الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُمَجِّدًا نَفْسَهُ، وَمُعَظِّمًا عَلَى جَمِيلِ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ مِنَ الْبُرُوجِ -وَهِيَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ -فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبير، وَأَبِي صَالِحٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. وَقِيلَ: هِيَ قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ لِلْحَرَسِ، يُرْوَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مِهْران الْأَعْمَشِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَيْضًا، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ هِيَ قُصُورٌ لِلْحَرَسِ، فَيَجْتَمِعُ الْقَوْلَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الْمُلْكِ: ٥] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ وَهِيَ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ، الَّتِي هِيَ كَالسِّرَاجِ فِي الْوُجُودِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ [النَّبَأِ: ١٣] . ﴿وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ أَيْ: مُضِيئًا مُشْرِقًا بِنُورٍ آخَرَ وَنَوْعٍ وَفَنٍّ آخَرَ، غَيْرِ نُورِ الشَّمْسِ، كَمَا قَالَ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ [يُونُسَ: ٥] ، وَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ [نوح: ١٥ -١٦] . ثُمَّ قَالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ أَيْ: يَخْلُفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ. إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ ذَاكَ [[في أ: "هذا".]] ، كَمَا قَالَ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٣] ، وَقَالَ ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] وَقَالَ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [[في أ: "نشورا" وهو خطأ.]] أَيْ: جَعَلَهُمَا يَتَعَاقَبَانِ، تَوْقِيتًا لِعِبَادَةِ عِبَادِهِ لَهُ، فَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي اللَّيْلِ اسْتَدْرَكَهُ فِي النَّهَارِ، وَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي النَّهَارِ اسْتَدْرَكَهُ فِي اللَّيْلِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٧٥٩) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.]] . قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو حُرّة [[في أ: "أبو حمزة".]] عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَطَالَ صَلَاةَ الضُّحَى، فَقِيلَ لَهُ: صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ وِرْدِي شَيْءٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهُ -أَوْ قَالَ: أَقْضِيهِ -وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا] ﴾ [[زيادة من ف، أ.]] [[وهذا منقطع، فالحسن لم يسمع من عمر.]] . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [[زيادة من ف، أ.]] ] يَقُولُ: مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَعْمَلَهُ، أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ مِنَ النَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَالْحَسَنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: ﴿خِلْفَة﴾ أَيْ: مُخْتَلِفَيْنِ، هَذَا بِسَوَادِهِ، وَهَذَا بِضِيَائِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب