الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٧٨) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ولا يظنن الذين كفروا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله [[انظر تفسير"حسب" فيما سلف قريبا ص: ٣٨٤.]] ، أن إملاءنا لهم خيرٌ لأنفسهم.
* * *
ويعني بـ"الإملاء"، الإطالة في العمر، والإنساء في الأجل، ومنه قوله جل ثناؤه: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [سورة مريم: ٤٦] أي: حينًا طويلا ومنه قيل:"عشتَ طويلا وتملَّيت حبيبًا" [[في المطبوعة: "وتمليت حينًا"، وهو خطأ، وفي المخطوطة: "وتمليت حنينًا"، وهو تصحيف، والصواب ما أثبت. وهو قول يقال في الدعاء، ومثله في الدعاء لمن لبس ثوبًا جديدًا: "أبليت جديدًا، وتمليت حبيبًا"، أي: عشت معه ملاوة من دهرك وتمتعت به.]] . "والملا" نفسه الدهر،"والملوان"، الليل والنهار، ومنه قول تميم بن مقبل: [[وينسب البيت لابن أحمر، وإلى أعرابي من بني عقيل.]]
أَلا يَا دِيَارَ الحَيِّ بِالسَّبُعَانِ ... أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالبِلَى المَلَوَانِ [[سيبويه ٢: ٣٢٢، ومجاز القرآن ١: ١٠٩، والأمالي ١: ٢٣٣، والسمط: ٥٣٣، والخزانة ٣: ٢٧٥، واللسان (ملل) ، وغيرها، وسيأتي في التفسير ١٣: ١٠٦ (بولاق) . وقد بين صاحب الخزانة نسبة هذه الأبيات وذكر الشعر المختلف فيه، وقال إن أبيات ابن مقبل بعد هذا البيت: نَهَارٌ وَلَيْلٌ دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا ... عَلَى كُلِّ حَالِ النَّاسِ يَخْتَلِفَانِ
ألا يا دَيارَ الحَيِّ لا هَجْرَ بَيْننَا ... وَلكنَّ رَوْعَاتٍ مِنَ الحَدَثَانِ
لِدَهْمَاءَ إِذْ لِلنَّاس والعَيْشِ غِرَّةٌ ... وَإِذْ خُلُقَانَا بِالصِّبَا عَسِرَانِ
قال أبو عبيد البكري: "أمل عليها": دأب ولازم، وقال أبو عبيدة: أي رجع عليها حتى أبلاها، أي: طال عليها. وعندي أن أصله من"الملل"، يقول: حتى بلغ أقصى الملل والسآمة.]] يعني: بـ"الملوان"، الليل والنهار.
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله:"ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم".
فقرأ ذلك جماعة منهم: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ﴾ بالياء، وبفتح"الألف" من قوله:"أَنَّمَا"، على المعنى الذي وصفتُ من تأويله.
* * *
وقرأه آخرون: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ﴾ بالتاء و"أَنَّمَا" أيضا بفتح"الألف" من"أنما"، بمعنى: ولا تحسبنّ، يا محمد، الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم.
* * *
فإن قال قائل: فما الذي من أجله فتحت"الألف" من قوله:"أنما" في قراءة من قرأ بالتاء، وقد علمت أن ذلك إذا قرئ بالتاء فقد أعملت"تحسبن"، في"الذين كفروا"، وإذا أعملتها في ذلك، لم يجز لها أن تقع على"أنما" لأن"أنما" إنما يعمل فيها عاملٌ يعمل في شيئين نصبًا؟
قيل: أما الصواب في العربية ووجهُ الكلام المعروف من كلام العرب، كسر"إن" إذا قرئت"تحسبن" بالتاء، لأن"تحسبن" إذا قرئت بالتاء فإنها قد نصبت"الذين كفروا"، فلا يجوز أن تعمل، وقد نصبت اسمًا، في"أن". ولكني أظن أنّ من قرأ ذلك بالتاء في"تحسبن" وفتح الألف من"أنما"، إنما أراد تكرير تحسبن على"أنما"، كأنه قصد إلى أنّ معنى الكلام: ولا تحسبن، يا محمد أنت، الذين كفروا، لا تحسبن أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم، كما قال جل ثناؤه: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [سورة محمد: ١٨] بتأويل: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٤٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٠٨، ١٠٩.]] وذلك وإن كان وجهًا جائزًا في العربية، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأ: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالياء من"يحسبن"، وبفتح الألف من"أنما"، على معنى الحسبان للذين كفروا دون غيرهم، ثم يعمل في"أنما" نصبًا لأن"يحسبن" حينئذ لم يشغل بشيء عمل فيه، وهي تطلب منصوبين.
وإنما اخترنا ذلك لإجماع القرأة على فتح"الألف" من"أنما" الأولى، فدل ذلك على أن القراءة الصحيحة فى"يحسبن" بالياء لما وصفنا.
وأما ألف"إنما" الثانية، فالكسر على الابتداء، بإجماع من القرأة عليه:
* * *
وتأويل قوله:"إنما نُملي لهم ليزدادوا إثمًا"، إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثمًا، يقول: يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر="ولهم عذاب مهين"، يقول: ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة. [[انظر تفسير"مهين" فيما سلف ٢: ٣٤٧، ٣٤٨.]]
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر.
٨٢٦٧ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود قال، قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموتُ خير لها. وقرأ:"ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا"، وقرأ: ﴿نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ﴾ [سورة آل عمران: ١٩٨] . [[الحديث: ٨٢٦٧ - عبد الرحمن: هو ابن مهدي. وسفيان: هو الثوري.
خيثمة: هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي. وهو تابعي ثقة، أخرج له الجماعة كلهم.
الأسود: هو ابن يزيد النخعي.
وهذا الحديث، وإن كان موقوفًا لفظًا، فإنه - عندنا - مرفوع حكمًا، لأنه مما لا يدرك بالرأي.
وسيأتي مرة أخرى: ٨٣٧٤، من طريق عبد الرزاق، عن الثوري، بهذا الإسناد. ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٩٨، من رواية جرير، عن الأعمش، به. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وذكره ابن كثير ٢: ٣٢٨، من رواية ابن أبي حاتم، من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، به، نحوه. ثم قال: "وكذا رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، به".
وذكره السيوطي ٢: ١٠٤، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبي بكر المروزى في الجنائز، وابن المنذر، والطبراني.
وسيأتي نحو معناه، من حديث أبي الدرداء: ٨٣٧٥.]]
{"ayah":"وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّمَا نُمۡلِی لَهُمۡ خَیۡرࣱ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِی لَهُمۡ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِثۡمࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











