الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾ قال المفسرون، وأهل المعاني: لا يخشون ولا يخافون البعث [["معاني القرآن" للفراء 2/ 265. و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 73. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ص 312. و"الطبري" 19/ 1. وحكى الماوردي 4/ 139، فيها ثلاثة أقوال، هذا أحدها ونسبه للسدي، والثاني: لا يبالون، قاله ابن عمير، والثالث: لا يأملون. وهي متقاربة. وفي "تفسير الطوسي" 7/ 482 وإذا استعملوا الرجاء مع النفي أرادوا به الخوف، كقوله تعالى: ﴿لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾. وأما ابن عطية 11/ 23، فقد ذهب إلى أن الرجاء هنا على بابه؛ لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبداً برجائه، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى. وهذا توجيه حسن. واختاره ابن جزي 483. وأبو حيان 6/ 450. والشوكاني 4/ 67.]]. كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: 7] ﴿لَوْلَا﴾ هلا [["تنوير المقباس" ص 2، 3 أ. و"تفسير مقاتل" ص 44 أ. و"تفسير هود الهواري" 3/ 206. و"تفسير الطبري" 19/ 1 و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 63.]] ﴿أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾ وكانوا رسلًا إلينا [["تفسير مقاتل" ص 44 أ. وطلبهم إنزال الملائكة إما ليكونوا رسلاً إليهم كما ذكر الواحدي هنا، واقتصر عليه، وكذا في "الوسيط" 3/ 338. وإما لكي يصدقوا الرسول. كما قال تعالى ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾. وذكره في "الوجيز" 2/ 777، واقتصر عليه. وذكر الوجه الثاني الهوَّاري 3/ 206، واقتصر == عليه. وكذا ابن جرير 19/ 1. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2676، بسنده عن قتادة: أي: فنراهم عياناً. ولم يذكر غيره. وذكر الثعلبي 8/ 94 ب، القول الثاني. وذكر الماوردي 4/ 140، القولين. وذكر ابن كثير 6/ 101، قولاً ثالثاً، وهو عنادهم في قولهم ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾ أي: بالرسالة، كما تنزل على الأنبياء، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾.]] ﴿أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ فيخبرنا أنك رسوله [["تنوير المقباس" ص 302. بمعناه. و"تفسير مقاتل" ص 44 أ. و"تفسير هود" 3/ 206. وهذا كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ * أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء90، 92] "تفسير الطبري" 19/ 1، وأخرج بسنده عن ابن جريج، أنه قال قال كفار قريش ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾ فيخبرونا أن محمداً رسول الله -ﷺ-. وهذا منهم مشابهة لليهود في قولهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55]. وهذا كله على سبيل التعنت، وإلا ففيما جاءهم به من المعجزات كفاية. "تفسير أبي حيان" 6/ 450. وحتى لو أجيبوا فيما طلبوا لم يحصل منهم الإيمان ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: 111].]]. قال الكلبي ومقاتل: نزلت في مشركي مكة؛ أبي جهل، وأصحابه [["تنوير المقباس" ص 302. و"تفسير مقاتل" ص 44 أ، وفيه تسمية من نزلت فيهم.]]. طلبوا من الآيات ما لم يأت أمةً من الأمم [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 63. بنصه. وهو في "الوسيط" 3/ 338، غير منسوب أيضًا.]]. قال الله -عز وجل-: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يعني: تكبروا [["تفسير مقاتل" ص 44 أ. وما بعده غير موجود فيه. فلعله من كلام الواحدي. رحمه الله.]] حيث سألوا الله -عز وجل- الشَّطَط [[الشَطَط: مجاوزة القدر، قال تعالى: ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: 22] "مجمل اللغة" لابن فارس 2/ 496. و"القاموس المحيط" 870.]]؛ لأن الملائكة لا تُرى إلا عند الموت، أو عند نزول العذاب [[الذي في "تفسير مقاتل" ص 44 أ، هو ما ذكره الواحدي بعد ذلك. وأما ما ذكره. == هنا فلم أجده، وقد نقله القرطبي 13/ 20، بنصه. وليس فيه نسبته لابن عباس، ولا مقاتل، ولعل هذا هو الصواب. على أنه لا يتوجه لومهم على مجرد طلبهم نزول الملائكة، وإنما لومهم على أنهم ما طلبوا ذلك للإيمان وإنما طلبوه استكباراً وعتواً. والله أعلم. قال ابن جزي 483: وقوله: ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ كما يقول: فلان عظيم في نفسه. أي: عند نفسه، أو بمعنى: أنهم أضمروا الكفر في أنفسهم.]]. ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ قال مقاتل: علوا في القول علوًا شديدًا حين قالوا: ﴿أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ [["تفسير مقاتل" ص 44 أ.]]. وقال ابن عباس: والله لا تدركه الأبصار فلا عين تراه. هذا كلامه [[قول ابن عباس -رضي الله عنهما-، إذا ثبتت نسبته له؛ محمول على رؤية الله تعالى في الدنيا، أما الرؤية في الآخرة فهي ثابتة؛ قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 22، 23] وقال جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ -ﷺ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ ". أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، رقم: 554، "الفتح" 2/ 33. ومسلم 1/ 439، كتاب المساجد، رقم: 633. وقد ألفت في ذلك كتب خاصة، مثل: "كتاب الرؤية" للدارقطني، ت: 385 هـ. ولم أجد هذا القول ولا نسبته لابن عباس. ولم يتعرض الواحدي هنا للرد على المعتزلة، القائلين بنفي رؤية الله -عز وجل-، حيث جعل القاضي عبد الجبار، هذه الآية دليلاً على مذهبه، فقال: يدل على نفي الرؤية، لأنه تعالى عَظَّم هذا القول من قائله، ولو كانت الرؤية جائزة، لم يجب ذلك فيه. "متشابه القرآن" ص 529.]]. وإنما وصفوا بالعتو عند طلب الرؤية؛ لأنهم طلبوها في الدنيا عنادًا للحق، وإباءً على الله ورسوله في طاعتهما [[قال الهوَّاري في تفسيره 3/ 206: وعصوا عصياناً كبيراً. قال الزمخشري 3/ 265: وأن الله لا يصح أن يُري .. وقد وصف العتوَّ بالكبير فبالغ في إفراطه، يعني أنهم == لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار، وأقصى العتو. وهو مبني على مذهبه الاعتزالي في إنكار رؤية الله -عز وجل- مطلقاً، في الدنيا والآخرة. والصواب أن وصفهم بالعتو الكبير ليس لأجل طلبهم رؤية الله -عز وجل-، وإنما لأنهم لم يطلبوا الرؤية للإيمان، وإنما طلبوها عناداً واستكباراً. ويدل لذلك أن نبي الله موسى -ﷺ- قد طلب رؤية الله -عز وجل-: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ الآية [الأعراف: 143] فلم يُلَم على طلبه الرؤية، ولم تتحقق له لعجزه في الدنيا، كما هو ظاهر من سياق الآية. وعلى هذا فإن ما ذكره الطوسي 7/ 482، وكذا الطبرسي 7/ 260، عن الجبائي أنه قال: وذلك يدل على أنهم كانوا مجسمة، فلذلك جوَّزوا الرؤية على الله التي تقتضي التشبيه. يلزم منه أن يكون نبي الله موسى -ﷺ- كذلك! والرد هو ما سبق. ثمَّ وجدت قريباً من هذا الرد للرازي 24/ 70. قال البرسوي 6/ 200: ومن لطائف الشيخ نجم الدين في تأويلاته، أنه قال: يشير إلى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة والحشر من الكفار يتمنون رؤية ربهم بقولهم: ﴿أَوْ نَرَى﴾ فالمؤمنون الذين يدَّعون أنهم يؤمنون بالآخرة والحشر كيف ينكرون رؤية ربهم! وقد ورد بها النصوص فلمنكري الحشر عليهم فضيلة بأنهم طلبوا رؤية ربهم وجوزوها كما جوزوا إنزال الملائكة. وهذا كلام حسن يقابل ما ذكره الجبائي.]]. قال أبو إسحاق: والعتو في اللغة: المجاوزة في القدر في الظلم [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 63. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2676، بسنده عن عكرمة أنه قال: العتو في كتاب الله: التجبر.]]. وقد مَرَّ [[قال الواحدي عند تفسير قول الله تعالى: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: 77]: يقال: عتا يعتو عُتُواً؛ إذا استكبر، ومنه يقال: جبار عات. قال مجاهد: العتو: الغلو في الباطل.]]. ثم أعلم الله تعالى أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك اليوم فقال [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 63، بنصه.]]:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب