الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجاء لوطًا قومه يستحثون إليه، يُرْعَدون مع سرعة المشي، مما بهم من طلب الفاحشة. * * * يقال: "أهْرِعَ الرجل "، من برد أو غضب أو حمَّى، إذا أرعد، "وهو مُهْرَع"، إذا كان مُعْجلا حريصًا، كما قال الراجز: [[لم أعرف قائله.]] * بِمُعْجَلاتٍ نَحْوَهُ مَهَارِع * [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٩٤.]] ومنه قول مهلهل: فجاؤوا يُهْرَعُونَ وهمْ أُسارَى تَقُودُهُمُ على رَغمِ الأُنُوفِ [[اللسان (هرع) ، ولم أعرف سائر الشعر.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٨٣٦١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ﴿يُهْرَعون إليه﴾ ، قال: يهرولون، وهو الإسراع في المشي. ١٨٣٦٢- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٨٣٦٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. ١٨٣٦٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: ﴿وجاءه قومه يهرعون إليه﴾ ، قال: يسعون إليه. ١٨٣٦٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: قال: فأتوه يهرعون إليه، يقول: سراعًا إليه. ١٨٣٦٦- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿يهرعون إليه﴾ ، قال: يسرعون إليه. ١٨٣٦٧- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وجاءه قومه يهرعون إليه﴾ ، يقول: يسرعون المشي إليه. ١٨٣٦٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿وجاءه قومه يهرعون إليه﴾ ، قال: يهرولون في المشي = قال سفيان: ﴿يهرعون إليه﴾ ، يسرعون إليه. ١٨٣٦٩- حدثنا سوار بن عبد الله قال، قال سفيان بن عيينة في قوله: ﴿يهرعون إليه﴾ ، قال: كأنهم يدفعون. ١٨٣٧٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب قال، حدثنا حفص بن حميد، عن شمر بن عطية قال، أقبلوا يسرعون مشيًا بين الهرولة والجمز. ١٨٣٧١- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: ﴿وجاءه قومه يهرعون إليه﴾ ، يقول: مسرعين. * * * وقوله: ﴿ومن قبل كانوا يعملون السيئات﴾ ، يقول: من قبل مجيئهم إلى لوط، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم، كما:- ١٨٣٧٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: ﴿ومن قبل كانوا يعملون السيئات﴾ ، قال: يأتون الرجال. * * * وقوله: ﴿قال يا قوم هؤلاء بناتي﴾ ، يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتي = يعني نساء أمته = فانكحوهن فهنّ أطهر لكم، كما:- ١٨٣٧٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ ، قال: أمرهم لوط بتزويج النساء وقال: ﴿هن أطهر لكم﴾ . ١٨٣٧٤- حدثنا محمد قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: وبلغني هذا أيضًا عن مجاهد. ١٨٣٧٥- حدثنا ابن وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: لم تكن بناته، ولكن كنَّ من أمّته، وكل نبي أبُو أمَّته. ١٨٣٧٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ ، قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، لم يعرضْ عليهم سفاحًا. ١٨٣٧٧- حدثني يعقوب قال، حدثنا أبو بشر، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: ﴿هن أطهر لكم﴾ ، قال: ما عرض عليهم نكاحًا ولا سفاحًا. [[لا يظهر لهذه العبارة معنى، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء ويكون: " ما عرض عليهم بناته نكاحا ولا سفاحا "، ويكون ابن أبي نجيح أراد أنه أمرهم بأن يتزوجوا النساء من قومهم.]] ١٨٣٧٨- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، وأراد نبي الله ﷺ أن يَقي أضيافه ببناته. ١٨٣٧٩- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر عن الربيع، في قوله: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ ، يعني التزويج = حدثني أبو جعفر، عن الربيع في قوله: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ ، يعني التزويج. [[هكذا جاء التكرار في المخطوطة والمطبوعة، وأخشى أن يكون سقط من الإسناد شيء.]] ١٨٣٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا محمد بن شبيب الزهراني، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قول لوط: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر كم﴾ ، يعني: نساءهم، هنّ بَنَاته، هو نبيّهم = وقال في بعض القراءة: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ﴾ ، [سورة الأحزاب: ٦] . [[الأثر: ١٨٣٨٠ - " محمد بن شبيب الزهراني "، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ١١٤، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٢٨٥.]] ١٨٣٨١- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وجاءه قومه يهرعون﴾ ، قالوا: أو لم ننهك أن تضيف العالمين؟ قال: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ ، إن كنتم فاعلين، أليس منكم رجل رشيد؟ ١٨٣٨٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جاءت الرسل لوطًا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرَعون إليه. فيزعمون، والله أعلم، أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم، وقالت: إن عند لوط لضيفانًا ما رأيت أحسنَ ولا أجمل قطُّ منهم! وكانوا يأتون الرجالَ شهوة من دون النساء، فاحشةٌ، لم يسبقهم بها أحد من العالمين. فلما جاؤوه قالوا: أو لم ننهك عن العالمين؟ أي: ألم نقل لك: لا يقربنَّك أحدٌ، فإنا لن نجد عندك أحدًا إلا فعلنا به الفاحشة؟ قال: "يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم"، فأنا أفدي ضيفي منكم بهنّ، ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح. ١٨٣٨٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: ﴿هؤلاء بناتي﴾ ، قال: النساء. * * * واختلفت القراء في قراءة قوله: ﴿هن أطهر لكم﴾ . فقرأته عامة القراء برفع: ﴿أَطْهَرُ﴾ ، على أن جعلوا "هن" اسمًا، "وأطهر" خبره، كأنه قيل: بناتي أطهرُ لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال. * * * وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك: ﴿هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ﴾ ، بنصب "أطهر". [[انظر قراءة عيسى بن عمر، وما قاله له أبو عمرو بن العلاء، في طبقات فحول الشعراء ص: ١٨.]] * * * وكان بعض نحويي البصرة يقول: هذا لا يكون، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: من نصبه جعله نكرةً خارجة من المعرفة، ويكون قوله: "هن" عمادًا للفعل فلا يُعْمِله. * * * وقال آخر منهم: مسموع من العرب: "هذا زيد إيَّاه بعينه"، قال: فقد جعله خبرًا لـ "هذا" مثل قولك: "كان عبد الله إياه بعينه". قال: وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا، لأن التقريب ردُّ كلام، [[انظر تفسير " التقريب " فيما سلف ٧: ١٤٩، تعليق: ٤، وص: ١٥٠، تعليق: ٣، وهو من اصطلاح الكوفيين. وهو أن تكون " هذا " و " هذه "، من أخوات " كان " في احتياجهما إلى اسم مرفوع، وخبر منصوب.]] فلم يجتمعا، لأنه يتناقض، لأنَّ ذلك إخبار عن معهود، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه: "ها أنا ذا حاضر"، أو: "زيد هو العالم"، فتناقض أن يدخل المعهودُ على الحاضر، فلذلك لم يجُزْ. * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك، الرفع: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ ، لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه، مع صحته في العربية، وبعد النصب فيه من الصحة. * * * وقوله: ﴿فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي﴾ ، يقول: فاخشوا الله، أيها الناس، واحذروا عقابه، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها = ﴿ولا تخزون في ضيفي﴾ ، يقول: ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبُوه منهم. [[انظر تفسير " الخزي " فيما سلف من فهارس اللغة (خزي) .]] * * * و"الضيف "، في لفظ واحدٍ في هذا الموضع بمعنى جمع. والعرب تسمي الواحد والجمع "ضيفًا" بلفظ واحدٍ. كما قالوا: "رجل عَدْل، وقوم عَدْل". * * * وقوله: ﴿أليس منكم رجل رشيد﴾ ، يقول: أليس منكم رجل ذو رُشد، ينهى من أراد ركوبَ الفاحشة من ضيفي، فيحول بينهم وبين ذلك؟ [[انظر تفسير " الرشد " فيما سلف ١٣: ١١٤، تعليق: ٥، والمراجع هناك.]] كما:- ١٨٣٨٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد﴾ ، أي رجل يعرف الحقَّ وينهى عن المنكر؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب