الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ﴾ الآية، قال المفسرون [[الطبري 12/ 232، الثعلبي 7/ 86 أ، ابن عطية 7/ 525.]]: هذا العام لم يعلمه إلا بالوحي من أجل أنه لم يدخل في سؤال السائل؛ قال قتادة [[الطبري 12/ 232، الثعلبي 7/ 86 أ، ابن عطية 7/ 525، عبد الرزاق 2/ 324، ابن المنذر كما في "الدر" 4/ 41.]]: زاده الله علم عام لم يسألوه عنه. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى السبع في قوله: ﴿سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ والسبع [["زاد المسير" 4/ 233، عن ابن القاسم الأنباري.]] أشبهت المذكر من قبل أنها لا علامة للتأنيث في لفظها، كقوله ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: 18] هذا مذهب الكلبي [["تنوير المقباس" ص 150.]]، ومذهب مقاتل [["تفسير مقاتل" 154 ب.]] أن (ذلك) إشارة إلى الجدب. وقوله تعالى: ﴿فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ قال ابن السكيت [["تهذيب اللغة" (غاث) 3/ 2616.]]: يقال: غاث الله البلاد يغيثها غيثًا، وهي إذا نزل بها الغيث. وقد غيثت الأرض تغاث غيثًا، وهي أرض مغيثة ومغيوثة، فعلى هذا (يغاث الناس) معناه يمطرون، ويجوز أن يكون من قولهم: أغاثه الله، إذا أنقذه من كرب أو غم. ومعناه ينقذ الناس فيه من كرب الجدب. وقوله تعالى: ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي يعصرون السمسم دهنًا، والعنب خمرًا، والزيتون زيتًا، وهذا قول ابن عباس [[الطبري 12/ 232، وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 41، و"زاد المسير" 4/ 234، وابن أبي حاتم 7/ 2154.]] ومجاهد [[الطبري 12/ 232.]] وقتادة [[الطبري 12/ 233، و"زاد المسير" 4/ 234، وابن أبي حاتم 7/ 2154.]] وأكثر المفسرين [[الثعلبي 7/ 287، و"زاد المسير" 4/ 234، وابن عطية 7/ 529.]] وهذا يدل على ذهاب الجدب وحضور الخصب والخير. وذكرنا معنى العصر في قوله: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ [يوسف: 36]. وقال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 313.]]: يعصرون تفسيره ينجون من العصر وهو المنحاة، ومثله العصرة والمعتصر. [والمعصر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] ومنه قول أبي زبيد [[لأبي زبيد الطائي عجز بيت، وصدره: صاديًا يستغيث غير مغاث من قصيدة له يرثي بها اللجاج ابن أخته، وكان من أحب الناس إليه، انظر "ديوانه" ص 44، و"جمهرة أشعار العرب" ص 260، و"الاقتضاب" ص 390، و"اللسان" (عصر) 5/ 2969، و"أمالي اليزيدي" ص 8، و"المحتسب" 1/ 345، والطبري 12/ 233، والقرطبي 9/ 205، و"تهذيب اللغة" (عصر) 3/ 2458.]]: ولقد كان عُصْرة المَنْجُودِ أي: ملجأ الكروب. وقال عدي بن زيد: لو بغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقْ ... كُنْتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي [[البيت لعدي بن زيد في "ديوانه" ص 93، و"الأغاني" 2/ 94، و"الحيوان" 5/ 138، 593. انظر: "الكتاب" 1/ 462، و"مجاز القرآن" 1/ 314، و"الجمهرة" 2/ 154، و"اللسان" (عصر) 5/ 2971، والعيني 4/ 454، و"شواهد المغني" 255، و"الخزانة" 3/ 594، 4/ 460، 524، و"البحر المحيط" 5/ 316، و"تهذيب اللغة" (عصر) 3/ 2459، و"الشعر والشعراء" ص 133، وكتاب "العين" 4/ 342.]] أي: التجائي، وأنشد أيضًا للبيد [[البيت للبيد، ويروى: (بغير معصَّر) "ديوانه" ص 68. انظر: "الكتاب" 1/ 410، و"الأغاني" 2/ 26، والشنتمري 1/ 462، والجمهرة 2/ 154، و"اللسان" (عصر) 5/ 2969، العيني 4/ 454، و"شواهد المغني" / 255، و"الخزانة" 3/ 394، و"مجاز القرآن" 1/ 295، 314، والطبري 12/ 234، و"تهذيب اللغة" 3/ 2458.]]: فَباتَ وَأَسْرَى القَومُ آخِرَ لَيلِهِم ... وَما كانَ وَقّافًا بِدَارِ مُعَصَّرِ وذكر أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 114.]] أيضًا هذا القول فقال: وإن شئت كان على تأويل ينجون من البلاء ويعتصمون بالخصب، وأنشد بيت عدي [[ذكر هذا القول الطبري 12/ 233، وتعقبه فقال: "وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل، ممن يفسِّر القرآن على مذهب كلام العرب، يوجه معنى قوله: "وفيه يعصرون" إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث ويزعم أنه من العصر والعُصْرَة التي بمعنى المنجاة ... إلى أن قال: وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه، خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين. اهـ. وتعقب ابن عطية 7/ 531، الطبري فقال: "ورد الطبري على من جعل اللفظة من العصرة ردًّا كثيرًا بغير حجة".]]. وقال أبو عبيد [["تهذيب اللغة" (عصر) 3/ 2461، و"اللسان" (عصر) 5/ 2970.]]: يعصرون يعني به يصيبون ما يحبون، ويأخذون ما يشتهون. وأنشد قول ابن أحمر [["ديوانه" ص 61، وفيه "مقتفر" بدل "معتصر"، وأمالي القالي 1/ 245، و"مقاييس اللغة" 2/ 483، 4/ 344، و"مجمل اللغة" 2/ 457، و"تهذيب اللغة" (عصر) 3/ 2461، و"اللسان" (عصر) 5/ 2970. وبلا نسبة في "المخصص" 12/ 232.]]: وإنما العَيْشُ بربَّانه [[في (ج): (ريانة).]] ... وأنْتَ من أفْنَانِه مُعْتَصِرْ أي آخذ منها ما شئت. وروي عن ابن عباس [[الطبري 12/ 233، الثعلبي 7/ 87 أ، من رواية علي بن طلحة، وتعقب هذا القول الطبري بقوله "قول لا معنى له، لأنه خلاف المعروف من كلام العرب، وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس" 16/ 132.]] في رواية الوالبي: يعصرون يحلبون. وإلى هذا ذهب أحمد بن عبيد [["زاد المسير" 4/ 234.]] قال: تفسير يعصرون يحلبون الألبان، لسعة خيرهم واتساع خصبهم. واحتج بقول الشاعر [[البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في "زاد المسير" 4/ 234 برواية: (من المال).]]: فما عصمت الأعراب إن لم يكن لهم ... طعامٌ ولا درٌّ من الماء يُعْصَرُ أي: يحلب. وروى ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 235.]] عن بعض أصحاب المعاني قال: تفسير يعصرون: يفضلون ويعطون ويحسنون. واحتج بقول طرفة: لو كان في أمْلاكِنَا واحِدٌ ... يَعْصرُ فينا كالذي يُعْصَرُ [["ديوانه" ص 154، و"تاج العروس" (عصر) 7/ 230، و"مقاييس اللغة" 4/ 344، و"اللسان" (عصر) 5/ 2970، و"كتاب العين" 1/ 297، و"مجمل اللغة" 672/ 3.]] أي: يعطينا كالذي يعطى ويفضل ويحسن. وذكر الأزهري [["تهذيب اللغة" (عصر) 3/ 2461.]] هذا المعنى في يعصر عن أبي عبيد وأبي عبيدة. واختار أبو علي الفارسي [["الحجة" 4/ 425.]] القولين الأولين فقال: قوله: ﴿يَعْصِرُونَ﴾ يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون من العصر الذي يراد به الضغط الذي لحق ما فيه دهن أو ماء نحو الزيتون والسمسم والعنب والتمر، ليخرج ذلك منه. الذي يدل على صحة هذا التأويل ما روي أنهم لم يعصروا في السنين الشداد زيتًا ولا عنبًا، فيكون المعنى: تعصرون للخصب الذي أتاكم كما كنتم تعصرون أيام الخصب، وقبل الجدب الذي دفعتم إليه. قال: ويكون يعصرون من العصر الذي هو الالتجاء [[في (ج): (التجاء).]] إلى ما يُقْدَر النجاة به وأنشد لابن مقبل [[من قصيدة له قال عنها ابن قتيبة في الشعراء / 426: هي أجود شعره. قوله (صاحبي) يريد فرسه، (الوهوه) من الخيل النشيط سريع الجري، (المستوهل): الفزع النشيط، الزعل: النشيط الأشر (العصر): الملجأ. انظر: "ديوانه" ص 96، و"المعاني" ص 26، و"الجمهرة" 2/ 354، و"اللسان" (وهي) 13/ 563، و"تهذيب اللغة" 4/ 3967، و"كتاب العين" 4/ 88، و"تاج العروس" (وهي) 119/ 19.]]: وصاحبي وَهْوه مُسْتَوْ [هِلٌ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] زَعِلٌ ... يَحُولُ بين حِمَارِ الوَحْشِ والعصر فلقوله: "يغاث الناس" جعل الفاعلين الناس لتقدم ذكرهم. ومن قرأ بالتاء [[قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر (يعصرون) بالياء وقرأ حمزة والكسائي تعصرون) بالتاء. انظر: "السبعة" ص 349، و"إتحاف" ص 265، والطبري 12/ 233.]] وجه الخطاب إلى المستفتين كقوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ ويؤيد القراءة الأولى قرب الناس من الفعل، ويؤيد الثانية أن المخاطبة يجوز أن تكون للمستفتين وغيرهم، إلا أن الخطاب والغيبة إذا اجتمعا غلب الخطاب على الغيبة كما يغلب التذكير على التأنيث. قال أبو عبيد: في هذه الآيات دليل على أن الرؤيا إنما تكون على ما عبرت عليه إذا أصيب بها وجه العبارة، فإذا عدل عن الصواب في عبارتها لم يكن على ما عبرت. ألا ترى أن الملك لما اقتص رؤياه على الملأ قالوا: أضغاث أحلام، فلم يكن على ما قالوا، ففسرها يوسف بعدهم، فأبان الصواب فيها، وشوهد تأويلها بتفسيره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب