الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ أفَأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكِيلًا﴾ . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾، أيْ: مَهْما اسْتَحْسَنَ مِن شَيْءٍ ورَآهُ حَسَنًا في هَوى نَفْسِهِ كانَ دِينَهُ ومَذْهَبَهُ، إلى أنْ قالَ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ الرَّجُلُ في الجاهِلِيَّةِ يَعْبُدُ الحَجَرَ الأبْيَضَ زَمانًا، فَإذا رَأى غَيْرَهُ أحْسَنَ مِنهُ عَبَدَ الثّانِيَ وتَرَكَ الأوَّلَ، اه مِنهُ. (p-٥٨)وَذَكَرَ صاحِبُ ”الدُّرِّ المَنثُورِ“: أنَّ ابْنَ أبِي حاتِمٍ وابْنَ مَرْدَوَيْهِ أخْرَجا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ عِبادَةَ الكافِرِ لِلْحَجَرِ الثّانِي مَكانَ الأوَّلِ هي سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، ثُمَّ قالَ صاحِبُ ”الدُّرِّ المَنثُورِ“: وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ، قالَ: كانُوا في الجاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ الدَّمَ بِالعِلْهِزِ ويَعْبُدُونَ الحَجَرَ، فَإذا وجَدُوا ما هو أحْسَنُ مِنهُ، رَمَوْا بِهِ وعَبَدُوا الآخَرَ، فَإذا فَقَدُوا الآخَرَ أمَرُوا مُنادِيًا فَنادى: أيُّها النّاسُ إنَّ إلَهَكم قَدْ ضَلَّ فالتَمِسُوهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾، وأخْرَجَ ابْنُ مُنْذِرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾، قالَ: ذَلِكَ الكافِرُ اتَّخَذَ دِينَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ولا بُرْهانٍ. وَأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ قالَ: لا يَهْوى شَيْئًا إلّا تَبِعَهُ. وَأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾، قالَ: كُلَّما هَوى شَيْئًا رَكِبَهُ، وكُلَّما اشْتَهى شَيْئًا أتاهُ لا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ ورَعٌ، ولا تَقْوًى. وَأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ، أنَّهُ قِيلَ لَهُ: أفِي أهْلِ القِبْلَةِ شِرْكٌ ؟ قالَ: نَعَمْ، المُنافِقُ مُشْرِكٌ، إنَّ المُشْرِكَ يَسْجُدُ لِلشَّمْسِ والقَمَرِ مِن دُونِ اللَّهِ، وإنَّ المُنافِقَ عَبَدَ هَواهُ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ أفَأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكِيلًا﴾ . وَأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي أُمامَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما تَحْتَ ظِلِّ السَّماءِ مِن إلَهٍ يُعْبَدُ مِن دُونِ اللَّهِ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِن هَوًى مُتَّبَعٍ»، انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِن كَلامِ صاحِبِ ”الدُّرِّ المَنثُورِ“ . وَإيضاحُ أقْوالِ العُلَماءِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ الواجِبَ الَّذِي يَلْزَمُ العَمَلُ بِهِ، هو أنْ يَكُونَ جَمِيعُ أفْعالِ المُكَلَّفِ مُطابِقَةً لِما أمَرَهُ بِهِ مَعْبُودُهُ جَلَّ وعَلا، فَإذا كانَتْ جَمِيعُ أفْعالِهِ تابِعَةً لِما يَهْواهُ، فَقَدْ صَرَفَ جَمِيعَ ما يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ خالِقُهُ مِنَ العِبادَةِ والطّاعَةِ إلى هَواهُ، وإذَنْ فَكَوْنُهُ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ في غايَةِ الوُضُوحِ. وَإذا عَلِمْتَ هَذا المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ، فاعْلَمْ: أنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا بَيَّنَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، في قَوْلِهِ: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ وأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الجاثية: ٢٣] (p-٥٩)وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ الآيَةَ [فاطر: ٨] . وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿أفَأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكِيلًا﴾، اسْتِفْهامُ إنْكارٍ فِيهِ مَعْنى النَّفْيِ. والمَعْنى: أنَّ مَن أضَلَّهُ اللَّهُ فاتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ، لا تَكُونُ أنْتَ عَلَيْهِ وكِيلًا، أيْ: حَفِيظًا تَهْدِيهِ وتَصْرِفُ عَنْهُ الضَّلالَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ الهُدى بِيَدِ اللَّهِ وحْدَهُ لا بِيَدِكَ، والَّذِي عَلَيْكَ إنَّما هو البَلاغُ، وقَدْ بَلَّغْتَ. وَهَذا المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ، جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ؛ • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ الآيَةَ [القصص: ٥٦] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهم فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ﴾ الآيَةَ [النحل: ٣٧] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ أفَأنْتَ تُنْقِذُ مَن في النّارِ﴾ [الزمر: ١٩] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [يونس: ٩٩ - ١٠٠] • وقَوْلِهِ في آيَةِ ”فاطِرٍ“ المَذْكُورَةِ آنِفًا: ﴿فَإنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ﴾ الآيَةَ [فاطر: ٨] • وقَوْلِهِ تَعالى في آيَةِ ”الجاثِيَةِ“ المَذْكُورَةِ آنِفًا أيْضًا: ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الجاثية: ٢٣] والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب