الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ ما تَحَلَّوْا بِهِ مِن أُصُولِ الطّاعاتِ، بِما لَهم مِنَ العَدْلِ والإحْسانِ بِالأفْعالِ والأقْوالِ، في الأبْدانِ والأمْوالِ، أتْبَعَهُ ما تَخَلَّوْا عَنْهُ مِن أُمَّهاتِ المَعاصِي الَّتِي هي الفَحْشاءُ والمُنْكَرُ، فَقالَ: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ﴾ رَحْمَةً لِأنْفُسِهِمْ واسْتِعْمالًا لِلْعَدْلِ ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي اخْتُصَّ بِصِفاتِ الكَمالِ ﴿إلَهًا﴾ وكَلِمَةُ ”مَعَ“ وإنْ أفْهَمَتْ أنَّهُ غَيْرٌ، لَكِنْ لَمّا كانُوا يَتَعَنَّتُونَ حَتّى أنَّهم يَتَعَرَّضُونَ بِتَعْدِيدِ الأسْماءِ كَما مَرَّ في آخِرِ سُبْحانَ والحِجْرِ، قالَ تَعالى قَطْعًا لِتَعَنُّتِهِمْ: ﴿آخَرَ﴾ أيْ دُعاءً جَلِيًّا بِالعِبادَةِ لَهُ، ولا خَفِيًّا بِالرِّياءِ، فَيَكُونُوا كَمَن أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشَّياطِينُ فَأزَّتْهم أزًّا. ولا نَفى عَنْهم ما يُوجِبُ قَتْلَ أنْفُسِهِمْ بِخَسارَتِهِمْ إيّاها، أتْبَعَهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ فَقالَ: ﴿ولا يَقْتُلُونَ﴾ أيْ بِما تَدْعُو إلَيْهِ الحِدَّةُ ﴿النَّفْسَ﴾ أيْ رَحْمَةً لِلْخَلْقِ وطاعَةً لِلْخالِقِ. ولَمّا كانَ مِنَ الأنْفُسِ ما لا حُرْمَةَ لَهُ، بَيَّنَ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أيْ قَتْلَها، أيْ مَنَعَ مَنعًا عَظِيمًا المَلِكُ الأعْلى - الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ - مِن قَتْلِها ﴿إلا بِالحَقِّ﴾ أيْ بِأنْ تَعْمَلَ ما يُبِيحُ قَتْلَها. (p-٤٢٦)ولَمّا ذَكَرَ القَتْلَ الجَلِيَّ، أتْبَعَهُ الخَفِيَّ بِتَضْيِيعِ نَسَبِ الوَلَدِ، فَقالَ: ﴿ولا يَزْنُونَ﴾ أيْ رَحْمَةً لِما قَدْ يَحْدُثُ مِن ولَدٍ، إبْقاءً عَلى نَسَبِهِ، ورَحْمَةً لِلْمَزْنِيِّ بِها ولِأقارِبِها أنْ تُنْتَهَكَ حُرُماتُهُمْ، مَعَ رَحْمَتِهِ لِنَفْسِهِ، عَلى أنَّ الزِّنى جارٌّ أيْضًا إلى القَتْلِ والفِتَنِ، وفِيهِ التَّسَبُّبُ لِإيجادِ نَفْسٍ بِالباطِلِ كَما أنَّ القَتْلَ تَسَبَّبَ إلى إعْدامِها بِذَلِكَ، وقَدْ رُوِيَ في الصَّحِيحِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ - وفي رِوايَةٍ: أكْبَرُ - عِنْدَ اللَّهِ؟ قالَ: أنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، قالَ: ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ مَخافَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قالَ: ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: أنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ الآيَةُ» . وقَدِ اسْتُشْكِلَ تَصْدِيقُ الآيَةِ لِلْخَبَرِ مِن حَيْثُ إنَّ الَّذِي فِيهِ قَتْلٌ خاصٌّ وزِنًى خاصٌّ، والتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ أكْبَرَ، والَّذِي فِيها مُطْلَقُ القَتْلِ والزِّنى مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعِظَمٍ، ولا إشْكالَ لِأنَّها نَطَقَتْ بِتَعْظِيمِ ذَلِكَ مِن سَبْعَةِ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: الِاعْتِراضُ بَيْنَ المُبْتَدَأِ الَّذِي هو ”وعِبادُ“ وما عُطِفَ عَلَيْهِ، والخَبَرِ الَّذِي هو ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ﴾ [الفرقان: ٧٥] عَلى أحَدِ الرَّأْيَيْنِ بِذِكْرِ جَزاءِ هَذِهِ الأشْياءِ (p-٤٢٧)الثَّلاثَةِ خاصَّةً، وذَلِكَ دالٌّ عَلى مَزِيدِ الِاهْتِمامِ الدّالِّ عَلى الإعْظامِ. الثّانِي: الإشارَةُ بِأداةِ البُعْدِ - في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أيِ الفِعْلَ العَظِيمَ القُبْحِ - مَعَ قُرْبِ المَذْكُوراتِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ البُعْدَ في رُتَبِها. الثّالِثُ: التَّعْبِيرُ بِاللُّقِيِّ مَعَ المَصْدَرِ المَزِيدِ الدّالِّ عَلى زِيادَةِ المَعْنى في قَوْلِهِ: ﴿يَلْقَ أثامًا﴾ دُونَ يَأْثَمْ أوْ يَلْقَ إثْمًا أوْ جَزاءَ إثْمِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب