الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ الآية يقال: لمَ أقسموا على هذا وهم على غير يقين منه أن ينقلب فيترك ذكره؟ قال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 273.]]: لم يقسموا إلا على ما كان صحيحًا في نفوسهم، وتلخيصه: تالله تفعل ذلك عندنا، وفي تقديرنا: فحلفوا على ما تقرر عندهم بالاستدلال، على ما يجوز في معلوم الله أن يتغير. وقوله تعالى: ﴿تَفْتَؤُاْ﴾ قال ابن السكيت [[من هنا يبدأ النقل عن الأزهري في التهذيب (فتأ) 3/ 2731.]]: يقال: ما زلت أفعله، وما برحت أفعله، وما فتئت أفعله، ولا يتكلم بهن إلا مع الجحد، وقال أبو زيد: يقال: ما فتأت أذكره، أي: ما زلت، وهما لغتان: ما فتئت وما فتأت، يقال: فتئت عن الأمر فَتَأ، إذا نسيته وانْقَدَعْت عنه. وروى [[في (ب): (روى) من غير واو. وابن هانئ هو: أبو عبد الرحمن بن محمد بن هانئ النيسابوري، ويعرف بصاحب الأخفش، توفي سنة 236 هـ. انظر: "تاريخ بغداد" 10/ 72، و"تهذيب اللغة" 1/ 44، و"إنباه الرواة" 2/ 131.]] ابن هاني عن أبي زيد: ما أفتأت أذكره إفتاءً، وما فتئت أذكره أفتأ فتأ [[إلى هنا انتهى النقل من الأزهري في التهذيب (فتأ) 3/ 2732، و"اللسان" (فتأ) 6/ 3337.]]. وذكر ذلك أبو إسحاق في باب الوفاق [[في (ج): (الوفات).]] [[كتاب "فعلت أفعلت" / 32.]] وحكى الكسائي [["إعراب القرآن للنحاس" 2/ 156.]]: فتئت، وفتأت، فتأ، وفتوءًا، وأنشدوا لأوس بن حجر: فما فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبُ وتَدَّعِي ... ويَلحقُ منها لاحِقٌ وتَقَطَّعُ [[البيت في: "ديوان أوس بن حجر" ص 58، و"مجاز القرآن" 1/ 316، والطبري 13/ 41، و"شواهد الكشاف" ص 168، و"البحر المحيط" 5/ 326، و"الدر المصون" 6/ 546، و"زاد المسير" 4/ 272، و"الكشاف" 2/ 339، و"المعاني الكبير" / 1002، وأساس البلاغة (فتأ).]] وقال القاسم بن معن [[هو القاسم بن معن بن عبد الرحمن النحوي القاضي توفي سنة 175 هـ تقريبًا، انظر "إنباه الرواة" 3/ 30.]]: هي بلغة أهل اليمن، وأنشد قول الأعرج المَعْنى [[البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في "زاد المسير" 4/ 272 برواية (منا).]]: فما فِتَئَتْ منها رِعَالٌ كأنها ... رِعَالُ القطا حتى احْتَوَيْنَ بني صَخْرِ قال النحويون [["معاني الفراء" 2/ 54، "إعراب النحاس" 2/ 156، و"الدر المصون" 6/ 546.]]: حرف النفي هاهنا مضمر على معنى: ما تفتؤ ولا تفتؤ، وجاز حذفه لأنه لو أريد الإثبات لكان باللام والنون نحو: والله ليفعلن، فلما كان بغير اللام والنون، عرف أن لا مضمر، وأنشدوا قول امرئ القيس [[صدر بيت، وعجزه: ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى انظر: "ديوانه" ص 108، و"اللسان" (يمن)، والصناعتين ص 138، و"معاني القرآن" 2/ 540، و"الخصائص" 2/ 284، و"الخزانة" 4/ 209، 231، و"شرح المفصل" 9/ 104، والطبري 13/ 42، والقرطبي 9/ 249، و"تأويل مشكل القرآن" ص 225، و"الدرر" 2/ 43، و"الكتاب" 3/ 504، و"الأضداد" لابن الأنباري 142.]]: فقلتُ يَمِينُ اللهِ أبْرَحُ قَاعِدًا وقول الخنساء [["ديوانها" 125، وفيه: فآليت آسي على هالك ... وأسأل باكية ما لها "تهذيب اللغة" (لا) 4/ 3211، وانظر: "زاد المسير" 4/ 272، و"اللسان" (لا) 7/ 3973، و"تاج العروس" (لا) "كتاب العين" 8/ 349.]]: فأقْسَمْتُ آسَى على هَالِكٍ ... أو أسأل نَائِحَةً مَالهَا ومثله كثير، وهذا قول الفراء [["معاني القرآن" 2/ 54.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 126.]] وابن الأنباري وجميع النحويين. وأما المفسرون فقال ابن عباس [[الطبري 13/ 41، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2187، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 59.]] والحسن [[انظر: "تفسر كتاب الله العزيز" 2/ 283.]] ومجاهد [[الطبري 13/ 41، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" 4/ 59.]] وقتادة [[الطبري 13/ 41.]] والسدي [[ابن أبي حاتم 7/ 2188.]] والكلبي [["تنوير المقباس" ص 153.]]: لا تزال تذكر، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد [[الطبري 13/ 41.]] قال: لا يفتر من ذكره. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾ قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 54، ومن هنا يبدأ النقل عن تهذيب الأزهري (حرض) 1/ 787.]]: يقال: رجل حرض وحارض، وهو: الفاسد في جسمه وعقله، فمن قال: حرض، لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث؛ لأنه بمنزلة: دفن وضنى، في أنه مصدر، قال: ولو ثنى وجمع لكان صوابًا، كما قالوا: ضيف وأضياف، ومن قال: حارض، ثنى وجمع. وقال أبو زيد: الحرض المدنف، ومثله المحرض، وقال الأصمعي: الحرض الهالك، والمحرض المهلك [[في (أ) بياض في هذه الكلمة.]]. وقال أبو الهيثم: الحرض والمحرض: الهالك من ضنى [[في "التهذيب" 4/ 204: "الهالك مرضًا".]]، الذي لا حي فيرجى ولا ميت فيوئس منه، وقال الليث: رجل حرض، لا خير فيه، وجمعه أحراض، والفعل حرُض يحْرُض حُرُوضًا [[إلى هنا انتهى النقل عن تهذيب الأزهري (حرض) 1/ 787. وانظر: "اللسان" (حرض) 2/ 836.]]. وحكى الكسائي: حَرض بالفتح وحُرض بالضم حراضة وحروضًا، وهو حارض، وهم حارضون، وحرضة، وحرض. قال أهل المعاني [["مجاز القرآن" 1/ 316.]]: أصل الحرض فساد الجسم والعقل للحزن والحب، وأنشدوا للعرجي [[البيت لعبد الله بن عمر بن عبد الله العرجي، كان ينزل بموضع قبل الطائف يقال له العرج فنسب إليه. انظر: "الشعر والشعراء" ص 381، "ديوانه" ص 5، الطبري 13/ 42، القرطبي 9/ 250، "زاد المسير" 4/ 273، "اللسان" (حرض) 2/ 836، "مجاز القرآن" 1/ 317، "الاشتقاق" 48، "السمط" ص 422، "الدر المصون" 6/ 547، "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري 1/ 403.]]: إني امْرُؤ لَجَّ بي حُبٌّ فأحَرَضَنِي ... حَتَّى بَلِيت [[في (ج): (مليت).]] وحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 126.]]: الحرض الفاسد في جسمه، والحرض الفاسد في أخلاقه، وقولهم: حرَّضت فلانًا على فلان، تأويله: أفسدته. وقال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 316.]]: الحرض الذي قد أذابه الحزن، هذا كلام أهل اللغة في الحرض. وأما المفسرون فقال ابن عباس في رواية عطاء: حتى تكون كالشيخ الفاني الذي تغير، وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الحرض فقال [[أخرج ابن الأنباري، الطستي كما في "الدر" 4/ 59، وأخرجه الطبري 13/ 43، البغوي 4/ 268 وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2187 وأبو الشيخ نحوه كما في "الدر" 4/ 59، والثعلبي 7/ 203 ب، و"الإعجاز البياني ومسائل ابن الأزرق" لبنت الشاطئ ص 502.]]: الفاسد الدنف. وقال مجاهد [[الطبري 13/ 43، الثعلبي 7/ 103 ب، ابن عطية 8/ 55، البغوي 4/ 268، ابن أبي حاتم 4/ 236 ب.]]: ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾ قال: مرضًا دون الموت، وقال جويبر عن الضحاك [[الطبري 13/ 43، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 4/ 236 ب، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 59، والثعلبي 7/ 103 ب، وابن عطية 8/ 55 وجويبر ضعيف.]]: كالشيء البالي، وقال قتادة [[الطبري 13/ 43، الثعلبى 7/ 103 ب، ابن عطية 8/ 54.]]: هرمًا، وقال مقاتل [["تفسير مقاتل" 157 أ.]]: مدنفًا، وذكر أبو روق أن أنس بن مالك قرأ: ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾ بضم الحاء وتسكين الراء، قال: يعني مثل عود الأشنان، ذكره ابن الأنباري بإسناده عن أبي روق [[انظر: ابن عطية 8/ 54، القرطبي 9/ 251، "الدر المصون" 6/ 548.]]. وقوله تعالى: ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ أي: من الميتين، قاله قتادة [[الطبري 13/ 44، الثعلبي 7/ 104 أ، البغوي 4/ 268، "زاد المسير" 4/ 273، القرطبي 9/ 251، عبد الرزاق 2/ 327.]]، ومعنى الآية: أنهم قالوا لأبيهم: لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه، حتى تصير بذلك إلى مرض لا ينتفع بنفسك معه، أو تموت بالغم، وأرادوا بهذا القول كفه عن البكاء والحزن إشفاقًا عليه. قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾ قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 104 أ، الطبري 13/ 45.]]: لما رأى غلظتهم وعنفهم به في قولهم ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ قال لهم: إنما أشكو ما بي إلى الله تعالى لا إليكم. قال أهل اللغة [[انظر: "تهذيب اللغة" (بثث) 1/ 273، و"اللسان" (بثث) 1/ 208.]]: البث: الهم الذي تفضي به إلى صاحبك. وأصله من البث وهو النشر والتفريق، يقال: بثوا الخيل في الغارة، وبث الله الخلق، وأبثثتُ فلانًا بسري إبثاثًا، أي: أطلعته عليه. وقال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 317.]]: البث: أشد الحزن، والحزن أشد الهم، وقال غيره: الهم ما يستره الإنسان ويكتمه، والبث ما يبديه ويظهره؛ لأنه إذا اشتد لم يصبر على كتمانه حتى يبثه، يقال: قد أبثثتك ما في قلبي، وبثتك، إذا أطلعتك عليه، قال الشاعر [[البيت لكُثَيِّر من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز وهي في "ديوانه" ص 36 كما يلي: أبثك ما ألقى وفي النفس حاجة ... لها بين جلدي والعظام دبيب وذكره في "الشعر والشعراء" ص 413 ونسبه لعروة بن حزام، والبيت مختلف عن هذا وهو: وإني لتعروني لذكراك روعة ... لها بين جلدي والعظام دبيب]]: أبثّكَ ما ألْقَى وفي النَّفْسِ حَاجَةٌ ... لها بَيْنَ لَحْمِي والعِظَامِ دَبِيبُ وقوله تعالى: ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي أعلم من خبر سلامة يوسف ما لا تعلمون أنتم، قال الكلبي عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 275، و"تنوير المقباس" 153، وأخرجه ابن أبي حاتم 7/ 2189، عن النصر بن عربي كما في "الدر" 4/ 60.]]: وذلك أن ملك الموت أتاه فقال له: يا ملك الموت هل قبضت روح ابني يوسف فيما قبضت من الأرواح؟ قال لا يا نبي الله، وقال ابن عباس [[الطبري 13/ 45، و"زاد المسير" 4/ 275، وابن أبي حاتم 7/ 2189، كما في "الدر" 4/ 60، الثعلبى 7/ 105 أ.]]: وأعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني [[في (ج): (وأنا).]] وأنتم سنسجد له. قال ابن الأنباري: وهذا يدل على أن يعقوب كان يزيد عليهم في علم العبارة ويصل من حقائقها إلى حيث لا يبلغون ولا يصلون، هذا قول مقاتل ابن سليمان [["تفسير مقاتل" 157 أبنحوه.]]. وقال عطاء عن ابن عباس [[) "زاد المسير" 4/ 275 ونسبه إلى عطاء.]]: وأعلم من رحمة الله وقدرته ورأفته على أوليائه ما لا تعلمون. وقال قتادة [[الطبري 13/ 46، وابن أبي حاتم 7/ 2187، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 60، والقرطبي 9/ 251.]]: أعلم من اختيار الله عَزَّ وَجَلَّ لي ما يوجب حسن ظني.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب