الباحث القرآني

فقالت الملائكة إقراراً بالعجز واعتذاراً: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ [[في (ج): (قالوا سبحانك).]]. قال ابن عباس: تنزيهاً لك وتعظيماً عن أن يعلم الغيب أحد [[في (ب): (أحدا).]] سواك [[أخرجه الطبري في "تفسيره" من طريق الضحاك عن ابن عباس 1/ 221، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه لابن جرير 1/ 101.]]. وقيل: تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك في حكمك وتدبيرك [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 62 أ.]]. وهو منصوب على المصدر عند الخليل والفراء، إذا قلت: (سبحان الله) [[عبارة الفراء: (سبحانك) منصوب على المصدر، كأنك قلت: سبحت لله تسبيحا ..) "الزاهر" 1/ 145.]] فكأنك قلت: سبّحتُ الله تسبيحاً، فجعل السبحان موضع التسبيح، كما تقول: كفرت عن يميني تكفيراً، ثم يجعل الكفران في موضع التكفير فتقول: كفَّرت عن يميني كُفراناً [[كلام الفراء في "الزاهر" 1/ 145، وقول الخليل في "تفسير الثعلبي" 1/ 62 أ، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 160، "البيان" 1/ 72، "الإملاء" 1/ 29.]]. وقد ينوب الاسم عن المصدر وتقول [[في (ج): (ويقوله).]]: كلمته كلاماً، وسلم سلاماً، قال الله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 49]. وقال سيبويه: يقال: سبحت الله تسبيحاً وسبحاناً بمعنى واحد، فالمصدر: تسبيح، وسبحان اسم يقوم مقام المصدر. قال: وقال أبو الخطاب الكبير [[هو عبد الحميد بن عبد المجيد، أبو الخطاب، الأخفش الكبير النحوي، شيخ سيبويه في النحو، انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي: ص 40، "إنباه الرواة" 2/ 157، "بغية الوعاة" 2/ 74.]]: سبحان الله، كقولك: براءةَ الله من السوء، ومنه قول الأعشى: سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ [[البيت سبق تخريجه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: 30]: 2/ 336.]] أي براءةً منه [[انظر كلام سيبويه في "الكتاب" 1/ 322 - 1/ 324، "تهذيب اللغة" (سبح) 2/ 1609، والنص من "التهذيب".]]. وقال النضر: رأيت في المنام كأن إنساناً فسر لي سبحان الله، قال: أما ترى الفرس يسبح، يريد السرعة، سبحان الله: السرعة إليه [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (سبح) 2/ 2610.]]. وقد ذكرنا معنى التسبيح عند قوله: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [[سورة البقرة: 30، انظر: 2/ 335 - 337.]]. وقوله تعالى: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾. قال المفسرون وأهل المعاني: هذا اعتراف (عن) [[(عن) في جميع النسخ ولو كانت (من) كان أولى.]] الملائكة بالعجز عن علم ما لم يعلموه فكأنهم قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا [[انظر "تفسير الطبري" 1/ 220، "البحر المحيط" 1/ 147، "ابن كثير" 1/ 79، " البيضاوي" 1/ 21.]]، وليس هذا مما علمتنا [في الكلام مختصرًا] [[قوله: (في الكلام مختصرًا) كذا وردت في النسخ الثلاث، وفيها تصحيف، والعبارة في "الوسيط" (فجاء الكلام مختصرًا) وفي الحاشية: في (ب): (فجاء في الكلام)، "الوسيط" 1/ 79.]]. ولو قالوا: (لا علم لنا بهذا) كان جواباً، ولكن لا يكون متضمناً تعظيم الله والاعتراف بأن جميع علمهم من عنده. وقيل: إنه تلطّف في طلب علم ما لم يعلموه، وتوبة عن قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ من غير علم لهم بذلك، نبههم الله تعالى بعجزهم عن أسماء الموجودات على أن من جهلها فهو أجهل بأحكام الغائبات، وفي هذا التنبيه إشارة إلى نهيهم عن الحكم لأنفسهم بالطاعة، فإنه لا علم لهم بالعواقب، فإن أمر العواقب [[قوله (فإن أمر العواقب) ساقط من (ب).]] مستور، ففيه تنبيه عن [[في (ب): (على) وهو أولى.]] خطئهم في الأمرين جميعا. وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ﴾. أي العالم غير المعلم [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 221.]]. (الحكيم) [[(الحكيم) مكرر في (ب).]] في خلقك الخليقة، ومعنى: (الحكيم) هو المحكم للأشياء [[في (ب): (الأشياء).]] صرف من (مُفْعل) إلى (فَعِيل) كالسميع في قوله: أَمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعي [[في (أ)، (ب) (الراعي) وهذا خلاف المشهور في البيت.]] السَّمِيعُ [[البيت لعمرو بن معد يكرب، وقد سبق تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 10]: 2/ 154.]] و (الأليم) بمعنى: المؤلم [[يريد أن (حكيم) بمعنى: محكم مثل (أليم) بمعنى مؤلم كذا قال الثعلبي في "تفسيره" 1/ 62 أ. وانظر: "شرح أسماء الله" للزجاج: ص 52، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي: ص 60.]]. قال ابن المظفر [[هو الليث. انظر كلامه في "تهذيب اللغة" (حكم) 1/ 885]]: والحُكم: العِلم [[في "تهذيب اللغة": (العلم والفقه).]]، قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: 12]. أي: العلم، والحكم: القضاء بالعدل أيضا. قال النابغة: وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحَيِّ إذْ نَظَرَتْ ... إِلَى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ [[البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمدح فيها النعمان، ويعتذر إليه مما بلغه عنه فيما وشي إليه به. وقد ألحقت بالمعلقات السبع لما فيها من الجودة. يقال: احكم، أي: كن حكيمًا في أمرك مصيبًا في الرأي وهذا هو المعنى المشهور في البيت ذكره الأزهري في "التهذيب" عن ابن السكيت، واستشهد الليث به على أن معنى (احكم) من القضاء بالعدل. كحكم فتاة الحي إذ أصابت ووضعت الأمر موضعه حينما نظرت إلى الحمام فاحصتها ولم تخطئ في عددها. ويروى (سراع) و (شراع) بالشين، وهي الواردة للماء. والثمد: الماء القليل، ورد البيت في "التهذيب" (حكم) 1/ 885، "الصحاح" (حكم) 5/ 1902، "اللسان" (حكم) 2/ 951، "ديوان النابغة" ص 14.]] فالوصف لله تعالى بأنه (حكيم) يجوز أن يكون بمعنى: محكم كما ذكرنا، ويجوز أن يكون بمعنى: حاكم، كالقدير والقادر، والعليم والعالم، ويكون معناه العالم أو الذي يحكم بالعدل ويقضي به [[(به) ساقط من (ب). بهذا المعنى أخذ الطبري في "تفسيره" 1/ 221، وانظر == "تهذيب اللغة" (حكم) 1/ 885، "اشتقاق أسماء الله" ص60.]]. قال الأصمعي: أصل الحكومة: رَدُّ الرجل عن الظلم، ومنه سُمِّيت حَكَمَةُ اللجام، لأنها تَرَدُّ الدابة، قال [[(قال) ساقط من (ب).]] ومنه قول لبيد: أَحْكَمَ الجِنْثِيَّ مِنْ عَوْرَاتِهَا [[في (ب): (عوارتها).]] ... كُلُّ حِرْبَاءٍ إِذَا أُكْرِهَ [[في (ب): (احكم ضل).]] صَلّ [[للبيت روايتان: نصب (الجنثي) ورفع (كل) -وهي رواية الأصمعي التي ذكرها الأزهري- فيكون المراد بالجنثي السيف، وأَحْكَمَ بمعنى: منع ورد، فلم يصل السيف، ومنعه الحرباء، والعورات: الفتوق واحدها عورة، والحِرْبَاء: المسمار في حلق (الدرع)، إذا أكره ليدخل في الحلق سمعت له صليلا. والرواية الثانية: رفع (الجنثي) ونصب (كل) فيكون المراد بالجنثي: الحداد أو الزراد، ويكون أحكم من الإحكام للصنعة، كذا خرَّجه ابن قتيبة في "المعاني الكبير" 2/ 1030، وانظر "التهذيب" (حكم) 1/ 885، "اللسان" (صلل) 4/ 2486، و (حكم) 2/ 951، "شرح ديوان لبيد": ص 192.]] والجِنْثِيُّ: السيف، أي: رد السيف عن عورات [[في (ب): (عوارت).]] الدرع، وهي: فُرَجها، كل حِرْبَاء: وهو المسمار الذي يُسَمَّر به حلقها. هذه رواية الأصمعي [[انظر كلام الأصمعي في "التهذيب" (حكم) 1/ 885.]]. قال الأزهري: والعرب تقول: حَكَمْتُ وأَحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى: رَدَدْتُ ومَنَعْتُ، ومن هذا قيل للحاكم: حاكم، لأنه يمنع الظالم من الظلم [["تهذيب اللغة" (حكم) 1/ 885.]]. وقال جرير: أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ [[تمامه: إني أخاف عليكم أن أغضبا ورد البيت في "تهذيب اللغة" (حكم) 1/ 885. وفيه (بني حنيفة) "الكامل" 3/ 26، وفيه (نهنهوا) بدل (أحكموا)، أي أزجروا، "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 421، "الزاهر" 1/ 503، "مجمل اللغة" (حكم) 1/ 246، "اشتقاق أسماء الله": ص 61، "الصحاح" (حكم) 5/ 1902، و"تفسير الثعلبي" 1/ 62 ب، و"تفسير القرطبي" 1/ 246، "الدر المصون" 1/ 268، "الخزانة" 9/ 236.]] يقول: امنعوهم من التعرض [["التهذيب" (حكم) 1/ 885.]]. وروي عن النخعي أنه قال: حَكِّم اليَتِيم كما تُحَكَم ولدك [[ذكره أبو عبيد قال: حدثنيه ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم. "غريب الحديث" 2/ 421، "تهذيب اللغة" 1/ 885.]]. قال أبو عبيد: يقول: امنعه من الفساد، قال: وكل من منعته من شيء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه [[المراجع السابقة.]]، وأنشد بيت جرير [[أي: أبني حنيفة .. البيت.]]. والحِكْمَة: هي العلم الذي يمنع [صاحبه] [[(صاحبه) ساقط من (ب).]] من الجهل، والحاكم الذي يمنع من الجور، وكل عمل مُحَكَم [[في (ب): (متحكم).]] فقد منع من الفساد [[انظر: "تهذيب اللغة" (حكم) 1/ 885. "الصحاح" (حكم) 5/ 1901. "المجمل" (حكم) 1/ 246. "اللسان" (حكم) 2/ 951.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب