الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) ، ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم- ﴿كتاب من عند الله﴾ = يعني بـ "الكتاب" القرآن الذي أنزله الله على محمد ﷺ = ﴿مصدق لما معهم﴾ ، يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن، كما:- ١٥١٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم﴾ ، وهو القرآن الذي أنزل على محمد، مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل. ١٥١٨ - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم﴾ ، وهو القرآن الذي أنزل على محمد ﷺ، مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ ، أي: وكان هؤلاء اليهود - الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان، كفروا به - يستفتحون بمحمد ﷺ = ومعنى"الاستفتاح"، الاستنصار = [[انظر ما سلف في هذا الجزء ٢: ٥٢٤.]] يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه، أي من قبل أن يبعث، كما:- ١٥١٩ - حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن أشياخ منهم قالوا: فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار، وفي اليهود = الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة = يعني: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ = قالوا: كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية - [[في سيرة ابن هشام ٢: ١٩٠"علوناهم ظهرا".]] ونحن أهل الشرك، وهم أهل الكتاب - [[في سيرة ابن هشام ٢: ١٩٠"ونحن أهل شرك، وهم أهل كتاب".]] فكانوا يقولون: إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه، يقتلكم قتل عاد وإرم. [[في سيرة ابن هشام ٢: ١٩٠"نقتلكم معه. . "، وكذلك هو في ابن كثير ١: ٢٣٠، وكأنه الصواب.]] فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه، كفروا به. يقول الله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ . [[الخبر: ١٥١٩ - هذا له حكم الحديث المرفوع، لأنه حكاية عن وقائع في عهد النبوة، كانت سببا لنزول الآية، تشير الآية إليها. الراجح أن يكون موصولا. لأن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري الظفري المدني: تابعي ثقة، وهو يحكي عن"أشياخ منهم"، فهم آله من الأنصار. وعن هذا رجحنا اتصاله. وقد نقل السيوطي ١: ٨٧ هذا الخبر، ونسبه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وأبي نعيم، والبيهقي، كلاهما في الدلائل.]] ١٥٢٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير، أو عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله ﷺ قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ﷺ ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته! فقال سَلام بن مِشْكَم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) . [[الخبر: ١٥٢٠ - فس يرة ابن هشام ٢: ١٩٦.]] ١٥٢١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس مثله. ١٥٢٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ ، يقول: يستنصرون بخروج محمد ﷺ على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب - فلما بعث الله محمدا ﷺ ورأوه من غيرهم، كفروا به وحسدوه. ١٥٢٣ - وحدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن علي الأزدي في قول الله: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ ، قال: اليهود، كانوا يقولون: اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس، يستفتحون - يستنصرون - به على الناس. ١٥٢٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن علي الأزدي - وهو البارقي - في قول الله جل ثناؤه: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون﴾ ، فذكر مثله. [[الأثر: ١٥٢٣، ١٥٢٤ - عليٍ الأزدى البارقي، هو علي بن عبد الله أبو عبد الله بن أبي الوليد البارقي، روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبيد بن عمير، وأرسل عن زيد بن حارثة. وعنه مجاهد بن جبر، وهو من أقرانه. قال ابن عدى: ليس عنده كثير حديث، وهو عندي لا بأس به (تهذيب ٧: ٣٥٨، ٣٥٩) .]] ١٥٢٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ ، كانت اليهود تستفتح بمحمد ﷺ على كفار العرب من قبل، وقالوا: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم! فلما بعث الله محمدا ﷺ فرأوا أنه بعث من غيرهم، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله ﷺ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ . ١٥٢٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: كانت اليهود تستنصر بمحمد ﷺ على مشركي العرب، يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم! فلما بعث الله محمدا، ورأوا أنه من غيرهم، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله ﷺ: فقال الله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين﴾ . ١٥٢٧ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ . قال: كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم، وكانوا يجدون محمدا ﷺ في التوراة، ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلوا معه العرب. فلما جاءهم محمد كفروا به، حين لم يكن من بني إسرائيل. ١٥٢٨ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء قوله: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ ، قال: كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبي ﷺ، ويرجون أن يكون منهم. فلما خرج ورأوه ليس منهم، كفروا وقد عرفوا أنه الحق، وأنه النبي. قال: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين﴾ . ١٥٢٩ - قال حدثنا ابن جريج، وقال مجاهد: يستفتحون بمحمد ﷺ تقول: إنه - يخرج. ﴿فلما جاءهم ما عرفوا﴾ -وكان من غيرهم- كفروا به. [[الأثر: ١٥٢٩ - هذا إسناد قد سقط صدره، فما أدري ما هو. وهو مضطرب اللفظ أيضًا.]] ١٥٣٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال: قال ابن جريج - وقال ابن عباس: كانوا يستفتحون على كفار العرب. ١٥٣١ - حدثني المثنى قال، حدثني الحماني قال، حدثني شريك، عن أبي الجحاف، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير قوله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ ، قال: هم اليهود عرفوا محمدا أنه نبي وكفروا به. ١٥٣٢ - حُدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ ، قال: كانوا يستظهرون، يقولون: نحن نعين محمدا عليهم. وليسوا كذلك، يكذبون. ١٥٣٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألت ابن زيد عن قول الله عز وجل: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ . قال: كانت يهود يستفتحون على كفار العرب، يقولون: أما والله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى وعيسى، أحمد، لكان لنا عليكم! وكانوا يظنون أنه منهم، والعرب حولهم، وكانوا يستفتحون عليهم به، ويستنصرون به. فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وحسدوه، وقرأ قول الله جل ثناؤه: ﴿كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [سورة البقرة: ١٠٩] . قال: قد تبين لهم أنه رسول، فمن هنالك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج. * * * قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فأين جواب قوله: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم﴾ ؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في جوابه. فقال بعضهم: هو مما ترك جوابه، استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه، وبما قد ذكر من أمثاله في سائر القرآن. [[أنا في شك من هذه الجملة الأخيرة، أن يكون فيها تحريف.]] وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام، فتأتي بأشياء لها أجوبة، فتحذف أجوبتها، لاستغناء سامعيها - بمعرفتهم بمعناها - عن ذكر الأجوبة، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [سورة الرعد: ٣١] ، فترك جوابه. والمعنى:"ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسيرت بهذا القرآن - استغناء بعلم السامعين بمعناه. قالوا: فكذلك قوله: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم﴾ . * * * وقال آخرون: جواب قوله: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله﴾ في"الفاء" التي في قوله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ ، وجواب الجزاءين في"كفروا به"، كقولك:"لما قمت، فلما جئتنا أحسنت"، بمعنى: لما جئتنا إذْ قمت أحسنت. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٥٩.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩) ﴾ قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على معنى اللعنة، وعلى معنى"الكفر"، بما فيه الكفاية. [[انظر ما سلف (الكفر) ١: ٢٥٥، ٣٨٢، ٥٢٢، وهذا الجزء (اللعنة) ٢: ٣٢٨]] * * * فمعنى الآية: فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه، المنكرين لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد ﷺ. ففي إخبار الله عز وجل عن اليهود - بما أخبر الله عنهم بقوله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ - البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمد ﷺ، بعد قيام الحجة بنبوته عليهم، وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب