الباحث القرآني

(p-٥١٠)﴿تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ في السَّماءِ بُرُوجًا وجَعَلَ فِيها سِراجًا وقَمَرًا مُنِيرًا﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ أوْ أرادَ شُكُورًا﴾ ﴿وعِبادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا وإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] ﴿والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيامًا﴾ [الفرقان: ٦٤] ﴿والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] ﴿إنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ [الفرقان: ٦٦] ﴿والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] ﴿يُضاعَفْ لَهُ العَذابُ يَوْمَ القِيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهانًا﴾ [الفرقان: ٦٩] ﴿إلّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠] ﴿ومَن تابَ وعَمِلَ صالِحًا فَإنَّهُ يَتُوبُ إلى اللَّهِ مَتابًا﴾ [الفرقان: ٧١] ﴿والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] ﴿والَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْيانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] ﴿والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِن أزْواجِنا وذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وسَلامًا﴾ [الفرقان: ٧٥] ﴿خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ [الفرقان: ٧٦] ﴿قُلْ ما يَعْبَأُ بِكم رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] . (p-٥١١)لَمّا جَعَلَتْ قُرَيْشٌ سُؤالَها عَنِ اسْمِهِ الَّذِي هو الرَّحْمَنُ سُؤالًا عَنْ مَجْهُولٍ؛ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُصَرِّحَةً بِصِفاتِهِ الَّتِي تُعَرِّفُ بِهِ وتُوجِبُ الإقْرارَ بِأُلُوهِيَّتِهِ. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما، ووَصَفَ نَفْسَهُ بِالرَّحْمَنِ، وسَألُوا هم فِيهِ عَمّا وضَعَ في السَّماءِ مِنَ النَّيِّراتِ وما صَرَّفَ مِن حالِ اللَّيْلِ والنَّهارِ؛ لَبادَرُوا بِالسُّجُودِ والعِبادَةِ لِلرَّحْمَنِ، ثُمَّ نَبَّهَهم عَلى ما لَهم بِهِ اعْتِناءٌ تامٌّ مِن رَصْدِ الكَواكِبِ وأحْوالِها ووَضْعِ أسْماءٍ لَها. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالبُرُوجِ المَعْرُوفَةُ عِنْدَ العَرَبِ، وهي مَنازِلُ الكَواكِبِ السَّيّارَةِ، وهي: الحَمَلُ، والثَّوْرُ، والجَوْزاءُ، والسَّرَطانُ، والأسَدُ، والسُّنْبُلَةُ، والمِيزانُ، والعَقْرَبُ، والقَوْسُ، والجَدْيُ، والدَّلْوُ، والحُوتُ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشَبَهِها بِما شُبِّهَتْ بِهِ. وسُمِّيَتْ بِالبُرُوجِ الَّتِي هي القُصُورُ العالِيَةُ؛ لِأنَّها لِهَذِهِ الكَواكِبِ كالمَنازِلِ لِسُكّانِها، واشْتِقاقُ البُرْجِ مِنَ التَّبَرُّجِ لِظُهُورِهِ. وقِيلَ: البُرُوجُ هُنا القُصُورُ في الجَنَّةِ. قالَ الأعْمَشُ. وكانَ أصْحابُ عَبْدِ اللَّهِ يَقْرَءُونَها ﴿فِي السَّماءِ﴾ قُصُورًا. وقالَ أبُو صالِحٍ: البُرُوجُ هُنا الكَواكِبُ العِظامُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والقَوْلُ بِأنَّها قُصُورٌ في الجَنَّةِ تَحُطُّ مِن غَرَضِ الآيَةِ في التَّنْبِيهِ عَلى أشْياءَ مُدْرَكاتٍ تَقُومُ بِها الحُجَّةُ عَلى كُلِّ مُنْكِرٍ لِلَّهِ أوْ جاهِلٍ. والضَّمِيرُ في (فِيها) الظّاهِرُ أنَّهُ عائِدٌ عَلى السَّماءِ. وقِيلَ: عَلى البُرُوجِ، فالمَعْنى وجَعَلَ في جُمْلَتِها (سِراجًا) . وقَرَأ الجُمْهُورُ (سِراجًا) عَلى الإفْرادِ وهو الشَّمْسُ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وعَلْقَمَةُ والأعْمَشُ والأخَوانِ (سُرُجًا) بِالجَمْعِ مَضْمُومَ الرّاءِ، وهو يَجْمَعُ الأنْوارَ، فَيَكُونُ خَصَّ القَمَرَ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا. وقَرَأ الأعْمَشُ أيْضًا والنَّخَعِيُّ وابْنُ وثّابٍ كَذَلِكَ بِسُكُونِ الرّاءِ. وقَرَأ الحَسَنُ والأعْمَشُ والنَّخَعِيُّ وعِصْمَةُ عَنْ عاصِمٍ (وقُمْرًا)، بِضَمِّ القافِ وسُكُونِ المِيمِ، فالظّاهِرُ أنَّهُ لُغَةٌ في القَمَرِ كالرُّشْدِ والرَّشَدِ والعُرْبِ والعَرَبِ. وقِيلَ: جَمَعُ قَمْراءَ، أيْ لَيْلَةٌ قَمْراءُ كَأنَّهُ قالَ: وذا قَمَرٍ مُنِيرٍ؛ لِأنَّ اللَّيْلَةَ تَكُونُ قَمْراءَ بِالقَمَرِ، فَأضافَهُ إلَيْها، ونَظِيرُهُ في بَقاءِ حُكْمِ المُضافِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وقِيامِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ قَوْلُ حَسّانَ: ؎بَرَدى يُصَفِّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ يُرِيدُ ماءَ بَرَدى. فَمُنِيرًا وصْفٌ لِذَلِكَ المَحْذُوفِ، كَما قالَ يُصَفِّقُ بِالياءِ مِن تَحْتُ، ولَوْ لَمْ يُراعِ المُضافَ لَقالَ: تُصَفِّقُ بِالتّاءِ، وقالَ (مُنِيرًا)، أيْ: مُضِيئًا، ولَمْ يَجْعَلْهُ (سِراجًا) كالشَّمْسِ؛ لِأنَّهُ لا تَوَقُّدَ لَهُ. وانْتَصَبَ (خِلْفَةً) عَلى الحالِ. فَقِيلَ: هو مَصْدَرُ خَلَفَ خِلْفَةً. وقِيلَ: هو اسْمُ هَيْئَةٍ كالرِّكْبَةِ ووَقَعَ حالًا اسْمُ الهَيْئَةِ في قَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِماءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ، وهي الحالَةُ الَّتِي يَخْلُفُ عَلَيْها اللَّيْلُ والنَّهارُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما الآخَرَ. والمَعْنى جَعَلَهُما ذَوَيْ خِلْفَةٍ، أيْ: ذَوَيْ عُقْبَةٍ يَعْقُبُ هَذا ذاكَ وذاكَ هَذا، ويُقالُ اللَّيْلُ والنَّهارُ يَخْتَلِفانِ كَما يُقالُ يَعْتَقِبانِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [البقرة: ١٦٤]، ويُقالُ: بِفُلانٍ خِلْفَةٌ واخْتِلافٌ إذا اخْتَلَفَ كَثِيرًا إلى مُتَبَرَّزِهِ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ زُهَيْرٍ: ؎بِها العِيسُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً (وقَوْلُ الآخَرِ) يَصِفُ امْرَأةً تَنْتَقِلُ مِن مَنزِلٍ في الشِّتاءِ إلى مَنزِلٍ في الصَّيْفِ دَأبًا: ؎ولَها بِالماطِرُونَ إذا ∗∗∗ أكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعا ؎خِلْفَةٌ حَتّى إذا ارْتَفَعَتْ ∗∗∗ سَكَنَتْ مِن جِلِّقٍ بِيَعا ؎فِي بُيُوتٍ وسْطَ دَسْكَرَةٍ ∗∗∗ حَوْلَها الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعا وقِيلَ: (خِلْفَةً) في الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ. وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ والكِسائِيُّ: هَذا أسْوَدُ وهَذا أبْيَضُ، وهَذا طَوِيلٌ وهَذا قَصِيرٌ. ﴿لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ﴾ . قالَ عُمَرُ وابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ: مَعْناهُ ﴿لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ﴾ ما فاتَهُ مِنَ الخَيْرِ والصَّلاةِ ونَحْوِهِ في أحَدِهِما فَيَسْتَدْرِكَهُ في الَّذِي يَلِيهِ. وقالَ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ: أيْ يَعْتَبِرَ (p-٥١٢)بِالمَصْنُوعاتِ ويَشْكُرَ اللَّهَ تَعالى عَلى نِعَمِهِ عَلَيْهِ في العَقْلِ والفِكْرِ والفَهْمِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: يَتَذَكَّرُ، والمَعْنى لِيَنْظُرَ في اخْتِلافِهِما النّاظِرُ فَيَعْلَمَ أنْ لا بُدَّ لِانْتِقالِهِما مِن حالٍ إلى حالٍ، وتَغَيُّرِهِما مِن ناقِلٍ ومُغَيِّرٍ، ويَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلى عِظَمِ قُدْرَتِهِ ويَشْكُرَ الشّاكِرُ عَلى النِّعْمَةِ مِنَ السُّكُونِ بِاللَّيْلِ والتَّصَرُّفِ بِالنَّهارِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ومِن رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ولِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣]، ولِيَكُونا وقْتَيْنِ لِلْمُتَذَكِّرِ والشّاكِرِ مَن فاتَهُ في أحَدِهِما وِرْدُهُ مِنَ العِبادَةِ أتى بِهِ في الآخَرِ. وقَرَأ النَّخَعِيُّ وابْنُ وثّابٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وطَلْحَةُ وحَمْزَةُ (تَذْكُرَ) مُضارِعُ ذَكَرَ خَفِيفًا. ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الكُفّارِ وذَمُّهم جاءَ ﴿لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ أوْ أرادَ شُكُورًا﴾ ذَكَرَ أحْوالَ المُؤْمِنِينَ المُتَذَكِّرِينَ الشّاكِرِينَ، فَقالَ: ﴿وعِبادُ الرَّحْمَنِ﴾ [الفرقان: ٦٣]، وهَذِهِ إضافَةُ تَشْرِيفٍ وتَفَضُّلٍ، وهو جَمْعُ عَبْدٍ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: جَمْعُ عابِدٍ كَصاحِبٍ وصِحابٍ، وتاجِرٍ وتِجارٍ، وراجِلٍ ورِجالٍ، أيِ: الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ حَقَّ عِبادَتِهِ. والظّاهِرُ أنَّ (وعِبادُ) مُبْتَدَأٌ و﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ﴾ [الفرقان: ٦٣] الخَبَرُ. وقِيلَ: أُولَئِكَ الخَبَرُ و(الَّذِينَ) صِفَةٌ، وقَوْمٌ مِن عَبْدِ القَيْسِ يُسَمَّوْنَ العِبادَ؛ لِأنَّ كِسْرى مَلَكَهم دُونَ العَرَبِ. وقِيلَ: لِأنَّهم تَألَّهُوا مَعَ نَصارى الحِيرَةِ فَصارُوا عِبادَ اللَّهِ. وقَرَأ اليَمانِيُّ: (وعُبّادُ) جَمْعَ عابِدٍ كَضارِبٍ وضُرّابٍ. وقَرَأ الحَسَنُ: (وعُبُدُ) بِضَمِّ العَيْنِ والباءِ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ واليَمانِيُّ (يُمَشَّوْنَ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُشَدَّدًا. والهَوْنُ: الرِّفْقُ واللِّينُ. وانْتَصَبَ (هَوْنًا) عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: مَشْيًا هَوْنًا أوْ عَلى الحالِ، أيْ: يَمْشُونَ هَيِّنِينَ في تُؤَدَةٍ وسَكِينَةٍ وحُسْنِ سَمْتٍ، لا يَضْرِبُونَ بِأقْدامِهِمْ ولا يَخْفُقُونَ بِنِعالِهِمْ أشَرًا وبَطَرًا، ولِذَلِكَ كَرِهَ بَعْضُ العُلَماءِ الرُّكُوبَ في الأسْواقِ. وقالَ مُجاهِدٌ: بِالحِلْمِ والوَقارِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِالطّاعَةِ والعَفافِ والتَّواضُعِ. وقالَ الحَسَنُ: حُلَماءُ إنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (هَوْنًا) عِبارَةٌ عَنْ عَيْشِهِمْ ومُدَّةِ حَياتِهِمْ وتَصَرُّفاتِهِمْ، فَذَكَرَ مِن ذَلِكَ المُعْظَمَ لا سِيَّما وفي الِانْتِقالِ في الأرْضِ هي مُعاشَرَةُ النّاسِ وخِلْطَتُهم، ثُمَّ قالَ: (هَوْنًا) بِمَعْنى أمْرِهِ كُلِّهِ هَوْنٌ أيْ لَيْسَ بِخَشِنٍ، وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلى أنَّ (هَوْنًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: ﴿يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ﴾ [الفرقان: ٦٣]، أيْ: أنَّ المَشْيَ هو الهَوْنُ، ويُشْبِهُ أنْ يَتَأوَّلَ هَذا عَلى أنْ يَكُونَ أخْلاقُ ذَلِكَ الماشِي (هَوْنًا) مُناسِبَةً لِمَشْيِهِ فَيَرْجِعَ القَوْلُ إلى نَحْوِ ما بَيَّنّا، وأمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ صِفَةَ المَشْيِ وحْدَهُ فَباطِلٌ؛ لِأنَّ رُبَّ ماشٍ (هَوْنًا) رُوَيْدًا، وهو ذَنَبُ أطْلَسَ. وقَدْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَكَفَّأُ في مَشْيِهِ كَأنَّما يَمْشِي في صَبَبٍ. وهو - عَلَيْهِ السَّلامُ - الصَّدْرُ في هَذِهِ الآيَةِ، وقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ”مَن مَشى مِنكم في طَمَعٍ فَلْيَمْشِ رُوَيْدًا“ . أرادَ في عَقْدِ نَفْسِهِ ولَمْ يُرِدِ المَشْيَ وحْدَهُ؛ ألا تَرى أنَّ المُبْطِلِينَ المُنْحَلِّينَ بِالدِّينِ تَمَسَّكُوا بِصُورَةِ المَشْيِ فَقَطْ حَتّى قالَ فِيهِمُ الشّاعِرُ: ؎كُلُّهم يَمْشِي رُوَيْدا ∗∗∗ كُلُّهم يَطْلُبُ صَيْدا وقالَ الزُّهْرِيُّ: سُرْعَةُ المَشْيِ تَذْهَبُ بِبَهاءِ الوَجْهِ، يُرِيدُ الإسْراعَ الخَفِيفَ؛ لِأنَّهُ يُخِلُّ بِالوَقارِ، والخَيْرُ في التَّوَسُّطِ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: إنَّهُ رَأى في النَّوْمِ مَن فَسَّرَ لَهُ ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] بِأنَّهُمُ الَّذِينَ لا يُرِيدُونَ أنْ يُفْسِدُوا في الأرْضِ. وقالَ عِياضُ بْنُ مُوسى: كانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَرْفَعُ في مَشْيِهِ رِجْلَيْهِ بِسُرْعَةٍ، وعَدْوُ خَطْوِهِ خِلافُ مِشْيَةِ المُخْتالِ، ويُقْصَدُ سَمْتُهُ وكُلُّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ وتَثَبُّتٍ دُونَ عَجَلَةٍ، كَما قالَ: ”إنَّما يَنْحَطُّ مِن صَبَبٍ“ . وكانَ عُمَرُ يُسْرِعُ جِبِلَّةً لا تَكَلُّفًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب