الباحث القرآني

(p-2)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ إلَخْ، شُرُوعٌ في حِكايَةِ بَعْضٍ آخَرَ مِن أقاوِيلِهِمُ الباطِلَةِ وبَيانِ بُطْلانِها إثْرَ حِكايَةِ إبْطالِ أباطِيلِهِمُ السّابِقَةِ، وذِكْرُ ما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالُوا مالِ هَذا الرَّسُولِ﴾ إلى آخِرِهِ، ووَضْعُ المَوْصُولِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّنْبِيهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ عَلى أنَّ ما يُحْكى عَنْهم في الشَّناعَةِ بِحَيْثُ لا يَصْدُرُ عَمَّنْ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، والرَّجاءُ في المَشْهُورِ الأمَلُ وقَدْ فَسَّرَ أحَدَهُما بِالآخَرِ أكْثَرُ اللُّغَوِيِّينَ، وفي فُرُوقِ ابْنِ هِلالٍ: الأمَلُ رَجاءٌ يَسْتَمِرُّ ولِذا قِيلَ لِلنَّظَرِ في الشَّيْءِ إذا اسْتَمَرَّ وطالَ تَأمُّلٌ، وقِيلَ: الأمَلُ يَكُونُ في المُمْكِنِ والمُسْتَحِيلِ والرَّجاءُ يَخُصُّ المُمْكِنَ. وفِي المِصْباحِ: الأمَلُ ضِدُّ اليَأْسِ، وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ فِيما يَبْعُدُ حُصُولُهُ، والطَّمَعُ يَكُونُ فِيما قَرُبَ حُصُولُهُ، والرَّجاءُ بَيْنَ الأمَلِ والطَّمَعِ، فَإنَّ الرّاجِيَ يَخافُ أنْ لا يَحْصُلَ مَأْمُولُهُ ولِذا اسْتُعْمِلَ بِمَعْنى الطَّمَعِ، انْتَهى. وفَسَّرَهُ أبُو عُبَيْدَةَ وقَوْمٌ بِالخَوْفِ، وقالَ الفَرّاءُ: هَذِهِ الكَلِمَةُ تِهامِيَّةٌ، وهي أيْضًا مِن لُغَةِ هُذَيْلٍ إذا كانَ مَعَ الرَّجاءِ جَحْدٌ ذَهَبُوا بِهِ إلى مَعْنى الخَوْفِ، فَيَقُولُونَ: فُلانٌ لا يَرْجُو رَبَّهُ سُبْحانَهُ يُرِيدُونَ لا يَخافُ رَبَّهُ سُبْحانَهُ، ومِن ذَلِكَ ما ﴿لَكم لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقارًا﴾ أيْ لا تَخافُونَ لِلَّهِ تَعالى عَظَمَةً، وإذا قالُوا: فُلانٌ يَرْجُو رَبَّهُ فَهَذا عَلى مَعْنى الرَّجاءِ لا عَلى مَعْنى الخَوْفِ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها وحالَفَها في بَيْتِ نَوْبٍ عَواسِلِ وقالَ آخَرُ: ؎لا يَرْتَجِي حِينَ يُلاقِي الذّائِدا ∗∗∗ أسَبْعَةً لاقَتْ لَهُ أوْ واحِدًا انْتَهى. وذُكِرَ أنَّ اسْتِعْمالَ الرَّجاءِ في مَعْنى الخَوْفِ مُجازٌ؛ لِأنَّ الرّاجِيَ لِأمْرٍ يَخافُ فَواتَهُ، وأصْلُ اللِّقاءِ مُقابَلَةُ الشَّيْءِ ومُصادَفَتُهُ، وهو مُرادُ مَن قالَ: الوُصُولُ إلى الشَّيْءِ لا المُماسَّةُ، ويُطْلَقُ عَلى الرُّؤْيَةِ لِأنَّها وُصُولٌ إلى المَرْئِيِّ، ولِقاؤُهُ تَعالى هُنا كِنايَةٌ عَنْ لِقاءِ جَزائِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، أوِ المُرادُ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، والمَعْنى عَلى التَّفْسِيرِ المَشْهُورِ لِلرَّجاءِ: وقالَ الَّذِينَ لا يَأْمُلُونَ لِقاءَ جَزائِنا بِالخَيْرِ والثَّوابِ عَلى الطّاعَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالبَعْثِ، وعَلى التَّفْسِيرِ الآخَرِ: وقالَ الَّذِينَ لا يَخافُونَ لِقاءَ جَزائِنا بِالشَّرِّ والعِقابِ عَلى المَعْصِيَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالبَعْثِ كَذا قِيلَ. وقِيلَ: المُرادُ بِهِ رُؤْيَتُهُ تَعالى في الآخِرَةِ، والرَّجاءُ عَلَيْهِ بِمَعْنى الأمَلِ دُونَ الخَوْفِ إذْ لا مَعْنى لِكَوْنِ الرُّؤْيَةِ مَخُوفَةً، وهو خِلافُ الظّاهِرِ وإنْ لَمْ يَأْبَهُ ما بَعْدُ، إذْ يَكُونُ المَعْنى عَلَيْهِ: إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ رُؤْيَتَنا في الآخِرَةِ الَّتِي هي مَظِنَّةُ الرُّؤْيَةِ لِكَثِيرٍ مِنَ النّاسِ اقْتَرَحُوا رُؤْيَتَنا في الدُّنْيا الَّتِي لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِذَلِكَ، وقَدْ يُقالُ: نَفْيُ رَجاءِ لِقائِهِ تَعالى كِنايَةٌ عَنْ إنْكارِ البَعْثِ والحَشْرِ، ولَعَلَّهُ أوْلى مِمّا تَقَدَّمَ، أيْ: وقالَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ البَعْثَ والحَشْرَ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ﴾ أيْ: هَلّا أُنْزِلُوا عَلَيْنا فَيُخْبِرُونا بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿أوْ نَرى رَبَّنا﴾ فَيُخْبِرُنا بِذَلِكَ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وغَيْرِهِ، وفي طَلَبِ إنْزالِ مَلائِكَةٍ لِلتَّصْدِيقِ دُونَ إنْزالِ مَلَكٍ إشارَةٌ إلى أنَّهم بَلَغُوا في التَّكْذِيبِ مَبْلَغًا لا يَنْفَعُ مَعَهُ تَصْدِيقُ مَلَكٍ واحِدٍ وإذا، اعْتُبِرَتْ ألْ في المَلائِكَةِ لِلِاسْتِغْراقِ الحَقِيقِيِّ كانَتِ الإشارَةُ إلى قُوَّةِ تَكْذِيبِهِمْ أقْوى، وتَزْدادُ القُوَّةُ إذا اعْتُبِرَ في (p-3)( عَلَيْنا ) مَعْنى كُلِّ واحِدٍ مِنّا ولَمْ يُعْتَبَرْ تَوْزِيعٌ، ويُشِيرُ أيْضًا إلى قُوَّةِ ذَلِكَ تَعْبِيرُهم بِالمُضارِعِ الدّالِّ عَلى الِاسْتِمْرارِ التَّجَدُّدِي في ﴿أوْ نَرى رَبَّنا﴾ كَأنَّهم لَمْ يَكْتَفُوا بِرُؤْيَتِهِ تَعالى وإخْبارِهِ سُبْحانَهُ بِصِدْقِ رَسُولِهِ ﷺ حَتّى يَرَوْهُ سُبْحانَهُ ويُخْبِرَهم مِرارًا بِذَلِكَ، ولا يَأْبى قَصْدُ الِاسْتِمْرارِ مِنَ المُضارِعِ كَوْنَ الأصْلِ في «لَوْلا» الَّتِي لِلتَّحْضِيضِ أوِ العَرْضِ أنْ تَدْخُلَ عَلى المُضارِعِ وما لَمْ يَكُنْ مُضارِعًا يُؤَوَّلُ بِهِ، ولَعَلَّ عُدُولَهم إلى الماضِي في جانِبِ إنْزالِ المَلائِكَةِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ - وإنْ كانَ في تَأْوِيلِ المُضارِعِ - عَلى نَحْوِ ما قَدَّمَنا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ﴾ فَتَذَكَّرْ فَما في العَهْدِ مِن قِدَمٍ. وقِيلَ: المَعْنى لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ فَيُبَلِّغُونَ أمْرَ اللَّهِ تَعالى ونَهْيَهُ بَدَلَ مُحَمَّدٍ ﷺ أوْ نَرى رَبَّنا فَيُخْبِرُنا بِذَلِكَ مِن غَيْرِ تَوْسِيطِ أحَدٍ، ورُجِّحَ الأوَّلُ بِأنَّ السِّياقَ لِتَكْذِيبِهِ ﷺ وحاشاهُ ثُمَّ حاشاهُ مِنَ الكَذِبِ، والتَّعَنُّتُ في طَلَبِ مُصَدِّقٍ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا لِطَلَبِ مَن يُفِيدُهُمُ الأمْرَ والنَّهْيَ سِواهُ ﷺ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ﴾ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ مَعَ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ﴾ السّابِقِ لِظُهُورِ الفَرْقِ بَيْنَ المَطْلُوبَيْنِ فِيهِما، ولَوْ فُرِضَ لُزُومُ التَّكْرارِ بَيْنَهُما فَهو لا يَضُرُّ كَما لا يَخْفى. وانْتُصِرَ لِلْأخِيرِ بِأنَّ المُقامَ لَيْسَ إلّا لِذِكْرِ المُكَذِّبِينَ وحِكايَةِ أباطِيلِهِمُ النّاشِئَةِ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ، وقَدْ عَدَّ فِيما سَبَقَ بَعْضًا مِنها مُتَضَمِّنًا تَعَنُّتَهم في طَلَبِ مُصَدِّقٍ لَهُ ﷺ فالأوْلى أنْ يَكُونَ ما هُنا حِكايَةَ نَوْعٍ آخَرَ مِنها لِيَكُونَ أبْعَدَ عَنِ التَّكْرارِ وأدَلَّ عَلى العِنادِ والِاسْتِكْبارِ. ولَعَلَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ وعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ أنْسَبُ بِما ذُكِرَ. ومَعْنى ﴿اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ﴾ أوْقَعُوا الِاسْتِكْبارَ في شَأْنِها وعَدُّوها كَبِيرَةَ الشَّأْنِ، وفِيهِ تَنْزِيلُ الفِعْلِ المُتَعَدِّي مَنزِلَةَ اللّازِمِ كَما في قَوْلِهِ: ؎يَجْرَحْ في عَراقِيبِها نَصْلِي والعُتُوُّ تَجاوُزُ الحَدِّ في الظُّلْمِ، وهو المَصْدَرُ الشّائِعُ لِعَتا، واللّامُ واقِعَةٌ في جَوابِ القَسَمِ، أيْ: واللَّهِ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في شَأْنِ أنْفُسِهِمْ وتَجاوَزُوا الحَدَّ في الظُّلْمِ والطُّغْيانِ تَجاوُزًا كَبِيرًا بالِغًا أقْصى غايَتِهِ، حَيْثُ كَذَّبُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَمْ يَنْقادُوا لِبَشَرٍ مِثْلِهِمْ يُوحى إلَيْهِ في أمْرِهِمْ ونَهْيِهِمْ ولَمْ يَكْتَرِثُوا بِمُعْجِزاتِهِ القاهِرَةِ، وآياتِهِ الباهِرَةِ، فَطَلَبُوا ما لا يَكادُ تَرْنُو إلَيْهِ أحْداقُ الأُمَمِ، ورامُوا ما لا يَحْظى بِهِ إلّا بَعْضُ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ وسَلَّمَ. وقَدْ فُسِّرَ ﴿اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ﴾ بِـ:أضْمَرُوا الِاسْتِكْبارَ، وهو الكُفْرُ والعِنادُ في قُلُوبِهِمْ، وهو أظْهَرُ مِمّا تَقَدَّمَ، وما تَقَدَّمَ أبْلَغُ وأوْفَقُ لِما انْتُصِرَ لَهُ، وكَذا فُسِّرَ العُتُوُّ بِالنَّبْوِ عَنِ الطّاعَةِ، وما تَقَدَّمَ أبْلَغُ وأوْفَقُ بِذَلِكَ أيْضًا. وفِي تَعَقُّبِ حِكايَةِ باطِلِ أُولَئِكَ الكَفَرَةِ بِالجُمْلَةِ القَسَمِيَّةِ إيذانٌ بِغايَةِ قُبْحِ ما هم عَلَيْهِ، وإشْعارٌ بِالتَّعَجُّبِ مِنِ اسْتِكْبارِهِمْ وعُتُوِّهِمْ، وهو مِنَ الفَحْوى في الحَقِيقَةِ، ومِثْلُ ذَلِكَ شائِعٌ في الكَلامِ، تَقُولُ لِمَن جَنى جِنايَةً: فَعَلْتَ كَذا وكَذا اسْتِعْظامًا وتَعَجُّبًا مِنهُ، ويُسْتَعْمَلُ في سائِرِ الألْسِنَةِ، وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن ذَلِكَ قَوْلَ مُهَلْهَلٍ: ؎وجارَةُ جَسّاسٍ أبَأنا بِنابِها ∗∗∗ كُلَيْبًا غَلَتْ نابُ كُلَيْبٍ بَواؤُها والطِّيبِيُّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾، وتُعُقِّبَ بِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن هَذا القَبِيلِ؛ لِأنَّ الثُّلاثِيَّ المُحَوَّلَ إلى فِعْلٍ لَفْظًا أوْ تَقْدِيرًا مَوْضُوعٌ لِلتَّعَجُّبِ كَما صَرَّحَ بِهِ النُّحاةُ، وذَكَّرَ الإمامُ مُخْتارَ القَوْلِ الأوَّلِ في تَفْسِيرِ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ﴾ إلَخْ، أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ جَوابٌ لِقَوْلِهِمْ: «لَوْلا أُنْزِلَ» إلَخْ، مِن عِدَّةِ أوْجُهٍ: أحَدُها أنَّ القُرْآنَ لَمّا ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعْجِزًا فَقَدْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ (p-4)صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لا يَكُونُ اقْتِراحُ هَذِهِ الآياتِ إلّا مَحْضَ اسْتِكْبارٍ. وثانِيها أنَّ نُزُولَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لَوْ حَصَلَ لَكانَ أيْضًا مِن جُمْلَةِ المُعْجِزاتِ، ولا يَدُلُّ عَلى الصِّدْقِ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ نُزُولَ المَلَكِ بَلْ لِعُمُومِ كَوْنِهِ مُعْجِزًا، فَيَكُونُ قَبُولُ ذَلِكَ ورَدُّ الآخَرِ تَرْجِيحًا لِأحَدِ المِثْلَيْنِ مِن غَيْرِ مُرَجِّحٍ. وثالِثُها أنَّهم بِتَقْدِيرِ رُؤْيَةِ الرَّبِّ سُبْحانَهُ وتَصْدِيقِهِ لِرَسُولِهِ ﷺ لا يَسْتَفِيدُونَ عِلْمًا أزْيَدَ مِن تَصْدِيقِ المُعْجِزِ إذْ لا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَقُولَ النَّبِيُّ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ صادِقًا فَأحْيِ هَذا المَيِّتَ فَيُحْيِيهِ عَزَّ وجَلَّ، وبَيْنَ أنْ يَقُولَ: إنْ كُنْتُ صادِقًا فَصَدِّقْنِي فَيُصَدِّقُهُ، فَتَعْيِينُ أحَدِ الطَّرِيقَيْنِ مَحْضُ العِنادِ. ورابِعُها أنَّ العَبْدَ لَيْسَ لَهُ أنْ يَعْتَرِضَ عَلى مَوْلاهُ إمّا بِحُكْمِ المالِكِيَّةِ عِنْدَ الأشْعَرِيِّ أوْ بِحُكْمِ المَصْلَحَةِ عِنْدَ المُعْتَزَلِيِّ. وخامِسُها أنَّ السّائِلَ المُلِحَّ المُعانِدَ الَّذِي لا يَرْضى بِما يُنْعَمُ عَلَيْهِ مَذْمُومٌ، وإظْهارُ المُعْجِزِ مِن جُمْلَةِ الأيادِي الجَسِيمَةِ، فَرَدُّ إحْداهُما واقْتِراحُ الأُخْرى لَيْسَ مِنَ الأدَبِ في شَيْءٍ. وسادِسُها لَعَلَّ المُرادَ أنِّي لَوْ عَلِمْتُ أنَّهم لَيْسُوا مُسْتَكْبِرِينَ وعاتِينَ لَأعْطَيْتُهم مَطْلُوبَهُمْ، لَكِنِّي عَلِمْتُ أنَّهم إنَّما سَألُوا لِأجْلِ المُكابَرَةِ والعِنادِ، فَلا جَرَمَ لا أُعْطِيهِمْ. وسابِعُها لَعَلَّهم عَرَفُوا مِن أهْلِ الكِتابِ أنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُرى في الدُّنْيا، وأنَّهُ لا يُنْزِلُ المَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلى عَوامِّ الخَلْقِ، ثُمَّ إنَّهم عَلَّقُوا إيمانَهم عَلى ذَلِكَ فَهم مُسْتَكْبِرُونَ ساخِرُونَ، انْتَهى، وفِيهِ ما لا يَخْلُو عَنْ بَحْثٍ. واسْتَدَلَّتِ الأشاعِرَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: «لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» عَلى أنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعالى مُمْكِنَةٌ، واسْتَدَلَّتِ المُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا﴾، ﴿وعَتَوْا﴾ عَلى أنَّها مُمْتَنَعَةٌ، ولا يَخْفى ضَعْفُ الِاسْتِدْلالَيْنِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب