الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ الآية. الأكثرون من المفسرين على أن هذه الآية راجعة في المعنى إلى قوله: ﴿لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ وأن هذا تقريرُ مثلٍ للمراء في النفقة [[في (م): (بالنفقة).]] [["تفسير الثعلبي" 2/ 1593.]]، وقال مجاهد: هذا مثل للمفرط في طاعة الله، المشتغل بملاذ الدنيا، يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 75، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 522.]]. وقال ابن عباس: هو مثل الذي يختم عمله بفساد، وكان يعمل عملًا صالحًا، فهو مثل للجنة المذكورة في الآية، ثم يبعث الله له الشيطان فيسيء في آخر عمره، ويتمادى في الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار مثلصا لإساءته التي مات عليها [[رواه البخاري (4538) كتاب: التفسير، باب: قوله: (أيود أحدكم أن تكون له جنة)، والثوري في "تفسيره" 72، وابن المبارك في "الزهد" 546، والطبري في "تفسيره" 3/ 76، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 523.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ عطف بماض على مستقبل، قال الفراء: وذلك يجوز [[في (ي): (ويجوز ذلك).]] في يود؛ لأنها تتلقى مرّة بأن ومرة بلو، فجاز أن يقدر أحدهما مكان الآخر لاتفاق المعنى، كأنه قيل: أيود أحدكم لو كانت له جنة، وذلك أن (لو) و (أن) مضارعتان في المعنى، فتجاب أن بجواب لو، ولو بجواب أن، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة: 221] المعنى: وإن أعجبتكم، وقال: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} [الروم: 51]، فأجيبت لئن بإجابة لو، وقال: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: 9] معناه: ودوا أن تدهن [["معاني القرآن" للفراء 1/ 175، "تفسير الثعلبي" 2/ 1593 - 1594.]]. والإعصار: ريح ترتفع وتستدير نحو السماء كأنها عمود، وهي التي يسميها الناس الزوْبَعة، وهي ريح شديدة، ومنه: إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارًا [[مثل عربي في "تهذيب اللغة" 3/ 2459 (مادة: عصر). وينظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 349. ويضرب مثلًا للرجل يلقى قِرْنَه في النجدة والبسالة.]] وقال ابن الأعرابي: يقال: إعصار وعِصَار، وهو أن يهيجَ الريحُ الترابَ [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 3/ 2459 (مادة: عصر)، وعبارته: أن تهيج الريح التراب فترفعه. وينظر في إعصار: "المفردات" ص 339 - 340، "اللسان" 5/ 2970 (مادة: عصر).]]. قال المفسرون: مثلُهم كمثلِ رجلٍ كانت له جَنَّةٌ فيها من كلِّ الثمرات، وأصابه الكِبَرُ فَضعُفَ عن الكسب، وله أطفال لا يجدون عليه، ولا ينفعونه، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ففقدها أَحوَج [[في (م): (فأحوج).]] ما كان إليها، عند كبر السن، وضعف الحيلة، وكثرة العيال، وطفولة الولد، وضعف عن إصلاحها لكبره، وضعف أولاده عن إصلاحها لصغرهم، ولم يجد هو ما يعود به على أولاده، ولا أولاده ما يعودون به على أبيهم، فبقي هو وأولاده فقراء عجزة متحيرين، لا يقدرون على حيلة، كذلك يبطل الله عمل المنافق والمرائي، حين لا مُسْتَعْتب لهما، ولا توبة، ولا إقالة من ذنوبهما [["تفسير الثعلبي" 2/ 1596.]]. وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ أي: كمثل بيان هذه الأقاصيص التي ذكرها، من قصة الذي يمر على قرية، وقصة إبراهيم، ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾، أي: العلامات والدلالات التي تحتاجون إليها في أمر توحيده.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب