الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاَءَهُم كِتَابٌ﴾ يعنى: القرآن ﴿مُصَدِّقٌ﴾ موافق ﴿لِمَا مَعَهُمْ﴾؛ لأنه جاء على ما تقدّم به الإخبار في التوراة والإنجيل، فهو مصداق الخبر المتقدم، من حيث كان مخبره على ما تقدم الخبر به [[ينظر الطبري في "تفسيره" 1/ 410، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 171، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 171، "تفسير الثعلبي" 1/ 1030.]]. وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا﴾ يعني: اليهودَ [[ينظر الطبري في "تفسيره" 1/ 410، "تفسير الثعلبي" 1/ 1030.]]. و (كان) ليس بفعل حقيقي كسائر الأفعال، والفرق بينه وبين الفعل الحقيقي، أن الفعل الحقيقي يدل على وجود معنى مصدره بعد أن لم يكن، في ماض أو حاضر أو مستقبل، و (كان) إنما يدل على الزمان الماضي أو الحاضر والمستقبل في تصريفه فقط، من غير دلالة على وجود مصدره بعد أن لم يكن [[من قوله: في ماضٍ أو حاضر .. ساقط من (ش).]] كقولك: كان زيد عالمًا معناه: زيد عالم فيما مضى [[ينظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3084 مادة (كان)، و"الأزهية في علم الحروف" ص 183، و"مغني اللبيب" 2/ 559.]]. وذكرنا ما في (كان) عند قوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ [البقرة:28] [[ينظر: "البسيط" 2/ 293.]]. وقوله تعالى ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا الكتاب وقبل هذا النبي [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 410 "تفسير الثعلبي" 1/ 1030.]]. ﴿يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 1/ 411 - 412، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 171 - 172.]] والسدي [[رواه عنه الطبري 1/ 411 - 412، وانظر: "زاد المسير" 1/ 114.]]: هو أنهم إذا حزبهم [[في (ش): (حزنهم)، وفي (م): (جزلهم).]] أمر، وظهر لهم عدوٌّ، قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، وكانوا يسألون الله النصرَ بمحمد وبكتابه [[ينظر ما رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 410 - 410، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 171 - 172، وأبو نعيم في "الدلائل" 1/ 19.]]. وذكرنا معنى (الفتح والاستفتاح) عند قوله: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 76]. وفي الكلام إضمار واختصار، أراد: وكانوا من قبل يستفتحون به، أي: بذلك الكتاب، فلما سبق ذكر الكتاب لم [[في (م): (فلم).]] يُعِده. ومثله في الكلام: السَّمْنُ مَنَوَان [[المنوان: تثنية مَنَا وهو كيل أو ميزان يساوي رطلين ويثنى على منوان، ومنيان ويجمع على: أمْنَاءٍ، وأمْنٍ، ومُنِيٍّ ومِنِيٍّ. ينظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3454 مادة (منا)، و"القاموس" 1722 و"المجموع شرح المهذب" 9/ 347.]] بدرهم أي: منه، ولكنك لا تعيد ذكره، وقد سبق في أول كلامك. وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ يعني: الكتاب وبعثة النبي ﷺ وذلك أنهم كانوا قرأوا في التوراة: إن الله تعالى يبعث في آخر الزمان نبيًّا [[في (م) و (ش): (يبعث نبيا في آخر الزمان).]]، وينزل عليه قرآنًا مبينًا أي: بالكتاب، ويبعث صاحب ذلك الكتاب [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 411 - 412، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 172.]]. أعلم الله أنهم كفروا وهم يوقنون، وأنهم مُتَعمدون للشقاق وعداوة الله. وجواب قوله: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُم كِتَابٌ﴾ محذوف، تقديره: ولما جاءهم كتاب من عند الله جحدوه، وحذف لأنه معروف، دل عليه ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾، هذا قول أبي إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 171، وذكره الطبري في "تفسيره" 412 - 413، وممن ذهب إليه: الأخفش واختاره الزمخشري كما في "البحر المحيط" 1/ 303، ورجحه أبو حيان.]]. وقال الفراء: جوابه في الفاء في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾، وفيه أيضا معنى الابتداء. و (كفروا) بما فيه من جوابهما جميعًا، والعرب تجيب كلامين بجواب واحد، كقولهم: ما هو إلا أن يأتي عبد الله فلما قعد أكرمته [[قال الفراء: ما هو إلا أن أتاني عبد الله فلما قعد أوسعت له وأكرمته.]] [["معاني القرآن" للفراء 1/ 59 بتصرف، وذكره الطبري في تفسيره 1/ 412 - 413، ونسبه إليه في "البحر المحيط" 1/ 303، وقال: وأما قول الفراء، فلم يثبت من لسانهم: لما جاء زيد فلما جاء خالد أقبل جعفر، فهو تركيب مفقود في لسانهم فلا نثبته، ولا حجة في هذا المختلف فيه، فالأولى أن يكون الجواب محذوفًا لدلالة المعنى عليه.]]. والدليل على هذا: أن الواو لا تجوز في موضع الفاء في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾ كما جاز في ابتداء الآية، فذلك دليل على أنها جواب وليست بنسق. ومثل هذا في كون الفاء جوابًا قوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ﴾ [[ساقطة من (ش).]] صار كأنه جواب لـ"إما"، ألا ترى أن الواو لا تصلح في موضع الفاء هنا. وقال محمد بن يزيد [[أي المبرد، ينظر: "البحر المحيط" 1/ 303.]] قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ تكرير للأول؛ لأن الكلام طال بقوله: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ﴾، وكأنه كلام معترض، فأعاد الأول. وجوابه ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾. ومثله قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ [المؤمنون: 35] أعاد ذكر ﴿أَنَّكُمْ﴾ لما طال الكلام، وكأنه قال: أيعدكم أنكم إذا مِتُّم مُخرَجون [[بين في "البحر المحيط" 1/ 303: أن هذا القول حسن، لولا أن الفاء تمنع من التأكيد.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب