الباحث القرآني
(p-٦٩)قوله عزّ وجلّ:
﴿أيَوَدُّ أحَدُكم أنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وأعْنابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ لَهُ فِيها مِن كُلِّ الثَمَراتِ وأصابَهُ الكِبَرُ ولَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأصابَها إعْصارٌ فِيهِ نارٌ فاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَتَفَكَّرُونَ﴾
حَكى الطَبَرِيُّ عَنِ السُدِّيِّ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَثَلٌ آخَرُ لِنَفَقَةِ الرِياءِ، ورَجَّحَ هو هَذا القَوْلَ، وحَكى عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّهُ قَرَأ قَوْلَ اللهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى﴾ [البقرة: ٢٦٤] الآيَةَ. قالَ: ثُمَّ ضَرَبَ في ذَلِكَ مَثَلًا فَقالَ: ﴿أيَوَدُّ أحَدُكُمْ﴾ الآيَةَ، وهَذا أبْيَنُ مِنَ الَّذِي رَجَّحَ الطَبَرِيُّ، ولَيْسَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِمَثَلٍ آخَرَ لِنَفَقَةِ الرِياءِ، هَذا هو مُقْتَضى سِياقِ الكَلامِ.
وأمّا بِالمَعْنى في غَيْرِ هَذا السِياقِ فَتُشْبِهُ حالَ كُلِّ مُنافِقٍ أو كافِرٍ عَمِلَ وهو يَحْسَبُ أنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا، فَلَمّا جاءَ إلى وقْتِ الحاجَةِ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا، وقَدْ سَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ أصْحابَ النَبِيِّ ﷺ عن هَذِهِ الآيَةِ فَقالُوا: اللهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، فَقالَ وهو غاضِبٌ: قُولُوا: نَعْلَمُ أو لا نَعْلَمُ، فَقالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ كَأنَّهُ قالَ: أيَوَدُّ أحَدُكم أنْ يَعْمَلَ عُمْرَهُ بِعَمَلِ أهْلِ الخَيْرِ فَإذا فَنِيَ عُمْرُهُ واقْتَرَبَ أجَلُهُ خَتَمَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مِن عَمَلِ أهْلِ الشَقاءِ، فَرَضِيَ ذَلِكَ عُمَرُ.
ورَوى ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ عُمَرَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: "أيَوَدُّ أحَدُكُمْ"، وقالَ: هَذا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْإنْسانِ يَعْمَلُ عَمَلًا صالِحًا حَتّى إذا كانَ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ أحْوَجَ ما يَكُونُ إلَيْهِ عَمِلَ عَمَلَ السُوءِ. فَهَذا نَظَرٌ يَحْمِلُ الآيَةَ عَلى كُلِّ ما يَدْخُلُ تَحْتَ ألْفاظِها، وقالَ (p-٧٠)بِنَحْوِ هَذا مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والرَبِيعُ، وغَيْرُهم.
وخَصَّ النَخِيلَ والأعْنابَ بِالذِكْرِ لِشَرَفِها وفَضْلِها عَلى سائِرِ الشَجَرِ، وقَرَأ الحَسَنُ: "جَنّاتٌ" بِالجَمْعِ.
وقَوْلُهُ "مِن تَحْتِها"، هو تَحْتُ بِالنِسْبَةِ إلى الشَجَرِ، والواوُ في قَوْلِهِ "وَأصابَهُ" واوُ الحالِ، وكَذَلِكَ في قَوْلِهِ: و"لَهُ"، و"ضُعَفاءُ" جَمْعُ ضَعِيفٍ، وكَذَلِكَ: ضِعافٌ.
والإعْصارُ: الرِيحُ الشَدِيدَةُ العاصِفُ الَّتِي فِيها إحْراقٌ لِكُلِّ ما مَرَّتْ عَلَيْهِ، يَكُونُ ذَلِكَ في شِدَّةِ الحَرِّ، ويَكُونُ في شِدَّةِ البَرْدِ، وكُلُّ ذَلِكَ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ ونَفَسِها كَما تَضَمَّنَ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "إذا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأبْرِدُوا عَنِ الصَلاةِ، فَإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، وإنَّ النارَ اشْتَكَتْ إلى رَبِّها"» الحَدِيثُ بِكَمالِهِ، فَإمّا أنَّهُ نارٌ عَلى حَقِيقَةٍ وإلّا فَهو نَفَسُها يُوجَدُ عنها كَأثَرِها.
قالَ السُدِّيُّ: الإعْصارُ: الرِيحُ والنارُ السَمُومُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رِيحٌ فِيها سَمُومٌ شَدِيدَةٌ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ السَمُومَ الَّتِي خَلَقَ اللهُ مِنها الجانَّ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النارِ، يُرِيدُ مِن نارِ الآخِرَةِ. وقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: إعْصارٌ فِيهِ نارٌ: رِيحٌ فِيها صِرٌّ وبَرْدٌ، وقالَهُ الضَحّاكُ.
(p-٧١)وَفِي المَثَلِ "إنْ كُنْتَ رِيحًا فَقَدْ لاقَيْتَ إعْصارًا" - والرِيحُ إعْصارٌ لِأنَّها تَعْصِرُ السَحابَ، والسَحابُ مُعْصِراتٌ إمّا أنَّها حَوامِلُ فَهي كالمُعْصِرِ مِنَ النِساءِ وهي الَّتِي تَكُونُ عُرْضَةً لِلْحَمْلِ، وإمّا لِأنَّها تَنْعَصِرُ بِالرِياحِ، وبِهَذا فَسَّرَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الحَسَنِ العنبَرِيُّ القاضِي.
وحَكى ابْنُ سِيدَهْ أنَّ المُعْصِراتِ فَسَّرَها قَوْمٌ بِالرِياحِ لا بِالسَحابِ. وقالَ الزَجّاجُ: الإعْصارُ: الرِيحُ الشَدِيدَةُ تَصْعَدُ مِنَ الأرْضِ إلى السَماءِ وهي الَّتِي يُقالُ لَها الزَوْبَعَةُ.
قالَ المَهْدَوِيُّ: قِيلَ لَها إعْصارٌ لِأنَّها تَلْتَفُّ كالثَوْبِ إذا عُصِرَ، وهَذا ضَعِيفٌ. والإشارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إلى هَذِهِ الأمْثالِ المُبَيِّنَةِ، و"لَعَلَّكُمْ" تَرَجٍّ في حَقِّ البَشَرِ، أيْ إذا تَأمَّلَ مَن يُبَيَّنُ لَهُ هَذا البَيانُ رُجِيَ لَهُ التَفَكُّرُ، وكانَ أهْلًا لَهُ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "تَتَفَكَّرُونَ" في زَوالِ الدُنْيا وفَنائِها، وإقْبالِ الآخِرَةِ وبَقائِها.
{"ayah":"أَیَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةࣱ مِّن نَّخِیلࣲ وَأَعۡنَابࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ لَهُۥ فِیهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ وَلَهُۥ ذُرِّیَّةࣱ ضُعَفَاۤءُ فَأَصَابَهَاۤ إِعۡصَارࣱ فِیهِ نَارࣱ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق