الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأبًا فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ في سُنْبُلِهِ إلّا قَلِيلًا مِمّا تَأْكُلُونَ﴾ ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلّا قَلِيلًا مِمّا تُحْصِنُونَ﴾ ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَ تَعْبِيرَ تِلْكَ الرُّؤْيا فَقالَ: ﴿تَزْرَعُونَ﴾ وهو خَبَرٌ بِمَعْنى الأمْرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] وإنَّما يَخْرُجُ الخَبَرُ بِمَعْنى الأمْرِ ويَخْرُجُ الأمْرُ في صُورَةِ الخَبَرِ، لِلْمُبالَغَةِ في الإيجابِ، فَيَجْعَلُ كَأنَّهُ وُجِدَ فَهو يُخْبِرُ عَنْهُ. والدَّلِيلُ عَلى كَوْنِهِ في مَعْنى الأمْرِ قَوْلُهُ: ﴿فَذَرُوهُ في سُنْبُلِهِ﴾ .
وقَوْلُهُ: ﴿دَأبًا﴾ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: الدَّأبُ اسْتِمْرارُ الشَّيْءِ عَلى حالَةٍ واحِدَةٍ، وهو دائِبٌ بِفِعْلِ كَذا إذا اسْتَمَرَّ في فِعْلِهِ، وقَدْ دَأبَ يَدْأبُ دَأْبًا ودَأبًا أيْ زِراعَةً مُتَوالِيَةً في هَذِهِ السِّنِينَ.
قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: الأكْثَرُونَ في ”دَأبٍ“ الإسْكانُ ولَعَلَّ الفَتْحَةَ لُغَةٌ، فَيَكُونُ كَشَمْعٍ وشَمَعٍ، ونَهْرٍ ونَهَرٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وانْتَصَبَ دَأبًا عَلى مَعْنى تَدْأبُونَ دَأبًا. وقِيلَ: إنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ في مَوْضِعِ الحالِ، وتَقْدِيرُهُ تَزْرَعُونَ دائِبِينَ فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ في سُنْبُلِهِ إلّا قَلِيلًا مِمّا تَأْكُلُونَ، كُلُّ ما أرَدْتُمْ أكْلَهُ فَدُوسُوهُ ودَعُوا الباقِيَ في سُنْبُلِهِ حَتّى لا يَفْسَدَ ولا يَقَعَ السُّوسُ فِيهِ، لِأنَّ إبْقاءَ الحَبَّةِ في سُنْبُلِهِ يُوجِبُ بَقاءَها عَلى الصَّلاحِ، ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ﴾ أيْ سَبْعُ سِنِينَ مُجْدِباتٍ، والشِّدادُ: الصِّعابُ الَّتِي تَشْتَدُّ عَلى النّاسِ.
وقَوْلُهُ: ﴿يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ هَذا مَجازٌ، فَإنَّ السَّنَةَ لا تَأْكُلُ فَيُجْعَلُ أكْلُ أهْلِ تِلْكَ السِّنِينَ مُسْنَدًا إلى السِّنِينَ.
وقَوْلُهُ: ﴿إلّا قَلِيلًا مِمّا تُحْصِنُونَ﴾ الإحْصانُ الإحْرازُ، وهو إلْقاءُ الشَّيْءِ في الحِصْنِ يُقالُ أحْصَنَهُ إحْصانًا إذا جَعَلَهُ في حِرْزٍ، والمُرادُ إلّا قَلِيلًا مِمّا تُحْرِزُونَ أيْ تَدَّخِرُونَ، وكُلُّها ألْفاظُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: السَّبْعَةُ المُتَقَدِّمَةُ سُنُو الخِصْبِ وكَثْرَةِ النِّعَمِ، والسَّبْعَةُ الثّانِيَةُ سُنُو القَحْطِ والقِلَّةِ وهي مَعْلُومَةٌ مِنَ الرُّؤْيا، وأمّا حالُ هَذِهِ السَّنَةِ فَما حَصَلَ في ذَلِكَ المَنامِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنَ الوَحْيِ، فَكَأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَ أنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ السَّبْعَةِ المُخْصِبَةِ والسَّبْعَةِ المُجْدِبَةِ سَنَةٌ مُبارَكَةٌ كَثِيرَةُ الخَيْرِ والنِّعَمِ. وعَنْ قَتادَةَ زادَهُ اللَّهُ عِلْمَ سَنَةٍ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا كانَتِ العِجافُ سَبْعًا دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ السِّنِينَ المُجْدِبَةَ لا تَزِيدُ عَلى هَذا العَدَدِ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ الحاصِلَ بَعْدَ انْقِضاءِ القَحْطِ هو الخِصْبُ وكانَ هَذا أيْضًا مِن مَدْلُولاتِ المَنامِ، فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ حَصَلَ بِالوَحْيِ والإلْهامِ ؟
قُلْنا: هَبْ أنَّ تَبَدُّلَ القَحْطِ بِالخِصْبِ مَعْلُومٌ مِنَ المَنامِ، أمّا تَفْصِيلُ الحالِ فِيهِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿فِيهِ يُغاثُ﴾ (p-١٢١)﴿النّاسُ وفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ لا يُعْلَمُ إلّا بِالوَحْيِ، قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ يُقالُ: غاثَ اللَّهُ البِلادَ يَغِيثُها غَيْثًا إذا أنْزَلَ فِيها الغَيْثَ، وقَدْ غِيثَتِ الأرْضُ تُغاثُ، وقَوْلُهُ: ﴿يُغاثُ النّاسُ﴾ مَعْناهُ يُمْطَرُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِهِمْ: أغاثَهُ اللَّهُ إذا أنْقَذَهُ مِن كَرْبٍ أوْ غَمٍّ، ومَعْناهُ يُنْقَذُ النّاسُ فِيهِ مِن كَرْبِ الجَدْبِ، وقَوْلُهُ: ﴿وفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أيْ يَعْصِرُونَ السِّمْسِمَ دُهْنًا والعِنَبَ خَمْرًا والزَّيْتُونَ زَيْتًا، وهَذا يَدُلُّ عَلى ذَهابِ الجَدْبِ وحُصُولِ الخِصْبِ والخَيْرِ، وقِيلَ: يَحْلِبُونَ الضُّرُوعَ، وقُرِئَ ”يَعْصِرُونَ“ مِن عَصَرَهُ إذا نَجّاهُ، وقِيلَ: مَعْناهُ يُمْطَرُونَ مِن أعْصَرَتِ السَّحابَةُ إذا أعْصَرَتْ بِالمَطَرِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجًا﴾ [ النَّبَأِ: ١٤] .
{"ayahs_start":47,"ayahs":["قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ","ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ سَبۡعࣱ شِدَادࣱ یَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ","ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ عَامࣱ فِیهِ یُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ","وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِی قَطَّعۡنَ أَیۡدِیَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّی بِكَیۡدِهِنَّ عَلِیمࣱ"],"ayah":"ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ عَامࣱ فِیهِ یُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق