الباحث القرآني

(p-٢٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ ومِن قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكم فاتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِي في ضَيْفِي ألَيْسَ مِنكم رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ ﴿قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وإنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ﴾ ﴿قالَ لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ . وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ لَمّا دَخَلَتِ المَلائِكَةُ دارَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، مَضَتِ امْرَأتُهُ عَجُوزُ السُّوءِ، فَقالَتْ لِقَوْمِهِ: دَخَلَ دارَنا قَوْمٌ ما رَأيْتُ أحْسَنَ وُجُوهًا ولا أنْظَفَ ثِيابًا ولا أطْيَبَ رائِحَةً مِنهم، وجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ، أيْ يُسْرِعُونَ، وبَيَّنَ تَعالى أنَّ إسْراعَهم رُبَّما كانَ لِطَلَبِ العَمَلِ الخَبِيثِ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ﴾ نُقِلَ أنَّ القَوْمَ دَخَلُوا دارَ لُوطٍ، وأرادُوا أنْ يَدْخُلُوا البَيْتَ الَّذِي كانَ فِيهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَوَضَعَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَدَهُ عَلى البابِ، فَلَمْ يُطِيقُوا فَتْحَهُ حَتّى كَسَرُوهُ، فَمَسَحَ أعْيُنَهم بِيَدِهِ فَعَمُوا، فَقالُوا: يا لُوطُ قَدْ أدْخَلْتَ عَلَيْنا السَّحَرَةَ وأظْهَرْتَ الفِتْنَةَ. ولِأهْلِ اللُّغَةِ في ﴿يُهْرَعُونَ﴾ قَوْلانِ: القَوْلُ الأوَّلُ: إنَّ هَذا مِن بابِ ما جاءَتْ صِيغَةُ الفاعِلِ فِيهِ عَلى لَفْظِ المَفْعُولِ ولا يُعْرَفُ لَهُ فاعِلٌ، نَحْوُ: أُولِعَ فُلانٌ في الأمْرِ، وأُرْعِدَ زَيْدٌ، وزُهِيَ عَمْرٌو - مِنَ الزَّهْوِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ لا يَجُوزُ وُرُودُ الفاعِلِ عَلى لَفْظِ المَفْعُولِ، وهَذِهِ الأفْعالُ حُذِفَ فاعِلُوها، فَتَأْوِيلُ ”أُولِعَ زَيْدٌ“ أنَّهُ أوْلَعَهُ طَبْعُهُ، و”أُرْعِدَ الرَّجُلُ“ أرْعَدَهُ غَضَبُهُ، و”زُهِيَ عَمْرٌو“ مَعْناهُ جَعَلَهُ مالُهُ زاهِيًا، و”أُهْرِعَ“ مَعْناهُ أهْرَعَهُ خَوْفُهُ أوْ حِرْصُهُ، واخْتَلَفُوا أيْضًا فَقالَ بَعْضُهم: الإهْراعُ هو الإسْراعُ مَعَ الرِّعْدَةِ، وقالَ آخَرُونَ: هو العَدْوُ الشَّدِيدُ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ: قالَ قَتادَةُ: المُرادُ بَناتُهُ لِصُلْبِهِ. وقالَ مُجاهِدٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: المُرادُ نِساءُ أُمَّتِهِ؛ لِأنَّهُنَّ في أنْفُسِهِنَّ بَناتٌ، ولَهُنَّ إضافَةٌ إلَيْهِ بِالمُتابَعَةِ وقَبُولِ الدَّعْوَةِ، قالَ أهْلُ النَّحْوِ: يَكْفِي في حُسْنِ الإضافَةِ أدْنى سَبَبٍ؛ لِأنَّهُ كانَ نَبِيًّا لَهم، فَكانَ كالأبِ لَهم، قالَ تَعالى: ﴿وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ [الأحْزابِ: ٦ ] وهو أبٌ لَهم، وهَذا القَوْلُ عِنْدِي هو المُخْتارُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنَّ إقْدامَ الإنْسانِ عَلى عَرْضِ بَناتِهِ عَلى الأوْباشِ والفُجّارِ أمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ، لا يَلِيقُ بِأهْلِ المُرُوءَةِ، فَكَيْفَ بِأكابِرِ الأنْبِياءِ ؟ الثّانِي: وهو أنَّهُ قالَ: ﴿هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ﴾ فَبَناتُهُ اللَّواتِي مِن صُلْبِهِ لا تَكْفِي لِلْجَمْعِ العَظِيمِ، أمّا نِساءُ أُمَّتِهِ فَفِيهِنَّ كِفايَةٌ لِلْكُلِّ. الثّالِثُ: أنَّهُ صَحَّتِ الرِّوايَةُ أنَّهُ كانَ لَهُ بِنْتانِ، وهُما: زَنْتا، وزَعُورا، وإطْلاقُ لَفْظِ البَناتِ عَلى البِنْتَيْنِ لا يَجُوزُ؛ لِما ثَبَتَ أنَّ أقَلَّ الجَمَعِ ثَلاثَةٌ، فَأمّا القائِلُونَ بِالقَوْلِ الأوَّلِ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ما دَعا القَوْمَ إلى الزِّنا بِالنُّسْوانِ، بَلِ المُرادُ أنَّهُ دَعاهم إلى التَّزَوُّجِ بِهِنَّ، وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ دَعاهم إلى التَّزَوُّجِ بِهِنَّ بِشَرْطِ أنْ يُقَدِّمُوا الإيمانَ. والثّانِي: أنَّهُ كانَ يَجُوزُ تَزْوِيجُ المُؤْمِنَةِ مِنَ الكافِرِ في شَرِيعَتِهِ، وهَكَذا كانَ في أوَّلِ الإسْلامِ بِدَلِيلِ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - زَوَّجَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ مِن أبِي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وكانَ مُشْرِكًا، وزَوَّجَ ابْنَتَهُ مِن عُتْبَةَ بْنِ أبِي لَهَبٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٢١ ]، وبِقَوْلِهِ: ﴿ولا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا﴾ [البَقَرَةِ: ٢٢١ ]، واخْتَلَفُوا أيْضًا، فَقالَ الأكْثَرُونَ: كانَ لَهُ بِنْتانِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ ذَكَرَ الِاثْنَتَيْنِ بِلَفْظِ الجَمِيعِ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ﴾ [النِّساءِ: ١١ ]، ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ [التَّحْرِيمِ: ٤ ] وقِيلَ: إنَّهُنَّ كُنَّ أكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ: (p-٢٨)المَسْألَةُ الأُولى: ظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ﴾ يَقْتَضِي كَوْنَ العَمَلِ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ طاهِرًا، ومَعْلُومٌ أنَّهُ فاسِدٌ؛ ولِأنَّهُ لا طَهارَةَ في نِكاحِ الرَّجُلِ، بَلْ هَذا جارٍ مَجْرى قَوْلِنا: اللَّهُ أكْبَرُ، والمُرادُ أنَّهُ كَبِيرٌ؛ ولِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ [الصّافّاتِ: ٦٢ ] ولا خَيْرَ فِيها، ولَمّا قالَ أبُو سُفْيانَ: اعْلُ أُحُدُ أوِ اعْلُ هُبَلُ، قالَ النَّبِيُّ: ”«اللَّهُ أعْلى وأجَلُّ» “، ولا مُقارَبَةَ بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ الصَّنَمِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: رُوِيَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ، والحَسَنِ، وعِيسى بْنِ عُمَرَ، أنَّهم قَرَءُوا ”هُنَّ أطْهَرُ لَكم“ بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ، كَما ذَكَرْنا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهَذا بَعْلِي شَيْخًا﴾، إلّا أنَّ أكْثَرَ النَّحْوِيِّينَ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ خَطَأٌ، قالُوا لَوْ قُرِئَ ﴿هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ﴾ كانَ هَذا نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿وهَذا بَعْلِي شَيْخًا﴾ إلّا أنَّ كَلِمَةَ ”هُنَّ“ قَدْ وقَعَتْ في البَيْنِ، وذَلِكَ يَمْنَعُ مِن جَعْلِ ”أطْهَرُ“ حالًا، وطَوَّلُوا فِيهِ، ثُمَّ قالَ: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِي في ضَيْفِي﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ أبُو عَمْرٍو ونافِعٌ ”ولا تُخْزُونِي“ بِإثْباتِ الياءِ عَلى الأصْلِ، والباقُونَ بِحَذْفِها لِلتَّخْفِيفِ ودَلالَةِ الكَسْرِ عَلَيْهِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في لَفْظِ ”لا تُخْزُونِي“ وجْهانِ: الأوَّلُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: لا تَفْضَحُونِي في أضْيافِي، يُرِيدُ أنَّهم إذا هَجَمُوا عَلى أضْيافِهِ بِالمَكْرُوهِ لَحِقَتْهُ الفَضِيحَةُ. والثّانِي: لا تُخْزُونِي في ضَيْفِي، أيْ لا تُخْجِلُونِي فِيهِمْ؛ لِأنَّ مُضِيفَ الضَّيْفِ يَلْزَمُهُ الخَجالَةُ مِن كُلِّ فِعْلٍ قَبِيحٍ يُوصَلُ إلى الضَّيْفِ، يُقالُ: خَزِيَ الرَّجُلُ إذا اسْتَحْيا. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الضَّيْفُ هَهُنا قائِمٌ مَقامَ الأضْيافِ، كَما قامَ الطِّفْلُ مَقامَ الأطْفالِ. في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ [النُّورِ: ٣١ ] ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّيْفُ مَصْدَرًا، فَيُسْتَغْنى عَنْ جَمْعِهِ، كَما يُقالُ: رِجالٌ صُوَّمٌ، ثُمَّ قالَ: ﴿ألَيْسَ مِنكم رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: ”رَشِيدٌ“ بِمَعْنى مُرْشِدٍ، أيْ يَقُولُ الحَقَّ ويَرُدُّ هَؤُلاءِ الأوْباشَ عَنْ أضْيافِي. والثّانِي: ”رَشِيدٌ“ بِمَعْنى مُرْشَدٌ، والمَعْنى: ألَيْسَ فِيكم رَجُلٌ أرْشَدَهُ اللَّهُ تَعالى إلى الصَّلاحِ، وأسْعَدَهُ بِالسَّدادِ والرَّشادِ، حَتّى يَمْنَعَ عَنْ هَذا العَمَلِ القَبِيحِ، والأوَّلُ أوْلى. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: ما لَنا في بَناتِكَ مِن حاجَةٍ ولا شَهْوَةٍ، والتَّقْدِيرُ أنَّ مَنِ احْتاجَ إلى شَيْءٍ فَكَأنَّهُ حَصَلَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ؛ فَلِهَذا السَّبَبِ جُعِلَ نَفْيُ الحَقِّ كِنايَةً عَنْ نَفْيِ الحاجَةِ. الثّانِي: أنْ نُجْرِيَ اللَّفْظَ عَلى ظاهِرِهِ، فَنَقُولَ: مَعْناهُ أنَّهُنَّ لَسْنَ لَنا بِأزْواجٍ، ولا حَقَّ لَنا فِيهِنَّ ألْبَتَّةَ، ولا يَمِيلُ أيْضًا طَبْعُنا إلَيْهِنَّ، فَكَيْفَ قِيامُهُنَّ مَقامَ العَمَلِ الَّذِي نُرِيدُهُ، وهو إشارَةٌ إلى العَمَلِ الخَبِيثِ. الثّالِثُ: ﴿ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ﴾ لِأنَّكَ دَعَوْتَنا إلى نِكاحِهِنَّ بِشَرْطِ الإيمانِ، ونَحْنُ لا نُجِيبُكَ إلى ذَلِكَ، فَلا يَكُونُ لَنا فِيهِنَّ حَقٌّ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى حَكى عَنْ لُوطٍ أنَّهُ عِنْدَ سَماعِ هَذا الكَلامِ قالَ: ﴿لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾، وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: جَوابُ ”لَوْ“ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، والتَّقْدِيرُ: لَمَنَعْتُكم ولَبالَغْتُ في دَفْعِكم، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ أنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ﴾ [الرَّعْدِ: ٣١ ] وقَوْلُهُ: ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى النّارِ﴾ [الأنْعامِ: ٢٧ ] قالَ الواحِدِيُّ: وحُذِفَ الجَوابُ هَهُنا لِأنَّ الوَهْمَ يَذْهَبُ إلى أنْواعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ المَنعِ والدَّفْعِ. (p-٢٩)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً﴾ أيْ لَوْ أنَّ لِي ما أتَقَوّى بِهِ عَلَيْكم، وتَسْمِيَةُ مُوجِبِ القُوَّةِ بِالقُوَّةِ جائِزٌ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ﴾ [الأنْفالِ: ٦٠ ] والمُرادُ السِّلاحُ، وقالَ آخَرُونَ: القُدْرَةُ عَلى دَفْعِهِمْ، وقَوْلُهُ: ﴿أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ المُرادُ مِنهُ المَوْضِعُ الحَصِينُ المَنِيعُ، تَشْبِيهًا لَهُ بِالرُّكْنِ الشَّدِيدِ مِنَ الجَبَلِ. فَإنْ قِيلَ: ما الوَجْهُ هَهُنا في عَطْفِ الفِعْلِ عَلى الِاسْمِ ؟ قُلْنا: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قُرِئَ ﴿أوْ آوِي﴾ بِالنَّصْبِ بِإضْمارِ ”أنْ“، كَأنَّهُ قِيلَ: لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِيًا. واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ لا بُدَّ مِن حَمْلِ كُلِّ واحِدٍ مِن هَذَيْنِ الكَلامَيْنِ عَلى فائِدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً﴾ كَوْنُهُ بِنَفْسِهِ قادِرًا عَلى الدَّفْعِ، وكَوْنُهُ مُتَمَكِّنًا إمّا بِنَفْسِهِ وإمّا بِمُعاوَنَةِ غَيْرِهِ عَلى قَهْرِهِمْ وتَأْدِيبِهِمْ. والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ هو أنْ لا يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلى الدَّفْعِ، لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلى التَّحَصُّنِ بِحِصْنٍ لِيَأْمَنَ مِن شَرِّهِمْ بِواسِطَتِهِ. الثّالِثُ: أنَّهُ لَمّا شاهَدَ سَفاهَةَ القَوْمِ وإقْدامَهم عَلى سُوءِ الأدَبِ تَمَنّى حُصُولَ قُوَّةٍ قَوِيَّةٍ عَلى الدَّفْعِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلى نَفْسِهِ وقالَ: بَلى الأوْلى أنْ آوِيَ إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ وهو الِاعْتِصامُ بِعِنايَةِ اللَّهِ تَعالى، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ: ﴿أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ كَلامٌ مُنْفَصِلٌ عَمّا قَبْلَهُ، ولا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وبِهَذا الطَّرِيقِ لا يَلْزَمُ عَطْفُ الفِعْلِ عَلى الِاسْمِ؛ ولِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ”«رَحِمَ اللَّهُ أخِي لُوطًا كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» “ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب