الباحث القرآني

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [[في تقديم: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: 43] إفادة الحصر فإن الكلام قبل دخول: أرأيت، مبتدأ وخبر، المبتدأ: هواه، والخبر: إلهه، وتقديم الخبر يفيد الحصر، فكأنه قال: أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هواه، فهو أبلغ في ذمه وتوبيخه. "الانتصاف بحاشية الكشاف" 3/ 274.]] قال عطاء عن ابن عباس: أرأيت يا محمد من عرف أني إلهه، وخالقه، ثم هوى حجرًا يعبده فما حاله عندي [["تفسير الماوردي" 4/ 146. والبغوي 6/ 85، بنحوه منسوبًا لابن عباس.]]. وقال الكلبي: كانت العرب إذا هوى الرجل منهم شيئًا عبده من دون الله، فإذا رأى أحسن منه عبده حجرًا أو شجرًا أو أشباههما [["معاني القرآن" للفراء 2/ 268، بمعناه. ولم ينسبه، ونسبه القرطبي 13/ 35، للكلبي.]]. وقال سعيد بن جبير: كان أهل الجاهلية يعبد أحدهم الحجر فإذا رأى أحسن منه أخذه وترك الأول [["تفسير الثعلبي" 8/ 99 أ، ولم ينسبه. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2699، نحوه منسوبًا لابن عباس. ومثل رواية ابن أبي حاتم، ذكر الماوردي 4/ 146، وابن كثير 6/ 113.]]. وقال مقاتل: وذلك أن الحارث بن قيس السهمي [[الحارث بن قيس بن عدي بن سعد القرشي السهمي، ذكره ابن جرير 14/ 70 في المستهزئين عند قوله تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: 95].]] هوى حجرًا فعبده [["تفسير مقاتل" ص 45 ب. ونسبه العز 2/ 426، للحسن.]]. وعلى هذا القول، تقدير الآية: أرأيت من اتخذ إلهه بهواه، فحذف الجار [["تفسير القرطبي" 13/ 35.]]. أو: إلهه ما يهواه، فسمي المفعول باسم المصدر، قال: فلان هوًى لفلان، إذا كان يهواه ويميل إليه، ومنه قول الشاعر: هوًى بتهامة وهوًى بنجد ... فما أدري أُنِجِّدُ أم أغور [[لم أقف على من أنشد البيت، ولا على قائله. وفي "لسان العرب" 5/ 34 (غور): غور تهامة: ما بين ذات عرق والبحر وهو الغور، وقيل: الغور تهامة وما يلي اليمن.]] ومعنى الآية: تعجيب النبي -ﷺ- من نهاية جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إليه الهوى، وما يدعو إليه الهوى باطل [[فالاستفهام في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ للتقرير، والتعجب. البيضاوي 2/ 142.]]. وهذا القول اختيار الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 268.]]. وفي الآية قول آخر؛ وهو قول الحسن وابن عباس؛ قال ابن عباس: الهوى: إله يعبد من دون الله [["تفسير الثعلبي" 8/ 99 أ. منسوبًا لابن عباس فقط. وعنه نقل ابن عطية 11/ 43. وذكره القرطبي 13/ 35.]]. وقال الحسن: لا يهوى شيئًا إلا اتبعه [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2700. وأخرج بسنده عن قتادة: والله لكلما هوى شيئًا ركبه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى. وزاد السيوطي 6/ 260، نسبته لعبد بن حميد. وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن، أنه قيل له: في أهل القبلة شرك؟ فقال: نعم؛ المنافق مشرك، إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله، وإن المنافق يعبد هواه، ثم تلا هذه الآية: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾. "الدر المنثور" 6/ 261. قال الألوسي 19/ 24، بعد أن ساق هذا القول: والمنافق عند الحسن مرتكب المعاصي كما ذكره غير واحد من الأجلة.]]. وذكر الزجاج القولين؛ فقال في القول الثاني: أي: أطاع هواه، وركبه فلم يبال عاقبة ذلك [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 69.]]. وهو اختيار ابن قتيبة؛ قال: يقول: يتَّبع هواه ويدع الحق فهو كالإله [["غريب القرآن" لابن قتيبة ص 313. قال القرطبي 13/ 35، بعد أن ذكر القولين: والمعنى واحد.]]. قوله تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ قال ابن عباس: يريد لست عليه بمسيطر [[تفسير الماوردي 4/ 146، منسوبًا للسدي. ونحو هذا المعنى قوله تعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 22] ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ [ق: 45].]]. وقال مقاتل: يريد أن تكون بيدك المشيئة في الهوى والضلالة [["تفسير مقاتل" ص 45 ب.]]. والمعنى: أفأنت عليه حافظ، تحفظه من اتباع هواه، وعبادته ما يهوى من دون الله [[في غريب القرآن لابن قتية ص 313، ﴿وَكِيلًا﴾ أي: كفيلًا، وقيل: حافظًا. ونسب الماوردي 4/ 143، الأول للكلبي، والثاني ليحيى بن سلام. قال الثعلبي 8/ 99 أ: أي: حفيظًا من الخروج إلى هذا الفساد.]]. أي: لست كذلك. قال الكلبي: نسختها آية القتال [["تنوير المقباس" ص 353 و"الوسيط" 3/ 341. ولم ينسب هذا القول في "الوجيز" 2/ 780، وصدَّرَه بقوله: وقيل: إن هذا مما نسخته آية السيف. وجزم بالنسخ الثعلبي 8/ 99 أ، ولم ينسبه. وصدره ابن الجوزي 6/ 93، بقوله: وزعم الكلبي ... وصدَّره القرطبي 13/ 36، بـ: قيل. ثم قال: وقيل: لم تنسخ؛ لأن الآية تسلية للنبي -ﷺ-. وصدر الشوكاني 4/ 75، أقول بالنسخ بـ: قيل، ولم ينسبه، ولم يذكر غيره. والصحيح أن الآية لا نسخ فيها؛ إذ لا دليل عليه، وآيات العفو والصفح والإعراض يعمل بها في أوقاتها المناسبة. والله أعلم. قال الزركشي: وبهذا التحقيق تبين أن ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المُنسأ، بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدًا. "البرهان في علوم القرآن" 3/ 49. وإذا عرفنا أن اصطلاح النسخ في عرف المتقدمين أوسع من اصطلاح المتأخرين زال الإشكال. قال شيخ الإسلام: والمنسوخ يدخل فيه في اصطلاح السلف -العام-: كل ظاهر ترك ظاهره لمعارض راجح كتخصيص العام، وتقييد المطلق. "الفتاوى" 13/ 272.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب