الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمّا جاءَهم كِتابٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾، تُقْرَأُ: ”جاءَهم“، بِفَتْحِ الجِيمِ، والتَّفْخِيمِ، وهي لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، وهي اللُّغَةُ العُلْيا القُدْمى، والإمالَةُ إلى الكَسْرِ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ، وكَثِيرٍ مِنَ العَرَبِ، ووَجْهُها أنَّها الأصْلُ مِن ذَواتِ الياءِ، فَأُمِيلَتْ، لِتَدُلَّ عَلى ذَلِكَ، ومَعْنى كِتابِ اللَّهِ، هَهُنا: اَلْقُرْآنُ، واشْتِقاقُهُ مِن ”اَلْكَتْبُ“، وهي جَمْعُ ”كَتْبَةٌ“، وهي الخَرَزَةُ، وكُلُّ ما ضَمَمْتَ بَعْضَهُ إلى بَعْضٍ عَلى جِهَةِ التَّقارُبِ، والِاجْتِماعِ، فَقَدْ كَتَبْتَهُ، و”اَلْكَتِيبَةُ“: اَلْفِرْقَةُ الَّتِي تُحارِبُ، مِن هَذا اشْتِقاقُها، لِأنَّ بَعْضَها مُنْضَمٌّ إلى بَعْضٍ، وسُمِّيَ كَلامُ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - الَّذِي أُنْزِلَ عَلى نَبِيِّهِ ”كِتابًا“، و”قُرْآنًا“، و”فُرْقانًا“، فَقَدْ فَسَّرْنا مَعْنى ”كِتابٌ“، ومَعْنى ”قُرْآنٌ“: مَعْنى الجَمْعِ، يُقالُ: ”ما قَرَأتْ هَذِهِ النّاقَةُ سَلًى قَطُّ“، أيْ: لَمْ يَضْطَمَّ رَحِمُها عَلى ولَدٍ قَطُّ، قالَ الشّاعِرُ: ؎هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينا قالَ أكْثَرُ النّاسِ: لَمْ تَجْمَعْ جَنِينًا، أيْ: لَمْ تَضُمَّ رَحِمَها عَلى الجَنِينِ، وقالَ قُطْرُبُ - في ”قُرْآنٌ“ - قَوْلَيْنِ، أحَدُهُما هَذا، وهو المَعْرُوفُ الَّذِي عَلَيْهِ أكْثَرُ النّاسِ، والقَوْلُ الآخَرُ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنَ الصِّحَّةِ، وهو حَسَنٌ، قالَ: ”لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا“: لَمْ تَلْقَهُ مَجْمُوعًا، وقالَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى ”قَرَأتْ“: لَفَظَتْ بِهِ (p-١٧١)مَجْمُوعًا، كَما أنَّ ”لَفَظْتُ“، مِن ”اَللَّفْظُ“، اِشْتِقاقُهُ مِن ”لَفَظْتُ كَذا وكَذا“، إذا ألْقَيْتُهُ، فَكَأنَّ ”قَرَأْتُ القُرْآنَ“: لَفَظْتُ بِهِ مَجْمُوعًا. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾، أيْ: يُصَدِّقُ بِالتَّوْراةِ، والإنْجِيلِ، ويُخْبِرُهم بِما في كُتُبِهِمْ، مِمّا لا يُعْلَمُ إلّا بِوَحْيٍ، أوْ قِراءَةِ كُتُبٍ، وقَدْ عَلِمُوا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ أُمِّيًا لا يَكْتُبُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ضُمَّ ”قَبْلُ“، لِأنَّها غايَةٌ، كانَ يَدْخُلُها بِحَقِّ الإعْرابِ الكَسْرُ، والفَتْحُ، فَلَمّا عُدِلَتْ عَنْ بابِها بُنِيَتْ عَلى الضَّمِّ، فَبُنِيَتْ عَلى ما لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُها بِحَقِّ الإعْرابِ، وإنَّما عُدِلَتْ عَنْ بابِها لِأنَّ أصْلَها الإضافَةُ، فَجُعِلَتْ مُفْرَدَةً تُنْبِئُ عَنِ الإضافَةِ، المَعْنى: ”وَكانُوا مِن قَبْلِ هَذا“، ومَعْنى: ”يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا“، فِيهِ قَوْلانِ: قالَ بَعْضُهُمْ: كانُوا يُخْبِرُونَ بِصِحَّةِ أمْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وقِيلَ: ”وَكانُوا [مِن قَبْلُ] يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا“: يَسْتَنْصِرُونَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ ﷺ، ”فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا“، أيْ: ما كانُوا يَسْتَنْصِرُونَ، وبِصِحَّتِهِ يُخْبِرُونَ، كَفَرُوا، وهم يُوقِنُونَ أنَّهم مُتَعَمِّدُونَ لِلشِّقاقِ، عَداوَةً لِلَّهِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ﴾، قَدْ فَسَّرْنا اللَّعْنَةَ، وجَوابُ ”وَلَمّا جاءَهم كِتابٌ“، مَحْذُوفٌ، لِأنَّ مَعْناهُ مَعْرُوفٌ، دَلَّ عَلَيْهِ ”فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ“ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب