الباحث القرآني

﴿وَلَمّا جاءَهم كِتابٌ﴾: هو القرآن؛ وتَنْكِيرُهُ لِلتَّفْخِيمِ؛ ووَصْفُهُ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: كائِنٌ مِن عِنْدِهِ (تَعالى)؛ لِلتَّشْرِيفِ؛ ﴿مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾ مِنَ التَّوْراةِ؛ عَبَّرَ عَنْها بِذَلِكَ لِما أنَّ المَعِيَّةَ مِن مُوجِباتِ الوُقُوفِ عَلى ما في تَضاعِيفِها المُؤَدِّي إلى العِلْمِ بِكَوْنِهِ مُصَدِّقًا لَها؛ وقُرِئَ: "مُصَدِّقًا"؛ عَلى أنَّهُ حالٌ مِن "كِتابٌ"؛ لِتَخْصِيصِهِ بِالوَصْفِ؛ ﴿وَكانُوا مِن قَبْلُ﴾؛ أيْ: مِن قَبْلِ مَجِيئِهِ؛ ﴿يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أيْ: وقَدْ كانُوا قَبْلَ مَجِيئِهِ يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلى المُشْرِكِينَ؛ ويَقُولُونَ: اللَّهُمَّ انْصُرْنا بِالنَّبِيِّ المَبْعُوثِ في آخِرِ الزَّمانِ؛ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ في التَّوْراةِ؛ ويَقُولُونَ لَهُمْ: قَدْ أظَلَّ زَمانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ بِتَصْدِيقِ ما قُلْنا؛ فَنَقْتُلُكم مَعَهُ قَتْلَ عادٍ وإرَمَ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ؛ وقَتادَةُ؛ والسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ في بَنِي قُرَيْظَةَ؛ والنَّضِيرِ؛ كانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الأوْسِ والخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ مَبْعَثِهِ؛ وقِيلَ: مَعْنى يَسْتَفْتِحُونَ: يَفْتَتِحُونَ عَلَيْهِمْ؛ ويُعَرِّفُونَهم بِأنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ مِنهم قَدْ قَرُبَ أوانُهُ؛ والسِّينُ لِلْمُبالَغَةِ؛ كَما في "اسْتَعْجَبَ"؛ أيْ: يَسْألُونَ مِن أنْفُسِهِمُ الفَتْحَ عَلَيْهِمْ؛ أوْ يَسْألُ بَعْضُهم بَعْضًا أنْ يُفْتَحَ عَلَيْهِمْ؛ وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالجُمْلَةُ حالِيَّةٌ؛ مُفِيدَةٌ لِكَمال مُكابَرَتِهِمْ؛ وعِنادِهِمْ؛ وقَوْلُهُ - عَزَّ وعَلا -: ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ﴾: تَكْرِيرٌ لِلْأوَّلِ؛ لِطُولِ العَهْدِ بِتَوَسُّطِ الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ما عَرَفُوا﴾: عِبارَةٌ عَمّا سَلَفَ مِنَ الكِتابِ؛ لِأنَّ مَعْرِفَةَ مَن أُنْزِلَ هو عَلَيْهِ مَعْرِفَةٌ لَهُ؛ والِاسْتِفْتاحُ بِهِ اسْتِفْتاحٌ بِهِ؛ وإيرادُ المَوْصُولِ دُونَ الِاكْتِفاءِ بِالإضْمارِ؛ لِبَيانِ كَمالِ مُكابَرَتِهِمْ؛ فَإنَّ مَعْرِفَةَ ما جاءَهم مِن مَبادِي الإيمانِ بِهِ ودَواعِيهِ لا مَحالَةَ؛ والفاءُ لِلدَّلالَةِ عَلى تَعْقِيبِ مَجِيئِهِ لِلِاسْتِفْتاحِ بِهِ؛ مِن غَيْرِ أنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُما مُدَّةٌ مُنْسِيَةٌ لَهُ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾: جَوابٌ لِـ "ما" الأُولى؛ كَما هو رَأْيُ المُبَرِّدِ؛ أوْ جَوابُهُما مَعًا؛ كَما قالَهُ أبُو البَقاءِ؛ وقِيلَ: جَوابُ الأُولى مَحْذُوفٌ؛ لِدَلالَةِ المَذْكُورِ عَلَيْهِ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَكانُوا﴾؛ إلَخْ.. جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلى الشَّرْطِيَّةِ؛ عَطْفَ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ؛ والمُرادُ بِـ "ما عَرَفُوا": النَّبِيُّ ﷺ؛ كَما هو المُرادُ بِـ "ما كانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ"؛ فالمَعْنى: ولَمّا جاءَهم كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِكِتابِهِمْ كَذَّبُوهُ؛ وكانُوا مِن قَبْلِ مَجِيئِهِ يَسْتَفْتِحُونَ بِمَن أُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الكِتابُ؛ فَلَمّا جاءَهُمُ النَّبِيُّ الَّذِي عَرَفُوهُ كَفَرُوا بِهِ؛ ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ﴾: اللّامُ لِلْعَهْدِ؛ (p-129)أيْ: عَلَيْهِمْ؛ ووَضْعُ المُظْهَرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ لِلْإشْعارِ بِأنَّ حُلُولَ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ؛ كَما أنَّ الفاءَ لِلْإيذانِ بِتَرَتُّبِها عَلَيْهِ؛ أوْ لِلْجِنْسِ؛ وهم داخِلُونَ في الحُكْمِ؛ دُخُولًا أوَّلِيًّا؛ إذِ الكَلامُ فِيهِمْ؛ وأيًّا ما كانَ؛ فَهو مُحَقِّقٌ لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب