الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [[أخرج البخاري، كتاب التفسير، رقم 4761، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سالت رسول الله -ﷺ- أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك". قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك". قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾ "فتح الباري" 8/ 492.]] روى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدًا -ﷺ- فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؟ فنزلت هذه الآيات [[أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، رقم: 4810، فتح الباري 8/ 549. ومسلم 1/ 113، كتاب الإيمان، رقم 122. وابن جرير 19/ 41، وابن أبي حاتم 8/ 2728. وأخرجه الثعلبي 8/ 103 أ. وأخرجه الواحدي، بسنده في "أسباب النزول" 335، وذكر تخريج مسلم له فقط. وأخرج البخاري، كتاب التفسير، رقم 4764، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن أبزى: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ وقوله: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ فسألته فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأتينا الفواحش. فأنزل الله: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ إلى قوله: ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾ فتح الباري 8/ 494. قال ابن حجر: ابن أبزى. بموحدة وزاي مقصورة، واسمه: عبد الرحمن، وهو صحابي صغير. وذكر هذا الخبر الواحدى في "الوسيط" 3/ 346. ذكر الواحدي في "أسباب == النزول" 334، ثلاثة أسباب لنزول هذه الآية؛ منها هذا، والثاني: حديث ابن مسعود، أي الذنب أعظم .. الخ. والثالث: أنها نزلت في وحشي، قاتل حمزة رضي الله عنهما، وذكر هذه الأقوال الثلاثة: ابن الجوزي 6/ 103، ثم قال: وهذا وحشي قاتل حمزة، وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر، وهو بعيد الصحة، والمحفوظ في إسلامه غير هذا، وأنه قدم مع رسل الطائف فأسلم من غير اشتراط. فائدة في بيان ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- حول توبة القاتل المتعمد. قال ابن حجر: وحاصل ما في هذه الروايات، أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد، فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارة يجعل محلهما مختلفاً، ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرةُ المؤمن القتل متعمداً، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض، وأولى من القول: إنه قال بالنسخ ثم رجع عنه، وقول ابن عباس -رضي الله عنهما- بأن المؤمن إذا قتل مؤمناً متعمداً لا توبة له مشهور عنه. ومثل هذا أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2731، عن عمر بن عبد العزيز: كل شيء في القرآن خلود، فإنه لا توبة له. ثم ذكر ابن حجر قول جمهور السلف، وأهل السنة، في تصحيح توبة القاتل كغيره، وقالوا: معنى قوله تعالى: ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ أي: إن شاء الله أن يجازيه، تمسكاً بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء 48، 116] ومن أدلتهم حديث الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس، فقال له العالِم: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ وإذا ثبت ذلك لمن قبلُ من غير هذه الأمة فمثله لهم أولى؛ لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم. "فتح الباري" 8/ 496. وجعل ابن كثير 6/ 127، آية النساء مطلقة، محمولة على من لم يتب، وآية الفرقان مقيدة بالتوبة. والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن تمسك ابن عباس رضي الله عنهما بظاهر الآية لما اشتهر في زمنه من الفتن، وما يحدث فيها من سفك الدماء، ويشهد لهذا قول سعيد بن جبير: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت فيه على ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شيء. أخرجه البخاري، كتاب التفسير، رقم: 4763، الفتح 8/ 493. قال ابن جرير 9/ 69، (تح: محمود شاكر): وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، =]]. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقوله: ﴿وَمَن يَقعَل ذَلِكَ﴾ قال مقاتل: هذه الخصال جميعًا [["تفسير مقاتل" ص 47 أ. وبه قال ابن جزي 488، وأبو حيان 6/ 472، ثم قال: فيكون التضعيف مرتباً على مجموع هذه المعاصي، ولا يلزم ذلك التضعيف على كل واحد منها؛ ولا شك أن عذاب الكفار يتفاوت بحسب جرائمهم. وجعل ابن عاشور 19/ 74، ذلك هو المتبادر من الآية، واستدل على صحته بتضعيف العذاب الذي لا يكون إلا على مجموع هذه الأفعال. وفي "تنوير المقباس" ص 305: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ استحلالاً. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2730، عن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ من هذه الآيات الثلاث. فظاهر من كلام سعيد بن جبير تعليق الأثام على من فعل هذه المنكرات، أو بعضها، خلافاً لما ذكره الواحدي عن مقاتل، وذهب إلى قول ابن جبير الماوردي 4/ 157، والبغوي 6/ 96، ولم ينسباه، ويدل عليه ما ورد من الوعيد على من فعل بعض هذه المعاصي استقلالاً، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا﴾ [النساء 93]. وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]. فالجمع بين هذه المعاصي الثلاث في الآية، وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المتقدم يدل على عظم هذه المعاصي الثلاث وشناعتها، فتحريم القتل فيه حفظ للنفس، وتحريم الزنا فيه حفقاللآعراض والأنساب، وينشأ عن تساهل الناس في == القتل والزنا فساد كبير ظاهر. والله أعلم. وقد جعل الطوسي 7/ 508، عودَ الضمير إلى كل واحد من المعاصي المذكورة قولَ أهل الوعيد، وأما أهل الإرجاء فيجعلونه راجعاً إلى الجميع، ويجوز أن يكون راجعاً إلى الكفر وحده. ا. هـ ولا ينافي رجوع الضمير لكل واحدة من هذه المعاصي قبول التوبة. والله أعلم.]]. ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ قال يونس وأبو عبيدة: يلق عقوبة [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 81، وذكر قول يونس، الأزهري "تهذيب اللغة" 15/ 160. وقال به ابن قتيبة "غريب القرآن" 315. والغزنوي "وضح البرهان" 2/ 162.]]. وأنشد أبو عبيدة؛ فقال: جزى الله ابنَ عروةَ حيثُ أمسى ... عَقُوقًا والعُقوق له أثام [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 81 ونسب البيت لبلعاء بن قيس الكناني. وأنشده ابن قتيبة، في الغريب 315، ولم ينسبه. وذكره ابن جرير 19/ 40، منسوبًا لبلعاء. وذكره الأزهري، في "تهذيب اللغة" 15/ 160 (أثم)، ولم ينسبه، ولم يذكر أبا عبيدة، ولا إنشاده البيت. وذكره أبو علي، في "الحجة" 5/ 351، من إنشاد أبي عبيدة، لكنه نسبه لمسافع العبسي، وفي نسخة أخرى: مسافع الليثي، وهي موافقة لما عند الثعلبي 8/ 103 ب. قال أبو علي: وابن عروة: رجل من بني ليث كان دل عليهم ملكاً من غسان فأغار عليهم.]] أي: عقوبة مجازاة العقوق [["تهذيب اللغة" 15/ 161 (أثم)، بنصه.]]. وقال أبو عمرو الشيباني: يقال: لقي فلان آثام ذلك، أي: جزاء ذلك [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 76. وفيه: إثام، بكسر الهمزة. وذكره الأزهري، في "تهذيب اللغة" 15/ 160 (أثم)، وأبو على، في "الحجة" 5/ 352، منسوبًا عندهم لأبي عمرو الشيباني.]]. ونحو هذا قال الفراء: أَثَمَه الله يأثِمُه إثمًا وأثامًا، أي: جازاه جزاء الإثم، والعبد مأثوم أي: مجزي جزاء إثمه، وأنشد: وهل يَأثَمنِّي الله في أن ذكرتُها ... وعَلَّلْتُ أصحابي بها ليلةَ النَّفر [[لم أجده في "معاني القرآن" للفراء، عند هذه الآية، وإنما ذكره الأزهري، في "تهذيب اللغة" 15/ 161 (أثم)، من إنشاد الفراء، ولم ينسبه. وقال المحقق: في نسبة البيت خلاف، والمرجح أنه لنصيب بن رياح الأسود الحكمي. يقال: يوم النفر وليلة النفر لليوم الذي ينفر الناس فيه من مني، وأنشد البيت للدلالة على ذلك ابن منظور، "لسان العرب" 5/ 225 (نفر)، ونسبه لنُصَيب بن الأسود.]] معناه: هل يجزيني الله جزاء إثمي بأن ذكرت هذه المرأة في غنائي [[لم أجده في معاني القرآن، عند كلامه عن هذه الآية. وقد ذكره بنصه، الأزهري، في "تهذيب اللغة" 15/ 160.]]. وقال أبو إسحاق: تأويل الأثام: المجازاة، قال: وسيبويه، والخليل، يذهبان إلى أن معناه: يلق جزاء الأثام [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 76. وذكره في "تهذيب اللغة" 15/ 160 (أثم). قال سيبويه "الكتاب" 3/ 87: وسألته [يعني الخليل] عن قوله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فقال: هذا كالأول؛ لأن مضاعفة العذاب هو لُقيُّ الأثام.]]. واختار أبو علي، هذا القول، وجعله من باب حذف المضاف؛ قال: ومثله مِن حذف الجزاء الذي هو مضاف، قوله تعالى: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [الشورى: 22] أي: من جزاء ما كسبوا [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 351، بمعناه.]] لقوله: ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ هذا قول أهل اللغة، في معنى الأثام؛ وهو قول ابن عباس، لما سأله نافع بن الأزرق، عن الأثام، قال: الجزاء، وأنشد لعامر بن الطفيل: وروَّينَا الأسنَّة من صُداءٍ ... ولاقتْ حمير منا أثاما [[لم أجده في "غريب القرآن في شعر العرب"، الذي جمع سؤالات نافع بن الأزرق. وقد أنشده ابن الأنباري، "الدر المنثور" 6/ 278. الأسنة: جمع سنان، وهو: == الرمح. "تهذيب اللغة" 12/ 302 (سنن). وصداء: حي من اليمن. "تهذيب اللغة" 12/ 219 (صدي). وحمير: اسم، وقيل هو أبو ملوك اليمن، وإليه تنتهي القبيلة، ومدينة ظفار كانت لحمير. "تهذيب اللغة" 12/ 60 (حمر).]] وقال السدي: يلق أثامًا: جزاء [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2730. وذكر ابن كثير 6/ 126، عنه بدون إسناد. ثم قال ابن كثير: وهذا أشبه بظاهر الآية، وبهذا فسره بما بعده مبدلاً منه، وهو قوله: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.]]. وأما المفسرون، فإنهم يقولون: أثام: واد في جهنم من دم وقيح. وهو قول مجاهد، ومقاتل [["تفسير مجاهد" 2/ 456. وأخرجه عنه ابن جرير 19/ 44. وتفسير مقاتل 47 أ. وأخرجه ابن جرير 19/ 44 عن عبد الله بن عمرو، وعكرمة، وقتادة. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2730، عن عبد الله بن عن مجاهد، وسعيد بن جبير، فبي إحدى الروايات، وعكرمة مثل ذلك. ثم أخرجه بسنده عن قتادة. وأما الهواري 3/ 218، فقال: كنا نحدث أنه راد في جهنم. وذكر فيه قولًا آخر، وهو: نكالًا.]]. وقال شفي بن ماتع [[شفي، بالتصغير، ابن ماتع الأصبحي، من التابعين، ثقة، أرسل حديثًا كثيرًا، مات في خلافة هشام بن عبد الملك، سنة 105 هـ."جامع التحصيل في أحكام المراسيل" ص 238، "تقريب التهذيب" ص 439.]]، في هذه الآية: إن في جهنم واديًا يُدعى: أثامًا، فيه حيات وعقارب، في فقار [[الفقار: خرز الظهر. تهذيب اللغة 9/ 114 (فقر).]] أحدهن، سبعون قلة سم، والعقرب فيها [[في (ج): (منه)، وفي "الدر المنثور" 6/ 276: منهن.]] مثل البغلة الموكفة [[أخرجه ابن المبارك في "الزهد"، كما في "الدر المنثور" 6/ 276. وقد بحثت عنه في كتاب الزهد، لابن المبارك، فلم أجده. وقوله: الموكفة الوكف: الثقل والشدة. يقال: شاه وكوف، أي: غزيرة اللبن، وكذلك: متحة وكوف ونافة وكوف، أي: غزيرة. "تهذيب اللغة" 1/ 393، و"اللسان" 9/ 363 (وكف).]]. وهذا قول عبد الله بن عمرو بن العاص [[أخرجه ابن جرير 19/ 44، بلفظ: الأثام: واد في جهنم.]] وروي أبو أمامة الباهلي حديثًا طويلًا فيه أن الغي والأثام بئران يسيل فيهما صديد أهل النار [[أخرجه ابن جرير 19/ 44. مرفوعًا للنبي -ﷺ-. وأخرجه 19/ 45، موقوفًا على أبي أمامة، بنحو سياقه. وأخرجه مرفوعًا الطبراني، "المعجم الكبير" 8/ 175، رقم: 7731، وكذا الثعلبي 8/ 103 ب، كلهم من طريق محمد بن زياد الكلبي، عن شرقي بن القطامي، عن لقمان بن عامر. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه ضعفا، قد وثقهم ابن حبان، وقال: يخطئون. "مجمع الزوائد" 10/ 389.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب