الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ أوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ وعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ .
(p-٣٧)ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَ اللَّهِ قالُوا: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ أوْ نَرى رَبَّنا﴾، ولَوْلا في هَذِهِ الآيَةِ لِلتَّحْضِيضِ.
والمَعْنى أنَّهم طَلَبُوا بِحَثٍّ وشِدَّةٍ أنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أوْ يَرَوْنَ رَبَّهم، وهَذا التَّعَنُّتُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهم هُنا مِن طَلَبِهِمْ إنْزالَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمْ، أوْ رُؤْيَتَهم رَبَّهم ذَكَرَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعالى:﴿أوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] وقَوْلِهِمْ: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ﴾ قِيلَ: فَتُوحى إلَيْنا كَما أُوحَتْ إلَيْكَ، وهَذا القَوْلُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١٢٤] وقِيلَ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ فَنَراهم عِيانًا، وهَذا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] أيْ مُعايَنَةً عَلى القَوْلِ بِذَلِكَ، وقَدْ قَدَّمْنا الأقْوالَ في ذَلِكَ في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: (لا يَرْجُونَ) قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: لا يَرْجُونَ أيْ لا يَخافُونَ لِقاءَنا لِعَدَمِ إيمانِهِمْ بِالبَعْثِ. والرَّجاءُ يُطْلَقُ عَلى الخَوْفِ كَما يُطْلَقُ عَلى الطَّمَعِ. قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما لَكم لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقارًا﴾ قالَ أيْ لا تَخافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً، ومِنهُ قَوْلُ أبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ:
؎إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها وخالَفَها في بَيْتِ نَوْبِ عَواسِلَ
فَقَوْلُهُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها: أيْ لَمْ يَخَفْ لَسْعَها، وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: إطْلاقُ الرَّجاءِ عَلى الخَوْفِ لُغَةُ تِهامَةَ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: ﴿لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ لا يَأْمُلُونَ، وعَزاهُ القُرْطُبِيُّ لِابْنِ شَجَرَةَ وقالَ: ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْنًا ∗∗∗ شَفاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الحِسابِ
أيْ أتَأْمُلُ أُمَّةٌ إلَخْ. والَّذِي لا يُؤْمِنُ بِالبَعْثِ لا يَخافُ لِقاءَ اللَّهِ، لِأنَّهُ لا يُصَدِّقُ بِالعَذابِ، ولا يَأْمُلُ الخَيْرَ مِن تِلْقائِهِ، لِأنَّهُ لا يُؤْمِنُ بِالثَّوابِ.
وَقَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ﴾ أيْ أضْمَرُوا التَّكَبُّرَ عَنِ الحَقِّ في قُلُوبِهِمْ، واعْتَقَدُوهُ عِنادًا وكُفْرًا، ويُوَضِّحُ هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ في صُدُورِهِمْ إلّا كِبْرٌ ما هم بِبالِغِيهِ﴾ [غافر: ٥٦] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ أيْ تَجاوَزُوا الحَدَّ (p-٣٨)فِي الظُّلْمِ والطُّغْيانِ يُقالُ: عَتا عَلَيْنا فُلانٌ: أيْ تَجاوَزَ الحَدَّ في ظُلْمِنا، ووَصْفُهُ تَعالى عُتُوَّهُمُ المَذْكُورَ بِالكِبْرِ، يَدُلُّ عَلى أنَّهُ بالَغَ في إفْراطِهِ، وأنَّهم بَلَغُوا غايَةَ الِاسْتِكْبارِ، وأقْصى العُتُوِّ، وهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ تَكْذِيبَ الرُّسُلِ بَعْدَ دَلالَةِ المُعْجِزاتِ، ووُضُوحِ الحَقِّ وعِنادِهِمْ والتَّعَنُّتِ عَلَيْهِمْ بِطَلَبِ إنْزالِ المَلائِكَةِ، أوْ رُؤْيَةِ اسْتِكْبارٍ عَنِ الحَقِّ عَظِيمٌ وعُتُوٌّ كَبِيرٌ يَسْتَحِقُّ صاحِبُهُ النَّكالَ، والتَّقْرِيعَ، ولِذا شَدَّدَ اللَّهُ النَّكِيرَ عَلى مَن تَعَنَّتَ ذَلِكَ التَّعَنُّتَ واسْتَكْبَرَ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ تُرِيدُونَ أنْ تَسْألُوا رَسُولَكم كَما سُئِلَ مُوسى مِن قَبْلُ﴾ [البقرة: ١٠٨]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَألُوا مُوسى أكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقالُوا أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ الآيَةَ [النساء: ١٥٣]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذْ قُلْتُمْ يامُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرى اللَّهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٥]
واسْتِدْلالُ المُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وأمْثالِها عَلى أنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ مُسْتَحِيلَةٌ اسْتِدْلالٌ باطِلٌ ومَذْهَبُهم والعِياذُ بِاللَّهِ مِن أكْبَرِ الضَّلالِ، وأعْظَمِ الباطِلِ، وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ في كَلامِهِ عَلى هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ اللَّهَ لا يُرى، قَوْلٌ باطِلٌ، وكَلامٌ فاسِدٌ.
والحُقُّ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ: أنَّ المُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ بِأبْصارِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ كَما تَواتَرَتْ بِهِ الأحادِيثُ عَنِ الصّادِقِ المَصْدُوقِ ﷺ، ودَلَّتْ عَلَيْهِ الآياتُ القُرْآنِيَّةُ مَنطُوقًا ومَفْهُومًا. كَما أوْضَحْناهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
وَقَدْ قَدَّمْنا في هَذِهِ السُّورَةِ وفي سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ الآياتِ الدّالَّةَ عَلى أنَّ اللَّهَ لَوْ فَعَلَ لَهم كُلَّ ما اقْتَرَحُوا لَما آمَنُوا، فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا.
{"ayah":"۞ وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوࣰّا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق