قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ يعني: أن بنيه قالوا ليعقوب: لا تزال تذكر يوسف حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أي: دنفاً من الوجع. ويقال: حتى تبلى وتهرم. وقال القتبي: لا تحذف من الكلام، ويراد به إثباتها، لقوله تَفْتَؤُا أي: لا تفتأ، أي لا تزال تذكر يوسف كقوله أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ [الحجرات: 2] أي: لكيلا تحبط أعمالكم حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً.
وقال الربيع بن أنس: حتى تكون بالياً، يابس الجلد، وقال محمد بن إسحاق: حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً يعني: لا عقل لك أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ يعني: من الميتين. وقال مجاهد:
الحرض ما دون الموت، والهالك الميت الَ
يعقوب نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي
يعني: همي وغمي لَى اللَّهِ
لما رأى من فظاظتهم، وسوء لفظهم، ولا أشكو ذلك إليكم. وقال القتبي:
البث أشد الحزن، إنما سمي الحزن البث، لأن صاحبه لا يصبر عليه، حتى يبثه أي: يفشوه.
ثم قال: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
أن يوسف حي، وليس بميت. وإنما كان يعلم ذلك من تحقيق رؤيا يوسف، حين رأى في المنام أحد عشر كوكباً، أن ذلك سيكون. ويقال:
إن يعقوب رأى ملك الموت في المنام، وسأله: هل قبضت روح قرة عيني يوسف؟ قال: لا، ولكن هو في الدنيا حي، فلذلك قال: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
ثم قال تعالى: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ يعني: انطلقوا إلى مصر، فاطلبوا خبر يوسف وَأَخِيهِ قالوا له: أما بنيامين فلا نترك الجهد في أمره، وأما يوسف فإنه ميت، وإنا لا نطلب الأموات. فقال لهم يعقوب: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ يعني: لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ يعني: الجاحدين لنعمة الله.
{"ayahs_start":85,"ayahs":["قَالُوا۟ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُا۟ تَذۡكُرُ یُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَـٰلِكِینَ","قَالَ إِنَّمَاۤ أَشۡكُوا۟ بَثِّی وَحُزۡنِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ","یَـٰبَنِیَّ ٱذۡهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن یُوسُفَ وَأَخِیهِ وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ"],"ayah":"قَالُوا۟ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُا۟ تَذۡكُرُ یُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَـٰلِكِینَ"}