الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ الآية. قال المفسرون [[الطبري 12/ 83، الثعلبي 7/ 51 أ، "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 67، البغوي 4/ 191، "زاد المسير" 4/ 137.]]: لما أضافهم لوط مضت امرأته عجوز السوء، فقالت لقومه: إنه استضاف لوطًا قوم لم أر أحسن وجوهًا ولا أنظف ثيابًا ولا أطيب رائحة منهم، فجاءه قومه ليراودوه عن ضيفه؛ فذلك قوله: ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾. قال عامة المفسرين وأهل المعاني: يهرعون: يسرعون، قال الكسائي [["تهذيب اللغة" (هرع) 4/ 3751، القرطبي 9/ 74، "اللسان" (هرع) 8/ 4653.]] وأبو زيد [["تهذيب اللغة" (هرع) 4/ 3751.]]: أهرع الرجل إهراعًا إذا أسرع في رعدة [[في النسخ (عدوه) وفي (ب) ما أثبته وهو الصحيح. انظر: "زاد المسير" 4/ 137.]]. قال أهل اللغة: وهذا من الفعل الذي خرج الاسم معه مقدرًا تقدير المفعول [[في (ي): (الفعل).]]، وهو صاحب الفعل [لا يُعرف له فاعلٌ غيره، نحو: أولع فلان بالأمر؛ جعلوه مفعولًا وهو صاحب الفعل]، ومثله: أرعد زيد وزُهي عمرو، من الزهو، ونُخي بكر من النخوة، وذكر أبو عبيد [["تهذيب اللغة" (هرع) 4/ 3751، "اللسان" (هرع) 8/ 4653 - 4654.]]: المهرع: الحريص في باب ما جاء في لفظ مفعول بمعنى فاعل، وحكى أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 137.]] عن بعض النحويين قال: لا يجوز للفعل أن يجعل فاعله مفعولًا، وهذه الأفعال حذف فاعلوها، فتأويل أرعد الرجل أرعده غضبه، وأولع زيدٌ معناه أولعه طبعه، وزُهي عمرو معناه: جعله ماله أو جهلُه زاهيًا، وكذلك نُخِيَ وأهْرع معناه [أهرعه خوفُه، أو حرصه، ويؤكد هذا ما ذكره أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 294.]] في تفسير قوله: ﴿يُهْرَعُونَ﴾ قال: معناه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]: يستحثون إليه، وأنشد [[بيت من الرجز، وهو بلا نسبة في: "مجاز القرآن" 1/ 294، الطبري 12/ 83 (العلمية)، القرطبي 9/ 75.]]: بمعجلات نحوه مهارع فعلى هذا، الفعل واقع على القوم من المستحثين، ودل عليه ما أنشده؛ لأنه قال: بمعجلات وهن اللاتي [أُعْجِلْنَ أي] [[ساقط من (ب).]] أعجلهن غيرهن، كذلك المهارع اللاتي أهرعهن غيرهن، ويدل على هذا قول مهلهل: فجاءوا يُهرعون وهم أسارى ... نقودهم على رغم الأنوف فقوله: يُهرعون، معناه: يساقون ويعجلون، لا أنهم يسرعون من عند أنفسهم؛ لأنه قال: وهم أسارى، أي: يقودهم، فبيَّن أنهم محمولون على ذلك الإسراع لا من عند أنفسهم، غير أن أكثر أهل اللغة على أن أُهْرعَ الرجل بمعنى أسرع على لفظ فعل لم يسم فاعله، ولا يعرفون أَهْرَعَ. وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل مجيئهم إلى لوط ﴿كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾، قال عطاء: يريد الشرك، وقال آخرون [[الطبري 12/ 84 رواه عن ابن جريج، الثعلبي 7/ 51 أ، البغوي 4/ 191، "زاد المسير" 4/ 137.]]: يعني: فعلهم المنكر. وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾. قال أكثر المفسرين [[الثعلبي 7/ 51 ب، البغوي 4/ 191، "زاد المسير" 4/ 137، القرطبي 9/ 76.]]: يعني: بنتيه زيتا [[في الطبري 12/ 84 "رثيا" و"زغرتا"، وفي الثعلبي 7/ 51 ب (زعورا) و (ريثا).]] وزعورا، وعلى هذا سمي الاثنان بالجمع كقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: 11]. وقوله: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: 78]، يعني: حكم داود وسليمان، ومن المفسرين من ذهب إلى أنه كان له أكثر من بنتين، وعلى هذا سهل الأمر. وقوله تعالى: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾. قال المفسرون: أراد: أنا أزوجكموهن فهن أطهر لكم من نكاح الرجال، قال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 51 ب، القرطبي 7/ 51 أ.]] وغيره: كان رؤساء من قومه خطبوا إليه فلم يزوجهم قبل ذلك فلما راودوه عن ضيفه أراد أن يقي أضيافه ببناته فعرضهن عليهم شريطة الإسلام قبل عقد النكاح. وقال الحسن [[" زاد المسير" 4/ 138، الثعلبي 7/ 51 أ.]]: كان يجوز في شريعة لوط تزويج المسلمة من الكافر، وكذلك كان في صدر الإسلام؛ فقد زوج النبي ﷺ ابنتيه من عتبة ابن أبي لهب [[هو: عتة بن أبي لهب بن عبد المطلب القرشي ابن عم النبي ﷺ، أسلم في الفتح وشهد حنينًا. انظر: "الإصابة" 2/ 455، "الاستيعاب" 3/ 149.]]، وأبي العاص بن الربيع [[هو: أبو العاص بن الربيع بن عبد العز بن العبسي، زوج بنت النبي ﷺ زينب، أسلم بعد الهجرة، توفي سنة 12هـ على خلاف في ذلك. انظر: "الإصابة" 4/ 121، "سير أعلام النبلاء" 1/ 330.]]. وقال مجاهد [[الطبري 12/ 84، الثعلبي 7/ 51 أ، البغوي 4/ 191 "زاد المسير" 4/ 138، القرطبي 9/ 76.]]: لم يكنَّ بناته كُنَّ من أمته، وكل نبي أبو أمته. وقال سعيد بن جبير [[الطبري 12/ 84، الثعلبي 7/ 51 أ، البغوي 4/ 192، "زاد المسير" 4/ 138، القرطبي 9/ 76.]]: دعاهم إلى نسائهم؛ يعني: أن قوله: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ أي: نساؤكم، فجعلهن بناته؛ لأنه نبيهم، وكل نبي أبو أمته؛ كما روي في بعض القراءة: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) [الأحزاب: 6] [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 23.]]. وروي عن الحسن وعيسى بن عمر [[الطبري 12/ 85، الثعلبي 7/ 51 ب، القرطبي 9/ 76.]] أنهما قرأ: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ بالنصب على الحال كما ذكرنا في قوله: ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: 72] إلا [[ساقط من (ب).]] أن أكثر النحويين [[كالخليل وسيبويه والأخفش، انظر: "القرطبي" 9/ 76، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 102، "البحر المحيط" 5/ 247، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 412، "الطبري" 12/ 85.]] على أن هذا خطأ؛ لامتناع أن يجوز كون ﴿هُنَّ﴾ هاهنا عمادًا، وأجاز الكسائي [["إعراب القرآن" للنحاس 2/ 104.]] ذلك وقال: من نصب جعلهن عمادًا كما يقال كان الهندات هن أفضل من غيرهن. قال الفراء [[لم أجده في مظانه.]]: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ﴾ بالنصب خطأ؛ لأن هذا وهؤلاء في باب التقريب لا يدخل معه العماد، فلا يقال (هذا عبد الله هو أفضلَ منك)؛ لأن هذا اسم [[في (ي): (الاسم).]] جامد لا يتصرف تصرف (كان)، وزاد ابن الأنباري بيانًا، فقال: هذا الأولى به والغالب عليه؛ أن يكون اسمًا للمشار إليه غير مقرب خبرًا، فلما نقل إلى التقريب ونصب الخبر معه نحو: ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: 72] منع العماد ولم يجر مجرى (كان) في هذا الباب، كما لم يجر مجراها في توسيط الخبر وتقديمه، لا يجوز (هذا قائمًا زيد) ولا (قائمًا هذا زيد) كما يجوز في (كان)، ولو قيل: (هؤلاء بناتي أطهرَ لَكُم) بالنصب جاز من غير عماد، وجميع البصريين ينكرون هذه القراءة ولا يجيزونها، وذكر الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 67.]] ذلك على قريب مما ذكرنا. وقال سيبويه [[انظر: "الكتاب" 2/ 397، "البحر المحيط" 5/ 247، "الدر المصون" 4/ 117 - 118، "إملاء ما منَّ به الرحمن" 2/ 43.]]: ولكن الفصل يدخل على الأخبار ولا يدخل على الحال، لا يجوز: (قام زيد هو مسرعًا). وليس الشرط أن أذكر قراءة غير مشهورة، إلا أن النصب في ﴿أطهرَ﴾ هاهنا اشتهر ذكره، فأردت أن أذكر ما قيل فيه. والألف في قوله: ﴿أطهر﴾ ليس لتفضيل [[هذا النص منقول عن الثعلبي 7/ 51 ب.]] نكاح البنات على نكاح الرجال في الطهارة [[ساقط من (ي).]]؛ لأنه لا طهارة في نكاح الرجال البتة، ولكن هذا كقولنا: الله أكبر ولم يكابر الله أحد، وكقول النبي ﷺ لعمر لما قال أبو سفيان يوم أحد: اعلُ [[في (ب): (أعلى).]] هبل، قال: الله أعلى وأجل [[أخرجه البخاري (4043) في المغازي، باب غزوة أحد: لما انكشف المسلمون، وظن المشركون أن النبي ﷺ قتل وفيه نداء أبي سفيان وإجابة عمر له، فقال أبو سفيان: اعل هبل. فقال ﷺ: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: فذكره، وأحمد 1/ 463، 4/ 293.]]، ولا مقارنة بين الله وبين الصنم، ولهذا نظائر كثيرة. قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾، قال الكلبي عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 138.]]: لا تفضحون في أضيافي [[ساقط من (ي).]]، يريد: أنهم إذا هجموا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة، وقال بعض المفسرين [[الثعلبي 7/ 51 ب، البغوي 4/ 192.]]: ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ أراد لا تسوؤون [[في (ب): (تشوروني).]] فيهم. قال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 138.]]: ومعنى هذا لا تفعلوا بأضيافي فعلا يلزمني الاستحياء منه؛ لأن مُضَيِّف الضيف يلزم الاستحياء من كل فعل قبيح يوصل إلى ضيفه، فتخزوني من باب الاستحياء؛ من قولهم: خزي الرجل خزاية إذا استحيا، والضيف هاهنا نائب عن الأضياف، كما ناب الطفل عن الأطفال في قوله: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ [النور: 31]، ويجوز أن يكون الضيف مصدرًا مستغنى عن جمعه؛ كقولهم: رجال صوم، وسنذكر اشتقاق الضيف وفعله عند قوله: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾ [الكهف: 77] إن شاء الله. وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾، قال الكلبي [["تنوير المقباس" ص 143.]] وابن إسحاق [[الطبري 12/ 86، البغوي 4/ 192، وقد روى هذا القول عن ابن عباس وأبي مالك كما في "الدر" 4/ 458، "زاد المسير" 4/ 139.]]: [يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو معنى قول ابن عباس [[الثعلبي 7/ 51 ب، البغوي 4/ 192.]]: رجل رشيد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]: يقول الحق ويرد هؤلاء عن أضيافي، وعلى هذا: (رشيد) بمعنى (مرشد)، قال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 139.]]: ويجوز أن يكون (رشيد) بمعنى (مرشد) أي: أليس فيكم رجل مرشد قد أسعده [[في (ب): (أستعده).]] الله بما منحه من الرشاد يصرفكم عن هذه الخزية؟ فيكون ﴿رَشِيدٌ﴾ هاهنا كالحكيم، في قوله: ﴿الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس: 1] بمعنى المحكم، والقول الأول عليه أهل التفسير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب