِير. وقال مقاتل [[في "تفسيره" 1/ 317. نصه عنده -بعد أن ذكر الآية-: (أبا سفيان وأصحابه، يوم أحد).]]: يعنى: مشركي مكة. وقوله: ﴿أَنَّمَا﴾، (ما) تحتمل وجهين: أحدهما: أن يَكون بمعنى (الذي) [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 108.]]، فيكون التقدير: لا يحسبن الذين كفروا أن الذي نمليه خيرٌ لأنفسهم، وحَذَفَ (الهاء) مِنْ ﴿نُمْلِي﴾؛ لأنه يجوز حذفُ الهاء مِنْ صِلَةِ (الذي)؛ كقولك: (الذي رأيتُ زيدٌ). والآخر: أن يَكون (ما) بمنزلة الإملاء، فيكون مصدرًا، وإذا كان مصدرًا [[(وإذا كان مصدرًا): ساقط من (ج).]]، لم تقتض راجعًا إليها [[في (ج): (إليهما).]]. وقوله تعالى: ﴿نُمْلِي لَهُمْ﴾. معنى ﴿نُمْلِي﴾ -في اللغة-: نُطِيل، ونُؤَخِّر. والإملاء: الإمهال والتأخير. واشتقاقه [[من قوله: (واشتقاقه ..) إلى نهاية بيت الشعر: (.. من طريف وتالد): هو من قول ابن الأنباري؛ حيث ورد بعض النص في: "زاد المسير" 1/ 509، و"اللسان" 7/ 4272 (ملا). ونسباه لابن الأنباري، ولم يبينا المصدر.]] من (المِلْوَة)، وهي: المُدَّة من الزمان. يقال: (مِلْوَةٌ مِنَ الدَّهْرِ)، و (مُلْوَةٌ، ومَلْوَةٌ، ومِلاَوَةٌ [[(أ)، (ب): وملاؤة. والمثبت من: (ج)، ومصادر اللغة.]]، ومَلاَوَةٌ [[في (ج): (ومَلاوة، ومِلاوة).]]، ومُلاَوَةٌ)، بمعنًى [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 234، و"غريب القرآن" لابن اليزيدي 45، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 116، و"غريب الحديث" للحربي 1/ 341، و"تحفة الأريب" 388، وانظر مادة (ملا) في: "تهذيب اللغة" 4/ 3438، و"الصحاح" 6/ 2496، و"اللسان" 7/ 4272.]]. قال العَجَّاج: وقد أُرَانِي لِلغَوَانِي [[في (ج): (الغواني).]] مِصْيَدا ... مُلاوَةً كأنَّ فَوْقِي جَلَدا [[البيت في "ديوانه" (تح: د. عزة حسن): 340. وورد منسوبًا له في: "إصلاح المنطق" 47، ومادة (جلد) في: "تهذيب اللغة" 1/ 634، و"الصحاح" 2/ 458.== و"المقاييس" 1/ 471، و"اللسان" 2/ 654. وورد غير منسوب في: "جمهرة اللغة" 1/ 449، و"تفسير الثعلبي" 3/ 159 أ. وروايته في الديوان والجمهرة: (فقد أكونُ ..). و (الغواني): جمع غانية، وقيل في معناها: التي غَنِت بالزوج. وقيل: التي غَنِيت بحُسْنها عن الزينة وقيل: التي تُطلَب، ولا تَطلُب. وقيل: الشابَّة العفيفة؛ كان لها زوجٌ أو لم يكن. وقيل: كلُّ امرأة، فإنها تُسمَّى غانية. وقيل غير ذلك. انظر: "اللسان" 6/ 3309 (غنا). و (المِصْيَد) -بكسر الميم، وفتحها-: ما يُصاد به. "اللسان" 4/ 2534 (صيد). و (الجَلَد)، فيه قولان: أحدهما: أن يُسلخ جِلْدُ البعيرِ وغيره، وُيلْبَس غيرَه من الدواب، وُيسمَّى هذا (جَلَدا). والقول الثاني: أن يُسلخ جِلْدُ الحُوار، ثم يُحشى ثُمامًا، أو غيره من الشجر، ثم يُعطف عليه أمُّه، فترأمه. انظر: (جلد) في: "تهذيب اللغة" 1/ 634، و"المقاييس" 1/ 471. ومعنى البيت: إنَّهنَّ يَرأمْنَنِي ويَعْطِفْنَ عليَّ، كما ترأم الناقةُ الجَلَدَ.]] ومنه قولُ العَرَبِ: (الْبَسْ جَدِيدا، وتَمَلَّ حبيبًا) [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 234، و"الصحاح" 6/ 2497 (ملا)، و"اللسان" 7/ 4272 (ملا). وقد ورد المثل فيه: (أبليت جَدِيدًا، وتَمَلَّيتَ حبيبًا). أي: عشت معه ملاوتَكَ من دهرك، وتمتعت به.]]؛ أي: لِتطل أيَّامك معه. وقال مُتَمِّم [[تقدمت ترجمته.]]: بِودَّيَ أَنّي لو تَمَلَّيْتُ عُمْرَهُ ... بِمَالِيَ مِنْ مالٍ طَريفٍ وتَالدِ [[البيت في "شعره" 86. وقد ورد منسوبًا له، في: "الزاهر" 1/ 256. وورد غير منسوب في: "اللسان" 7/ 4272 (ملا) وردت روايته في المصادر السابقة: (بودي لو أني ..). قال في "الزاهر": (الطريف، والطارف)، وهما: المال المستحدث الذي كَسَبه الرجلُ، وجَمَعَهُ. و (التَّليد، والتالِدُ): ما ورثه عن آبائه ولم يكتسبه) 1/ 256.]] وقال الأصمعي [[قوله -بنصه-، في: "تهذيب اللغة" (3438) (ملو).]]: (أمْلَى عليه الزمانُ) [[في "التهذيب": الزمن.]]؛ أي: طال عليه. و (أملَى له)؛ أي: طَوَّل له، وأمهله. قال أبو عبيدة: ومنه: (المَلاَ) [[وهي غير مهموزة، وتكتب بالألف والياء، والبصريون يكتبونها بالألف. وقال الفراء: (والألف أجود). وكذا قال ابن الأنباري. انظر: "المقصور والممدود" للفراء 43،61، و"المنتخب" لكراع 2/ 438؛ و"شرح القصائد السبع" لابن الأنباري 465، ومادة (ملا) في: "تهذيب اللغة" 4/ 3438، و"الصحاح" 6/ 2497، و"اللسان" 7/ 4272.]]: الأرض الواسعة الطويلة [[لم أقف على مصدر قول أبي عبيدة، والذي ورد في "مجاز القرآن ": (ويقال للخرق الواسع في الأرض: مَلًا، مقصور) 1/ 333.]]. قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله.]] -في قوله: ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ -: يريد [[في (ج): (مريد).]]: تماديهم في معاصي الله. وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ قال ابن الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله.]]: قال جماعة من أهل العلم [[لم أقف عليهم.]]: أنزل الله عز وجل هذه الآية في قوم يعاندون الحق، سَبَقَ في علمه أنهم لا يؤمنون، فقال: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ بمعاندتهم الحقَّ، وخِلاَفِهِم الرسولَ. وقد قال رسول الله ﷺ: (إذا رأيتَ اللهَ يُعْطِي على المعاصي، فإنَّ ذلك استدراجٌ مِنَ اللهِ لِخَلْقِهِ)، ثم تلا هذه الآية [[الحديث أخرجه: أحمد في "المسند" 4/ 145، وابن أبي الدنيا في "كتاب الشكر" 80 رقم (32)، والطبراني في "المعجم الكبير" 17/ 133، والطبري في "تفسيره" 7/ 195. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 20، 10/ 245، وقال: (رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه، الوليد بن العباس المصري، وهو ضعيف). وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 22 وزاد نسبة إخراجه إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في "الشعب". وأورده في "الجامع الصغير" ورمز له بالحسن. انظر: "فيض القدير" 1/ 455. وأورده الخطيب التبريزي في: "مشكاة المصابيح" 3/ 1435 رقم (5201). وحَسَّن الحافظ العراقي سنده (انظر: "تخريج الإحياء" بهامش "إحياء علوم الدين" 4/ 132). وصححه الألباني في: صحيح "الجامع الصغير" 1/ 158 رقم (561)، وفي "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم (414). ولفظ الحديث -كما عند أحمد، من رواية عقبة بن عامر، عن النبي ﷺ: "إذا رأيت الله -عز وجل- يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يُحب، فإنما هو استدراج"، ثم تلا رسولُ الله ﷺ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44]. فليس في الأثر -عند من رواه- أنه ﷺ قرأ هذه الآية من سورة آل عمران.]]. ونحو هذا، قال الزّجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 491. نقله عنه بتصرف يسيِر.]]: إن هؤلاء قومٌ، أعلَمَ اللهُ نبيَّه أنهم لا يؤمنون أبدًا، وأن بقاءهم يزيدهم كفرًا وإثما. والآية حجّة ظاهرة على القَدَريّة [[سبق بيان أن المراد بـ (القدَريَّة) هم المعتزلة، الذين وافقوا القَدَرية القُدامى في نفي القدر.]]؛ حيث أخبر الله -تعالى-، أنه يطيل أعمارَ قومٍ وُيمْهِلُهُم؛ لِيَزدادوا غَيًّا وكُفْرا. والقَدَرِيّة، تأولوا الآية على وجهين: أحدهما: على التقديم والتأخير؛ فقالوا: التقدير: (ولا يحْسَبَنَّ الذين كفروا إنما نُملي لهم لِيَزدادوا إثما؛ إنَّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم). وهذا [[من قوله: (وهذا ..) إلى (.. خير لأنفسهم): ساقط من (ج).]] إنما كان يُحتمل لو قُرِئ بِكَسْرِ ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾، ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا﴾. ولم يقرأ به أحدٌ يُعرَف. ولا يجوز حملُ الآية على وجهٍ لا يجوز أن يُقرأ به [[قال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 380 (قال أبو حاتم: سمعت الأخفش يذكر كسر (إنَّ) يحتج لأهل القَدَر؛ لأنه كان منهم، ويجعله على التقديم والتأخير .. قال: ورأيت في مصحفٍ في المسجد الجامع، قد زادوا فيه حرفًا؛ فصار: (إنما نملي لهم ليزدادوا إيمانًا)، فنظر إليه يعقوب القارئ، فتَبيَّنَ اللَّحَقَ، فحكَّه). وانظر: "تفسير القرطبي" 4/ 288.]]. والوجه الثاني: قالوا [[انظر: "تنزيه القرآن عن المطاعن" للقاضي عبد الجبار 83]]: معنى قوله: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾: إنما نُمْلي لهم، على أنَّ عاقبةَ أمْرِهم ازديادُ الإثم. وهذه لام العاقبة؛ كقوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: 8]. وهذا [[(أ)، (ب): (وهو)، والمثبت من: (ج)، وهو أولى وأصوب.]] الذي قالوه، خِلافُ ما ذَكَرَهُ المفسرون وأهل العلم، وعُدُولٌ عن ظاهرِ الخِطَاب، فلا يُقْبَلُ. على أن لام العاقبة يشَاكِل ما قبله؛ كقوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾، الآية، وهم ما التقطُوهُ لِهذا؛ ولكنْ كان الالتقاطُ سبَبَ كونِهِ عَدُوًّا لهم، كذلك في الآية، يجب أنْ يكونَ إمْلاءُ اللهِ إيَّاهم، سَبَبَ ازديادهم الإثم [[في (ج): (الكفر).]]، وهو ما نقول: إن الله -تعالى- يُملِي لهم، لِيَزدادوا إثمًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب