الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ الآية. نزلت هذه الآية حين جاءت قُتيلة [[قتيلة بنت عبد العزى بن سعد الحامرية القرشية، والدة أسماء بنت أبي بكر، ذكرها بعضهم في الصحابيات اللواتي تأخر إسلامهن، وقال أبو موسى: ليس في شيء من الروايات ذكر إسلامها، وقولها: راغبة، أي: في الصلة، وقال الحافظ ابن حجر: إن كانت عاشت إلى الفتح فالظاهر أنها أسلمت. ينظر "تجريد أسماء الصحابة" 2/ 297، "الإصابة" 8/ 169.]] أم أسماء بنت أبي بكر [[أسماء بنت أبي بكر الصديق، عبد الله بن عثمان التيمية القرشية، ذات النطاقين، أسلمت بعد سبعة عشر إنسانا، توفيت سنة 73 أو 74 بعد مقتل ابنها عبد الله بأيام، وقد عاشت مائة عام. ينظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 6/ 3253، "الاستيعاب" 4/ 344.]] إليها تسألها، وكذلك جَدّتها، وهما مشركتان [[في (ي) و (م): (مشتركان).]]، أتتا أسماء تسألانها شيئًا، فقالت: لا أعطيكما حتى أستأمر رسول الله ﷺ، وإنكما لستما على ديني، فاستأمرته في ذلك، فأنزل الله في هذه الآية، وأمرها رسول الله ﷺ أن تتصدق عليهما [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1655، والواحدي في "أسباب النزول" ص 90، والحافظ في "العجاب" 1/ 632 عن الكلبي، وذكره أبو الليث في "بحر العلوم" 1/ 233، ونحوه عند مقاتل في "تفسيره" 1/ 144، والقصة في الصحيحين، لكن دون ذكر لسبب النزول، رواها البخاري (2620) كتاب: الهبة، باب: الهدية للمشركين، ومسلم (1003) كتاب: الزكاة، باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج.]]. والمعنى: ليس عليك هدى من خالفك فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها. وأراد بالهدى هاهنا: هدى التوفيق وخلق الهداية؛ لأنه كان على رسول الله ﷺ هدى البيان والدعوة لجميع الخلق [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1658.]]، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ قال ابن عباس: يريد: أولياءه [[ذكره في "الوسيط" 1/ 387.]]. ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ أي: من مالٍ [["تفسير الثعلبي" 2/ 1659.]] وهو شرط وجوابه ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ [["تفسير الثعلبي" 2/ 1659.]]. ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ ظاهره خبر، وتأويله نهي، أي: ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، فلما لم يجئ بلا وجاء بما صرفه عن وجه الجزم؛ لأن (ما) لا ينهى بها وإن كان جحدًا، وعادتهم في النهي أن يكون بـ لا، والخبرُ في النفي يأتي والمراد به النهي، كقوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79]. ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ [البقرة: 233] وفي الإثبات يأتي والمراد به الأمر، كقوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]. وكقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: 234] [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1659 - 1660، "البحر المحيط" 327/ 2، "غرائب التفسير" 1/ 233.]]. وأجرى كثير من أهل المعاني هذا على ظاهر الخبر [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 327.]]، قال الزجاج: هذا خاص للمؤمنين، أعلمهم الله أنه قد علم أنهم يريدون بنفقتهم ما عند الله عز وجل [["معاني القرآن" 1/ 355.]]. وقال غيره: المراد بهذا نفي المنّ، يقول: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} فلا تَمُنُّوا به، إذ كان [[في (ي): (ما إذا كان).]] ما تنفقون لأنفسكم من حيث هو ذخر لكم، ولابتغاء وجه الله الذي يُوفَّرُ به الجزاءُ لكم، فهو من كلِّ جهةٍ عائدٌ عليكم. وقال صاحب النظم: قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ حالٌ متوسط بين الجزاءِ والشرط، تأويله: وما تنفقوا من خير، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، أي: إذا أنفقتم على هذه الحال فلأنفسكم، كما تقول في الكلام: ما تفعل من خير، ولا تفعله إلا لله، فهو مقبولٌ منك. وقال بعضهم: القصد بقوله [[في (ش): (تقوله).]]: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ أن يُعَلِّمَهُم التعميمَ بالإنفاق والصِّلَة، يقول: أنتم ما تنفقون [[من قوله: (وما تنفقون)، ساقط من (ش).]] أموالكم إلا ابتغاء وجه الله، فلا [[في (ي) و (ش): (لا).]] يضركم أن تبتغوا وجه الله بالإنفاق على المشركين، مثاله: قولك لمن تنصحه [[في (ش): (نصحته).]]: إن قصدك بالمعروف الثواب فلا تخصص به أولياءك دون أعدائك، فيستفاد من هذا تعليم التعميم، وتعليم كيفية القصد في الإعطاء. قال أهل العلم: وهذا في صدقة التطوع، أباح أن يتصدق على المليّ والذمي، فأما صدقة القرض فلا تجوز إلا للمسلمين [["تفسير الثعلبي" 2/ 1660.]]. وفي ذكر الوجه في قوله: ﴿ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ قولان: أحدهما: أن المراد منه تحقيق الإضافة؛ لأن ذكر الوجه يرفع الإبهام أنه له ولغيره، وذلك أنكَ لمَّا ذكرتَ الوجه ومعناه النفس، دل على أنك تصرِف الوهم عن الإشراك إلى تحقيق الاختصاص، فكنت بذلك محققًا للإضافة ومزيلًا لإبهام الشركة. القول الثاني: أنك إذا قلت: فعلته لوجه زيد، كان أشرفَ في الذكر من: فعلتُه له، لأن وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه، ثم كثر حتى صارَ يدل على شرف الذكر في الصفة فقط من غير تحقيق وجه، ألا ترى أنك تقول: وجه الدليل كذا، وهذا وجه الرأي، ووجه الأمر، فلا تريد تحقيق الوجه، وإنما تريد أشرف ما فيه، من جهة شدةِ ظهورِهِ وحسن بيانه. وقوله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أي: يوفِّر لكم جزاءه، قال ابن عباس: يريد: يجازيكم في الآخرة [[ذكره في "الوسيط" 1/ 388. وهذه الرواية تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.]]. وإنما حسن ﴿إِلَيْكُمْ﴾ مع التوفية؛ لأنها تضمنت معنى التأدية [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1660.]]. ﴿وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئًا، كقوله تعالى: ﴿آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: 33]، يريد: لم تنقص [[في (ي): (ولم تنقص)، وهي ساقطة من (م).]] [["تفسير الثعلبي" 2/ 1660.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب