الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلّا ما عَلَّمْتَنا إنَّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ ﴿قالَ ياآدَمُ أنْبِئْهم بِأسْمائِهِمْ فَلَمّا أنْبَأهم بِأسْمائِهِمْ قالَ ألَمْ أقُلْ لَكم إنِّي أعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأرْضِ وأعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (p-١٩٢)اعْلَمْ أنَّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أنَّ المَلائِكَةَ أتَوْا بِالمَعْصِيَةِ في قَوْلِهِمْ: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ قالُوا: إنَّهم لَمّا عَرَفُوا خَطَأهم في هَذا السُّؤالِ رَجَعُوا وتابُوا واعْتَذَرُوا عَنْ خَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: ﴿سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلّا ما عَلَّمْتَنا﴾ والَّذِينَ أنْكَرُوا مَعْصِيَتَهم ذَكَرُوا في ذَلِكَ وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهم إنَّما قالُوا ذَلِكَ عَلى وجْهِ الِاعْتِرافِ بِالعَجْزِ، والتَّسْلِيمِ بِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ ما سُئِلُوا عَنْهُ وذَلِكَ؛ لِأنَّهم قالُوا: إنّا لا نَعْلَمُ إلّا ما عَلَّمْتَنا فَإذا لَمْ تُعَلِّمْنا ذَلِكَ فَكَيْفَ نَعْلَمُهُ ؟ الثّانِي: أنَّ المَلائِكَةَ إنَّما قالُوا: ﴿أتَجْعَلُ فِيها﴾ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أعْلَمَهم ذَلِكَ فَكَأنَّهم قالُوا إنَّكَ أعْلَمْتَنا أنَّهم يُفْسِدُونَ في الأرْضِ ويَسْفِكُونَ الدِّماءَ فَقُلْنا لَكَ أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها، وأمّا هَذِهِ الأسْماءُ فَإنَّكَ ما أعْلَمْتَنا كَيْفِيَّتَها فَكَيْفَ نَعْلَمُها ؟ وهَهُنا مَسائِلُ:
(المَسْألَةُ الأُولى): احْتَجَّ أصْحابُنا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا عِلْمَ لَنا إلّا ما عَلَّمْتَنا﴾ عَلى أنَّ المَعارِفَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعالى وقالَتِ المُعْتَزِلَةُ: المُرادُ أنَّهُ لا عِلْمَ لَنا إلّا مِن جِهَتِهِ إمّا بِالتَّعْلِيمِ، وإمّا بِنَصْبِ الدَّلالَةِ، والجَوابُ أنَّ التَّعْلِيمَ عِبارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ العِلْمِ في الغَيْرِ كالتَّسْوِيدِ فَإنَّهُ عِبارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ السَّوادِ في الغَيْرِ، لا يُقالُ: التَّعْلِيمُ عِبارَةٌ عَنْ إفادَةِ الأمْرِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ العِلْمُ لَوْ حَصَلَ الشَّرْطُ وانْتَفى المانِعُ، ولِذَلِكَ يُقالُ عَلَّمْتُهُ فَما تَعَلَّمَ والأمْرُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ العِلْمُ هو وضْعُ الدَّلِيلِ واللَّهُ تَعالى قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأنّا نَقُولُ المُؤَثِّرَ في وُجُودِ العِلْمِ لَيْسَ هو ذاتَ الدَّلِيلِ بَلِ النَّظَرُ في الدَّلِيلِ وذَلِكَ النَّظَرُ فِعْلُ العَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ حُصُولُ ذَلِكَ العِلْمِ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعالى وأنَّهُ يُناقِضُ قَوْلَهُ: ﴿لا عِلْمَ لَنا إلّا ما عَلَّمْتَنا﴾ .
* * *
(المَسْألَةُ الثّانِيَةُ): احْتَجَّ أهْلُ الإسْلامِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ لا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَةِ المُغَيَّباتِ إلّا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعالى وأنَّهُ لا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْها بِعِلْمِ النُّجُومِ والكِهانَةِ والعِرافَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلّا هُوَ﴾ [الأنْعامِ: ٥٩] وقَوْلُهُ: ﴿عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾ ﴿إلّا مَنِ ارْتَضى مِن رَسُولٍ﴾ [الجِنِّ: ٢٦، ٢٧] ولِلْمُنَجِّمِ أنْ يَقُولَ لِلْمُعْتَزِلِيِّ: إذا فَسَّرْتَ التَّعْلِيمَ بِوَضْعِ الدَّلائِلِ فَعِنْدِي حَرَكاتُ النُّجُومِ دَلائِلُ خَلَقَها اللَّهُ تَعالى عَلى أحْوالِ هَذا العالَمِ، فَإذا اسْتَدْلَلْتَ بِها عَلى هَذِهِ كانَ ذَلِكَ أيْضًا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعالى، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا إنَّ المَلائِكَةَ لَمّا عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَةِ الغَيْبِ، فَلَأنْ يَعْجِزَ عَنْهُ أحَدُنا كانَ أوْلى.
(المَسْألَةُ الثّالِثَةُ): العَلِيمُ مِن صِفاتِ المُبالَغَةِ التّامَّةِ في العِلْمِ، والمُبالَغَةُ التّامَّةُ لا تَتَحَقَّقُ إلّا عِنْدَ الإحاطَةِ بِكُلِّ المَعْلُوماتِ، وما ذاكَ إلّا هو سُبْحانَهُ وتَعالى، فَلا جَرَمَ لَيْسَ العَلِيمُ المُطْلَقُ إلّا هو، فَلِذَلِكَ قالَ ﴿إنَّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ عَلى سَبِيلِ الحَصْرِ.
(المَسْألَةُ الرّابِعَةُ): الحَكِيمُ يُسْتَعْمَلُ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: بِمَعْنى العَلِيمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِن صِفاتِ الذّاتِ، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ نَقُولُ: إنَّهُ تَعالى حَكِيمٌ في الأزَلِ.
الآخَرُ: أنَّهُ الَّذِي يَكُونُ فاعِلًا لِما لا اعْتِراضَ لِأحَدٍ عَلَيْهِ.
فَيَكُونُ ذَلِكَ مِن صِفاتِ الفِعْلِ، فَلا نَقُولُ إنَّهُ حَكِيمٌ في الأزَلِ، والأقْرَبُ هَهُنا أنْ يَكُونَ المُرادُ هو المَعْنى الثّانِي وإلّا لَزِمَ التَّكْرارُ، فَكَأنَّ المَلائِكَةَ قالَتْ: أنْتَ العالِمُ بِكُلِّ المَعْلُوماتِ فَأمْكَنَكَ تَعْلِيمُ آدَمَ، وأنْتَ الحَكِيمُ في هَذا الفِعْلِ المُصِيبُ فِيهِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ مُرادَ المَلائِكَةِ مِنَ الحَكِيمِ، أنَّهُ هو الَّذِي حَكَمَ بِجَعْلِ آدَمَ خَلِيفَةً في الأرْضِ.
{"ayah":"قَالُوا۟ سُبۡحَـٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَاۤ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق