الباحث القرآني

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ﴾: أيْ: لا يَجِبُ عَلَيْكَ أنْ تَجْعَلَهم مَهْدِيِّينَ إلى الإتْيانِ بِما أُمِرُوا بِهِ مِنَ المَحاسِنِ؛ والِانْتِهاءِ عَمّا نُهُوا عَنْهُ مِنَ القَبائِحِ المَعْدُودَةِ؛ وإنَّما الواجِبُ عَلَيْكَ الإرْشادُ إلى الخَيْرِ؛ والحَثُّ عَلَيْهِ؛ والنَّهْيُ عَنِ الشَّرِّ؛ والرَّدْعُ عَنْهُ؛ بِما أُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ؛ ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي﴾؛ هِدايَةً خاصَّةً؛ مُوصِلَةً إلى المَطْلُوبِ حَتْمًا؛ ﴿مَن يَشاءُ﴾؛ هِدايَتَهُ إلى ذَلِكَ؛ مِمَّنْ يَتَذَكَّرُ بِما ذُكِرَ؛ ويَتَّبِعُ الحَقَّ؛ ويَخْتارُ الخَيْرَ؛ والجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ؛ جِيءَ بِها عَلى طَرِيقِ تَلْوِينِ الخِطابِ؛ وتَوْجِيهِهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ مَعَ الِالتِفاتِ إلى الغَيْبَةِ فِيما بَيْنَ الخِطاباتِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمُكَلَّفِينَ؛ مُبالَغَةً في حَمْلِهِمْ عَلى الِامْتِثالِ؛ فَإنَّ الإخْبارَ بِعَدَمِ وُجُوبِ تَدارُكِ أمْرِهِمْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ مُؤْذِنٌ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ؛ حَسْبَما يَنْطِقُ بِهِ ما بَعْدَهُ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ؛ وقِيلَ: لَمّا كَثُرَ فُقَراءُ المُسْلِمِينَ نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُسْلِمِينَ عَنِ التَّصَدُّقِ عَلى المُشْرِكِينَ؛ كَيْ تَحْمِلَهُمُ الحاجَةُ عَلى الدُّخُولِ في الإسْلامِ؛ فَنَزَلَتْ. أيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدى مَن خالَفَكَ حَتّى تَمْنَعَهُمُ الصَّدَقَةَ لِأجْلِ دُخُولِهِمْ في الإسْلامِ؛ فَلا التِفاتَ حِينَئِذٍ في الكَلامِ؛ وضَمِيرُ الغَيْبَةِ لِلْمَعْهُودِينَ مِن فُقَراءِ المُشْرِكِينَ؛ بَلْ فِيهِ تَلْوِينٌ فَقَطْ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَما تُنْفِقُوا مِن خَيْرٍ﴾؛ عَلى الأوَّلِ: التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى خِطابِ المُكَلَّفِينَ؛ لِزِيادَةِ هَزِّهِمْ نَحْوَ الِامْتِثالِ؛ وعَلى الثّانِي: تَلْوِينٌ لِلْخِطابِ بِتَوْجِيهِهِ إلَيْهِمْ؛ وصَرْفِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ و"ما" شَرْطِيَّةٌ؛ جازِمَةٌ لِـ "تُنْفِقُوا"؛ مُنْتَصِبَةٌ بِهِ؛ عَلى المَفْعُولِيَّةِ و"مِن" تَبْعِيضِيَّةٌ؛ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِاسْمِ الشَّرْطِ؛ مُبَيِّنَةً؛ ومُخَصِّصَةً لَهُ؛ أيْ: أيَّ شَيْءٍ تُنْفِقُوا كائِنٌ مِن مالٍ؛ ﴿فَلأنْفُسِكُمْ﴾؛ أيْ: فَهو لِأنْفُسِكُمْ؛ لا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُكُمْ؛ فَلا تَمُنُّوا عَلى مَن أعْطَيْتُمُوهُ؛ ولا تُؤْذُوهُ؛ ولا تُنْفِقُوا مِنَ الخَبِيثِ؛ أوْ: فَنَفْعُهُ الدِّينِيُّ لَكُمْ؛ لا لِغَيْرِكم مِنَ الفُقَراءِ حَتّى تَمْنَعُوهُ مِمَّنْ لا يَنْتَفِعُ بِهِ؛ مِن حَيْثُ الدِّينُ؛ مِن فُقَراءِ المُشْرِكِينَ؛ ﴿وَما تُنْفِقُونَ إلا ابْتِغاءَ وجْهِ اللَّهِ﴾: اسْتِثْناءٌ مِن أعَمِّ العِلَلِ؛ أوْ أعَمِّ الأحْوالِ؛ أيْ: لَيْسَتْ نَفَقَتُكم لِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ إلّا لِابْتِغاءِ وجْهِ اللَّهِ؛ أوْ: لَيْسَتْ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا حالَ ابْتِغاءِ وجْهِ اللَّهِ؛ فَما بالُكم تَمُنُّونَ بِها؛ وتُنْفِقُونَ الخَبِيثَ الَّذِي لا يُوَجَّهُ مِثْلُهُ إلى اللَّهِ (تَعالى)؟! وقِيلَ: هو نَفْيٌ في مَعْنى النَّهْيِ؛ ﴿وَما تُنْفِقُوا مِن خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكُمْ﴾؛ أيْ: أجْرُهُ؛ وثَوابُهُ؛ أضْعافًا مُضاعَفَةً؛ حَسْبَما فُصِّلَ فِيما قَبْلُ؛ فَلا عُذْرَ لَكم في أنْ تَرْغَبُوا عَنْ إنْفاقِهِ (p-265)عَلى أحْسَنِ الوُجُوهِ؛ وأجْمَلِها؛ فَهو تَأْكِيدٌ؛ وبَيانٌ لِلشَّرْطِيَّةِ السّابِقَةِ؛ أوْ: يُوَفَّ إلَيْكم ما يُخْلِفُهُ؛ وهو مِن نَتائِجِ دُعائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِقَوْلِهِ: « "اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِلْمُنْفِقِ خَلَفًا؛ ولِلْمُمْسِكِ تَلَفًا"؛» وقِيلَ: حَجَّتْ أسْماءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ؛ فَأتَتْها أُمُّها تَسْألُها؛ وهي مُشْرِكَةٌ؛ فَأبَتْ أنْ تُعْطِيَها؛ وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهم كانُوا يَتَّقُونَ أنْ يَرْضَخُوا لِقَراباتِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ؛ ورُوِيَ أنَّ ناسًا مِنَ المُسْلِمِينَ كانَتْ لَهم أصْهارٌ في اليَهُودِ؛ ورَضاعٌ؛ كانُوا يُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الإسْلامِ؛ فَلَمّا أسْلَمُوا كَرِهُوا أنْ يُنْفِقُوهُمْ؛ فَنَزَلَتْ. وهَذا في غَيْرِ الواجِبِ؛ وأمّا الواجِبُ فَلا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلى الكافِرِ؛ وإنْ كانَ ذِمِّيًّا؛ ﴿وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾؛ لا تُنْقَصُونَ شَيْئًا مِمّا وُعِدْتُمْ مِنَ الثَّوابِ المُضاعَفِ؛ أوْ مِنَ الخَلَفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب