الباحث القرآني

﴿ولَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ عَنْ مُتابَعَةِ أهْلِ الكِتابِ لَهُ. أعْلَمَهُ أوَّلًا أنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ، وهم يَكْتُمُونَهُ، ولا يُرَتِّبُونَ عَلى العِلْمِ بِهِ مُقْتَضاهُ. ثُمَّ سَلّاهُ عَنْ قَبُولِهِمُ الحَقَّ، بِأنَّهم قَدِ انْتَهَوْا في العِنادِ وإظْهارِ المُعاداةِ إلى رُتْبَةٍ، لَوْ جِئْتَهم فِيها بِجَمِيعِ المُعْجِزاتِ الَّتِي كُلُّ مُعْجِزَةٍ مِنها تَقْتَضِي قَبُولَ الحَقِّ، ما تَبِعُوكَ ولا سَلَكُوا طَرِيقَكَ. وإذا كانُوا لا يَتَّبِعُونَكَ مَعَ مَجِيئِكَ لَهم بِجَمِيعِ المُعْجِزاتِ، فَأحْرى أنْ لا يُتْبِعُوكَ إذا جِئْتَهم بِمُعْجِزَةٍ واحِدَةٍ. والمَعْنى: بِكُلِّ آيَةٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ تَوَجُّهَكَ إلى الكَعْبَةِ هو الحَقُّ. واللّامُ في: ”ولَئِنْ“، هي الَّتِي تُؤْذِنُ بِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ مُتَقَدِّمٍ. فَقَدِ اجْتَمَعَ القَسَمُ المُتَقَدِّمُ المَحْذُوفُ، والشَّرْطُ مُتَأخِّرٌ عَنْهُ، فالجَوابُ لِلْقَسَمِ وهو قَوْلُهُ: ﴿ما تَبِعُوا﴾، ولِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْهُ الفاءُ. وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ جَوابِ القَسَمِ عَلَيْهِ، وهو مَنفِيٌّ بِما ماضِي الفِعْلِ مُسْتَقْبَلِ. المَعْنى: أيْ ما يَتَّبِعُونَ قِبْلَتَكَ؛ لِأنَّ الشَّرْطَ قُيِّدَ في الجُمْلَةِ، والشَّرْطَ مُسْتَقْبَلٌ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مَضْمُونَ الجُمْلَةِ مُسْتَقْبَلًا، ضَرُورَةً لِأنَّ المُسْتَقْبَلَ لا يَكُونُ شَرْطًا في الماضِي. ونَظِيرُ هَذا التَّرْكِيبِ في المُثْبَتِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَئِنْ أرْسَلْنا رِيحًا فَرَأوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ [الروم: ٥١]، التَّقْدِيرُ: لَيَظَلَّنَّ أوْقَعَ الماضِي المَقْرُونَ بِاللّامِ جَوابًا لِلْقِسْمِ المَحْذُوفِ، ولِذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ اللّامُ مَوْقِعَ المُسْتَقْبَلِ، فَهو ماضٍ مِن حَيْثُ اللَّفْظُ، (p-٤٣١)مُسْتَقْبَلٌ مِن حَيْثُ المَعْنى؛ لِأنَّ الشَّرْطَ قُيِّدَ فِيهِ، كَما ذَكَرْنا. وجَوابُ الشَّرْطِ في الآيَتَيْنِ مَحْذُوفٌ، سَدَّ مَسَدَّهُ جَوابُ القِسْمِ، ولِذَلِكَ أتى فِعْلُ الشَّرْطِ ماضِيًا في اللَّفْظِ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ الجَوابُ مَحْذُوفًا، وجَبَ مُضِيُّ فِعْلِ الشَّرْطِ لَفْظًا، إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، فَقَدْ يَأْتِي مُضارِعًا. وذَهَبَ الفَرّاءُ إلى أنَّ إنْ هُنا بِمَعْنى لَوْ، ولِذَلِكَ كانَتْ ما في الجَوابِ، فَجَعَلَ ما تَبِعُوا جَوابًا لِإنْ؛ لِأنَّ إنْ بِمَعْنى لَوْ، فَكَما أنَّ لَوْ تُجابُ بِما، كَذَلِكَ أُجِيبَتْ ”إنْ“ الَّتِي بِمَعْنى لَوْ، وإنْ كانَ إنْ إذا لَمْ يَكُنْ بِمَعْنى لَوْ، لَمْ يَكُنْ جَوابُها مُصَّدَرًا بِما، بَلْ لا بُدَّ مِنَ الفاءِ. تَقُولُ: إنْ تَزُرْنِي فَما أزُورُكَ، ولا يَجُوزُ: ما أزُورُكَ. وعَلى هَذا يَكُونُ جَوابُ القَسَمِ مَحْذُوفًا لِدَلالَةِ جَوابِ إنْ عَلَيْهِ. وهَذا الَّذِي قالَهُ الفَرّاءُ هو بِناءٌ عَلى مَذْهَبِهِ أنَّ القَسَمَ إذا تَقَدَّمَ عَلى الشَّرْطِ، جازَ أنْ يَكُونَ الجَوابُ لِلشَّرْطِ دُونَ القَسَمِ. ولَيْسَ هَذا مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ، بَلِ الجَوابُ يَكُونُ لِلْقَسَمِ بِشَرْطِهِ المَذْكُورِ في النَّحْوِ. واسْتِعْمالُ إنْ بِمَعْنى لَوْ قَلِيلٌ، فَلا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلى ذَلِكَ، إذا ساغَ إقْرارُها عَلى أصْلِ وضْعِها. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وجاءَ جَوابُ لَئِنْ كَجَوابِ لَوْ، وهي ضِدُّها في أنَّ لَوْ تَطْلُبُ المُضِيَّ والوُقُوعَ، وإنْ تَطْلُبُ الِاسْتِقْبالَ؛ لِأنَّهُما جَمِيعًا يَتَرَتَّبُ قَبْلَهُما القَسَمُ. فالجَوابُ إنَّما هو لِلْقَسَمِ؛ لِأنَّ أحَدَ الحَرْفَيْنِ يَقَعُ مَوْقِعَ الآخَرِ، هَذا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. انْتَهى كَلامُهُ. وهَذا الكَلامُ فِيهِ تَثْبِيجٌ وعَدَمُ نَصٍّ عَلى المُرادِ؛ لِأنَّ أوَّلَهُ يَقْتَضِي أنَّ الجَوابَ لِإنْ، وقَوْلُهُ بَعْدُ: فالجَوابُ إنَّما هو لِلْقَسَمِ، يَدُلُّ عَلى أنَّ الجَوابَ لَيْسَ لَإنْ، والتَّعْلِيلُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: لِأنَّ أحَدَ الحَرْفَيْنِ يَقَعُ مَوْقِعَ الآخَرِ، لا يَصْلُحُ أنْ يُعَلِّلَ بِهِ قَوْلَهُ؛ فالجَوابُ إنَّما هو لِلْقَسَمِ، بَلْ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا، لِأنَّ الجَوابَ لَإنْ، وأُجْرِيَتْ في ذَلِكَ مَجْرى لَوْ. وأمّا قَوْلُهُ: هَذا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، فَلَيْسَ في كِتابِ سِيبَوَيْهِ، إلّا أنَّ: ”ما تَبِعُوا“ جَوابَ القَسَمِ، ووُضِعَ فِيهِ الماضِي مَوْضِعَ المُسْتَقْبَلِ. قالَ سِيبَوَيْهِ: وقالُوا لَئِنْ فَعَلْتَ ما فَعَلَ، يُرِيدُ مَعْنى ما هو فاعِلٌ وما يَفْعَلُ. وقالَ أيْضًا. وقالَ تَعالى: ﴿ولَئِنْ زالَتا إنْ أمْسَكَهُما مِن أحَدٍ مِن بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٤١]: أيْ ما يُمْسِكُهُما. وقالَ بَعْضُ النّاسِ: كُلُّ واحِدَةٍ مِن: لَئِنْ ولَوْ، تَقُومُ مَقامَ الأُخْرى، ويُجابُ بِما يُجابُ بِهِ، ومِنهُ: ﴿ولَئِنْ أرْسَلْنا رِيحًا فَرَأوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا﴾ [الروم: ٥١]؛ لِأنَّ مَعْناهُ: ولَوْ أرْسَلْنا رِيحًا. وكَذَلِكَ لَوْ يُجابُ جَوابُ لَئِنْ، كَقَوْلِكَ: لَوْ أحْسَنْتَ إلَيَّ أُحْسِنُ إلَيْكَ، هَذا قَوْلُ الأخْفَشِ والفَرّاءِ والزَّجّاجُ. وقالَ سِيبَوَيْهِ: لا يُجابُ إحْداهُما بِجَوابِ الأُخْرى؛ لِأنَّ مَعْناهُما مُخْتَلِفٌ، وقَدْرُ الفِعْلِ الماضِي الَّذِي وقَعَ بَعْدَ لَئِنْ بِمَعْنى الِاسْتِقْبالِ، تَقْدِيرُهُ: لا يَتَّبِعُونَ، ولَيَظَلُّنَّ. انْتَهى كَلامُهُ. وتَلَخَّصَ مِن هَذا كُلِّهِ أنْ في قَوْلِهِ: ﴿ما تَبِعُوا﴾ قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّها جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. والثّانِي: أنَّ ذَلِكَ جَوابُ إنْ لِإجْرائِها مَجْرى لَوْ، وهو قَوْلُ الأخْفَشِ والفَرّاءِ والزَّجّاجِ. وظاهِرُ قَوْلِهِ: (أُوتُوا الكِتابَ): العُمُومُ، وقَدْ قالَ بِهِ هُنا قَوْمٌ. وقالَ الأصَمُّ: المُرادُ عُلَماؤُهُمُ المُخْبَرُ عَنْهم في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ أنَّهُمُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ، وفي الآيَةِ المُتَأخِّرَةِ. ويَدُلُّ عَلى خُصُوصِ ذَلِكَ خُصُوصُ ما تَقَدَّمَ، وخُصُوصُ ما تَأخَّرَ، فَكَذَلِكَ المُتَوَسِّطُ والإخْبارُ بِإصْرارِهِمْ، وهو شَأْنُ المُعانِدِ، وأنَّهُ قَدْ آمَنَ بِهِ كَثِيرٌ مِن أهْلِ الكِتابِ وتَبِعُوا قِبْلَتَهُ. واخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ: ﴿ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ . قالَ الحَسَنُ والجُبّائِيُّ: أرادَ جَمِيعَهم، كَأنَّهُ قالَ: لا يَجْتَمِعُونَ عَلى اتِّباعِ قَبْلَتِكَ، عَلى نَحْوِ: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ [الأنعام: ٣٥]، ويَكُونُ إذْ ذاكَ إخْبارًا عَنِ المَجْمُوعِ، مِن حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ، لا حُكْمَ عَلى الأفْرادِ. وقالَ الأصَمُّ: بَلِ المُرادُ أنَّ أحَدًا مِنهم لا يُؤْمِنُ. وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ مِن قَوْلِ الأصَمِّ: أنَّهُ أُرِيدَ بِأهْلِ الكِتابِ الخُصُوصُ، فَكَأنَّهُ قالَ: كُلُّ فَرْدٍ مِن أُولَئِكَ المُخْتَصِّينَ بِالعِنادِ، المُسْتَمِرِّينَ عَلى جُحُودِ الحَقِّ، لا يُؤْمِنُ ولا يَتَّبِعُ قِبْلَتَكَ. وقَدِ احْتَجَّ أبُو مُسْلِمٍ بِهَذِهِ الآيَةِ، عَلى أنَّ عِلْمَ اللَّهِ في عِبادِهِ وفِيما يَفْعَلُونَهُ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَهم فِيما يَرْتَكِبُونَ، وأنَّهم مُسْتَطِيعُونَ لِأنْ يَفْعَلُوا الخَيْرَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، ويَتْرُكُوا ضِدَّهُ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ. قِيلَ: واحْتَجَّ أصْحابُنا بِهِ عَلى القَوْلِ بِتَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ، وهو أنَّهُ أخْبَرَ عَنْهم أنَّهم (p-٤٣٢)لا يَتَّبِعُونَ قِبْلَتَهُ، فَلَوِ اتَّبَعُوا قِبْلَتَهُ، لَزِمَ انْقِلابُ خَبَرِ اللَّهِ الصِّدْقِ كَذِبًا، وعِلْمِهِ جَهْلًا، وهو مُحالٌ، وما اسْتَلْزَمَ المُحالُ فَهو مُحالٌ. وأضافَ تَعالى القِبْلَةَ إلَيْهِ؛ لِأنَّهُ المُتَعَبِّدُ بِها والمُقْتَدى بِهِ في التَّوَجُّهِ إلَيْها. أيْأسَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنَ اتِّباعِهِمْ قِبْلَتَهُ، لِأنَّهم لَمْ يَتْرُكُوا اتِّباعَهُ عَنْ دَلِيلٍ لَهم وضَحَ، ولا عَنْ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ، وإنَّما ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ العِنادِ، ومَن نازَعَ عِنادًا فَلا يُرْجى مِنهُ انْتِزاعٌ. ﴿وما أنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾: هَذِهِ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ. قِيلَ: ومَعْناها النَّهْيُ، أيْ لا تَتَّبِعْ قِبْلَتَهم، ومَعْناها: الدَّوامُ عَلى ما أنْتَ عَلَيْهِ، وإلّا فَهو مَعْصُومٌ عَنِ اتِّباعِ قِبْلَتِهِمْ بَعْدَ وُرُودِ الأمْرِ. وقِيلَ: هي باقِيَةٌ عَلى مَعْنى الخَبَرِ، وهو أنَّهُ بَيَّنَ بِهَذا الإخْبارِ أنَّ هَذِهِ القِبْلَةَ لا تَصِيرُ مَنسُوخَةً، فَجاءَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ رَفَعًا لِتَجْوِيزِ النَّسْخِ، أوْ قَطَعَ بِذَلِكَ رَجاءَ أهْلِ الكِتابِ، فَإنَّهم قالُوا: يا مُحَمَّدُ، عُدْ إلى قِبْلَتِنا، ونُؤْمِنُ بِكَ ونَتَّبِعُكَ، مُخادِعَةً مِنهم، فَأيْأسَهُمُ اللَّهُ مِنَ اتِّباعِهِ قِبْلَتَهم، أوْ بَيَّنَ بِذَلِكَ حُصُولَ عِصْمَتِهِ، أوْ أخْبَرَ بِذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّعَذُّرِ لِاخْتِلافِ قِبْلَتَيْهِمْ، أوْ جاءَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المُقابَلَةِ، أيْ ما هم بِتارِكِي باطِلِهِمْ، وما أنْتَ بِتارِكٌ حَقَّكَ. وأفْرَدَ القِبْلَةَ في قَوْلِهِ: ”قِبْلَتَهم“، وإنْ كانَتْ مُثَنّاةً، إذْ لِلْيَهُودِ قِبْلَةٌ، ولِلنَّصارى قِبْلَةٌ مُغايِرَةٌ لِتِلْكَ القِبْلَةِ، لِأنَّهُما اشْتَرَكَتا في كَوْنِهِما باطِلَتَيْنِ، فَصارَ الِاثْنانِ واحِدًا مِن جِهَةِ البُطْلانِ، وحَسَّنَ ذَلِكَ المُقابَلَةَ في اللَّفْظِ؛ لِأنَّ قَبْلَهُ ﴿ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ . وهَذِهِ الجُمْلَةُ أبْلَغُ في النَّفْيِ مِن حَيْثُ كانَتِ اسْمِيَّةً تَكَرَّرَ فِيها الِاسْمُ مَرَّتَيْنِ، ومِن حَيْثُ أكَّدَ النَّفْيَ بِالباءِ في قَوْلِهِ: (بِتابِعٍ)، وهي مُسْتَأْنَفَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى الكَلامِ قَبْلَها، لا عَلى الجَوابِ وحْدَهُ، إذْ لا يَحِلُّ مَحَلَّهُ؛ لِأنَّ نَفْيَ تَبَعِيَّتِهِمْ لِقِبْلَتِهِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطٍ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ قَيْدًا في نَفْيِ تَبَعِيَّتِهِ قِبْلَتِهِمْ. وقَرَأ بَعْضُ القُرّاءِ: بِتابِعِ قِبْلَتِهِمْ عَلى الإضافَةِ، وكِلاهُما فَصِيحٌ، أعْنِي إعْمالَ اسْمِ الفاعِلِ هُنا وإضافَتَهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ في أيِّهِما أقْيَسُ. ﴿وما بَعْضُهم بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾: الضَّمِيرُ في ”بَعْضُهم“ عائِدٌ عَلى أهْلِ الكِتابِ. والمَعْنى: أنَّ اليَهُودَ لا يَتَّبِعُونَ قِبْلَةَ النَّصارى، ولا النَّصارى تَتَّبِعُ قِبْلَةَ اليَهُودِ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّ اليَهُودَ لا تَتَنَصَّرُ، وإلى أنَّ النَّصارى لا تَتَهَوَّدُ، وذَلِكَ لِما بَيْنَهُما مِن إفْراطِ العَداوَةِ والتَّباغُضِ. وقَدْ رَأيْنا اليَهُودَ والنَّصارى كَثِيرًا ما يَدْخُلُونَ في مِلَّةِ الإسْلامِ، ولَمْ يُشاهَدْ يَهُودِيًّا تَنَصَّرَ، ولا نَصْرانِيًّا تَهَوَّدَ. والمُرادُ بِالبَعْضَيْنِ: مَن هو باقٍ عَلى دِينِهِ مِن أهْلِ الكِتابِ، هَذا قَوْلُ السُّدِّيِّ وابْنِ زَيْدٍ، وهو الظّاهِرُ. وقِيلَ: أحَدُ البَعْضَيْنِ مَن آمَنَ مِن أهْلِ الكِتابِ، والبَعْضُ الثّانِي مَن كانَ عَلى دِينِهِ مِنهم؛ لِأنَّ كُلًّا مِنهُما يُسَفِّهُ حِلْمَ الآخَرِ ويُكَفِّرُهُ، إذْ تَبايَنَتْ طَرِيقَتُهُما. ألا تَرى إلى مَدْحِ اليَهُودِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ قَبْلَ أنْ يَعْلَمُوا بِإسْلامِهِ وبَهْتَهم لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ وتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الجُمَلُ: أنَّ أهْلَ الكِتابِ، وإنِ اتَّفَقُوا عَلى خِلافِكَ، فَهم مُخْتَلِفُونَ في القِبْلَةِ، وقِبْلَةُ اليَهُودِ بَيْتُ المَقْدِسِ، وقِبْلَةُ النَّصارى مَطْلَعُ الشَّمْسِ. ﴿ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهُمْ﴾، اللّامُ أيْضًا مُؤْذِنَةٌ بِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ، ولِذَلِكَ جاءَ الجَوابُ بِقَوْلِهِ: إنَّكَ، وتَعْلِيقُ وُقُوعِ الشَّيْءِ عَلى شَرْطٍ لا يَقْتَضِي إمْكانَ ذَلِكَ الشَّرْطِ. يَقُولُ الرَّجُلُ لِامْرَأتِهِ: إنْ صَعِدْتِ إلى السَّماءِ فَأنْتِ طالِقٌ، ومَعْلُومٌ امْتِناعُ صُعُودِها إلى السَّماءِ. وقالَ تَعالى في المَلائِكَةِ الَّذِينَ أخْبَرَ عَنْهم: أنَّهم ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أمَرَهم ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦]، قالَ: ﴿ومَن يَقُلْ مِنهم إنِّي إلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩]، وإذا اتَّضَحَ ذَلِكَ سَهُلَ ما ورَدَ مِن هَذا النَّوْعِ. وفُهِمَ مِن ذَلِكَ الِاسْتِحالَةُ؛ لِأنَّ المُعَلَّقَ عَلى المُسْتَحِيلِ مُسْتَحِيلٌ. ويَصِيرُ مَعْنى هَذِهِ الجُمْلَةِ، الَّتِي ظاهِرُها الوُقُوعُ عَلى تَقْدِيرِ امْتِناعِ الوُقُوعِ، ويَصِيرُ المَعْنى: لا يُعَدُّ ظالِمًا، ولا تَكُونَهُ، لِأنَّكَ لا تَتَّبِعُ أهْواءَهم، وكَذَلِكَ لا يَحْبَطُ عَمَلُكَ؛ لِأنَّ إشْراكَكَ مُمْتَنِعٌ، وكَذَلِكَ لا يُجْزى أحَدٌ مِنَ المَلائِكَةِ جَهَنَّمَ؛ لِأنَّهُ لا يَدَّعِي أنَّهُ إلَهٌ. وقالُوا: ما خُوطِبَ بِهِ مَن هو مَعْصُومٌ مِمّا لا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ مِنهُ، فَهو مَحْمُولٌ عَلى إرادَةِ أُمَّتِهِ، ومَن يُمْكِنُ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنهُ، وإنَّما جاءَ الخِطابُ لَهُ عَلى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِذَلِكَ الأمْرِ، والتَّفْخِيمِ لِشَأْنِهِ، حَتّى يَحْصُلَ التَّباعُدُ مِنهُ. ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهم: إيّاكَ (p-٤٣٣)أعْنِي: واسْمَعِي يا جارَةُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَوْلُهُ: ﴿ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهُمْ﴾، بَعْدَ الإفْصاحِ عَنْ حَقِيقَةِ حالِهِ المَعْلُومَةِ عِنْدَهُ في قَوْلِهِ: ﴿وما أنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾، كَلامٌ وارِدٌ عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ، والتَّقْدِيرِ بِمَعْنى: ولَئِنِ اتَّبَعْتَهم مَثَلًا بَعْدَ وُضُوحِ البُرْهانِ والإحاطَةِ بِحَقِيقَةِ الأمْرِ، إنَّكَ إذًا لَمِنَ المُرْتَكِبِينَ الظُّلْمَ الفاحِشَ. وفي ذَلِكَ لُطْفٌ لِلسّامِعِينَ، وزِيادَةُ تَحْذِيرٍ، واسْتِفْظاعٌ بِحالِ مَن يَتْرُكُ الدَّلِيلَ بَعْدَ إنارَتِهِ ويَتَّبِعُ الهَوى، وإلْهابٌ لِلثَّباتِ عَلى الحَقِّ. انْتَهى كَلامُهُ. وقالَ في المُنْتَخَبِ: اخْتَلَفُوا في هَذا الخِطابِ. قالَ بَعْضُهم: هو لِلرَّسُولِ، وقالَ بَعْضُهم: هو لِلرَّسُولِ وغَيْرِهِ. وقالَ بَعْضُهم: هو لِغَيْرِ الرَّسُولِ؛ لِأنَّهُ عَلِمَ تَعالى أنَّ الرَّسُولَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَخُصَّهُ بِهَذا الخِطابِ. أهْواءَهم: تَقَدَّمَ أنَّهُ جَمَعَ هَوى، ولا يُجْمَعُ عَلى أهْوِيَةٍ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالِ الهَوى فِيما لا خَيْرَ فِيهِ، وقَدْ يُسْتَعْمَلُ في الخَيْرِ، وأصْلُهُ المَيْلُ والمَحَبَّةُ، وجُمِعَ، وإنْ كانَ أصْلُهُ المَصْدَرَ؛ لِاخْتِلافِ أغْراضِهِمْ ومُتَعَلِّقاتِها وتَبايُنِها. ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ﴾: أيْ مِنَ الدَّلائِلِ والآياتِ الَّتِي تُفِيدُ لَكَ العِلْمَ وتُحَصِّلُهُ، فَأطْلَقَ اسْمَ الأثَرِ عَلى المُؤَثِّرِ. سَمّى تِلْكَ الدَّلائِلَ عِلْمًا، مُبالِغَةً وتَعْظِيمًا وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ العِلْمَ مِن أعْظَمِ المَخْلُوقاتِ شَرَفًا ومَرْتَبَةً. ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ تَوَجُّهَ الوَعِيدِ عَلى العُلَماءِ أشَدُّ مِن تَوَجُّهِهِ عَلى غَيْرِهِمْ. وقَدْ فُسِّرَ العِلْمُ هُنا بِالحَقِّ، يَعْنِي أنَّ ما جاءَهُ مِن تَحْوِيلِ القِبْلَةِ هو الحَقُّ. وقالَ مُقاتِلٌ: العِلْمُ هُنا: البَيانُ، وجاءَ في هَذا المَكانِ: ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَكَ﴾، وقالَ قَبْلَ هَذا: ﴿بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ﴾ [البقرة: ١٢٠]، وجاءَ في الرَّعْدِ: (بَعْدِ ما جاءَكَ)، فاخْتَصَّ مَوْضِعًا بِالَّذِي، ومَوْضِعَيْنِ بِما، وهَذا المَوْضِعُ بِمَن. والَّذِي نَقُولُهُ في هَذا: أنَّهُ مِنَ اتِّساعِ العِبارَةِ وذِكْرِ المُتَرادِفِ؛ لِأنَّ ما والَّذِي مَوْصُولانِ، فَأيًّا مِنهُما ذَكَرْتَ، كانَ فَصِيحًا حَسَنًا. وأمّا المَجِيءُ بِمَن، فَهو دَلالَةٌ عَلى ابْتِداءِ بَعْدِيَّةِ المَجِيءِ، وأمّا قَوْلُهُ: ”بَعْدَ“، فَهو عَلى مَعْنى مِن، والتَّبْعَدِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِها مِن حَيْثُ المَعْنى، وإنْ كانَ إطْلاقُ بَعْدَ لا يَقْتَضِيها. وقالَ بَعْضُهم: في الجَوابِ عَنْ ذَلِكَ دُخُولُ ما مَكانَ الَّذِي؛ لِأنَّ ”الَّذِي“ أخَصُّ، ”وما“ أشَدُّ إبْهامًا، فَحَيْثُ خَصَّ بِالَّذِي أُشِيرُ بِهِ إلى العِلْمِ بِصِحَّةِ الدِّينِ، الَّذِي هو الإسْلامُ، المانِعُ مِن مِلَّتِي اليَهُودِ والنَّصارى، فَكانَ اللَّفْظُ الأخَصُّ الأشْهَرُ أوْلى فِيهِ؛ لِأنَّهُ عِلْمٌ بِكُلِّ أُصُولِ الدِّينِ، وخَصَّ بِلَفْظِ ما، ما أُشِيرَ بِهِ إلى العِلْمِ بِرُكْنٍ مِن أرْكانِ الدِّينِ، أحَدُهُما القِبْلَةُ، والآخَرُ الكِتابُ؛ لِأنَّهُ أشارَ إلى قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الأحْزابِ مَن يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: ٣٦]، قالَ: وأمّا دُخُولُ مِن فَفائِدَتُهُ ظاهِرَةٌ، وهي بَيانُ أوَّلِ الوَقْتِ الَّذِي وجَبَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ أنْ يُخالِفَ أهْلَ الكِتابِ في أمْرِ القِبْلَةِ، أيْ ذَلِكَ الوَقْتُ الَّذِي أمَرَكَ اللَّهُ فِيهِ بِالتَّوَجُّهِ فِيهِ إلى نَحْوِ القِبْلَةِ، إنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهم، كُنْتَ ظالِمًا واضِعًا الباطِلَ في مَوْضِعِ الحَقِّ. انْتَهى كَلامُهُ. ﴿إنَّكَ إذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾: قَدْ ذَكَرْنا أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ هي جَوابُ القَسَمِ المَحْذُوفِ الَّذِي آذَنَتْ بِتَقْدِيرِهِ اللّامُ في لَئِنْ، ودَلَّ عَلى جَوابِ الشَّرْطِ، لا يُقالُ: إنَّهُ يَكُونُ جَوابًا لَهُما، لِامْتِناعِ ذَلِكَ لَفْظًا ومَعْنًى. أمّا المَعْنى، (p-٤٣٤)فَلِأنَّ الِاقْتِضاءَ مُخْتَلِفٌ. فاقْتِضاءُ القَسَمِ عَلى أنَّهُ لا عَمَلَ لَهُ فِيهِ؛ لِأنَّ القَسَمَ إنَّما جِيءَ بِهِ تَوْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ المُقْسَمِ عَلَيْها، وما جاءَ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لا يُناسِبُ أنْ يَكُونَ عامِلًا، واقْتِضاءُ الشَّرْطِ عَلى أنَّهُ عامِلٌ فِيهِ، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ جَزْمِ، وعَمِلَ الشَّرْطُ لِقُوَّةِ طَلَبِهِ لَهُ. وأمّا اللَّفْظُ، فَإنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ إذا كانَتْ جَوابَ قَسَمٍ، لَمْ يَحْتَجْ إلى مَزِيدِ رابِطٍ، وإذا كانَتْ جَوابَ شَرْطٍ، احْتاجَتْ لِمَزِيدِ رابِطٍ، وهو الفاءُ. ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ خالِيَةً مِنَ الفاءِ مَوْجُودَةً فِيها الفاءَ، فَلِذَلِكَ امْتُنِعَ أنْ يُقالَ إنَّ الجُمْلَةَ جَوابٌ لِلْقِسْمِ والشَّرْطِ مَعًا. ودَخَلَتْ إذا بَيْنَ اسْمِ إنَّ وخَبَرِها لِتَقْرِيرِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهُما، وكانَ حَدُّها أنْ تَتَقَدَّمَ أوْ تَتَأخَّرَ. فَلَمْ تَتَقَدَّمْ؛ لِأنَّهُ سَبَقَ قَسَمٌ وشَرْطٌ، والجَوابُ هو لِلْقَسَمِ. فَلَوْ تَقَدَّمَتْ، لَتَوَهَّمَ أنَّها لِتَقْرِيرِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّرْطِ والجَوابِ المَحْذُوفِ، ولَمْ يَتَأخَّرْ، لِئَلّا تَفُوتَ مُناسِبَةُ الفَواصِلِ وآخِرِ الآيِ: فَتَوَسَّطَتْ والنِّيَّةُ بِها التَّأْخِيرُ لِتَقْرِيرِ النِّسْبَةِ. وتَحْرِيرُ مَعْنى إذَنْ صَعْبٌ، وقَدِ اضْطَرَبَ النّاسُ في مَعْناها، وقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلى أنَّ مَعْناها الجَوابُ والجَزاءُ. واخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ في فَهْمِ كَلامِ سِيبَوَيْهِ، وقَدْ أمْعَنّا الكَلامَ في ذَلِكَ في (كِتابِ التَّكْمِيلِ) مِن تَأْلِيفِنا، والَّذِي تَحَصَّلَ فِيها أنَّها لا تَقَعُ ابْتِداءَ كَلامٍ، بَلْ لا بُدَّ أنْ يَسْبِقَها كَلامٌ لَفْظًا أوْ تَقْدِيرًا، وما بَعْدَها في اللَّفْظِ أوِ التَّقْدِيرِ، وإنْ كانَ مُسَبَّبًا عَمّا قَبْلَها، فَهي في ذَلِكَ عَلى وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ تَدُلَّ عَلى إنْشاءِ الِارْتِباطِ والشَّرْطِ، بِحَيْثُ لا يُفْهَمُ الِارْتِباطُ مِن غَيْرِها. مِثالُ ذَلِكَ أزُورُكَ فَتَقُولُ: إذا أزُورُكَ، فَإنَّما تُرِيدُ الآنَ أنْ تَجْعَلَ فِعْلَهُ شَرْطًا لِفِعْلِكَ. وإنْشاءُ السَّبَبِيَّةِ في ثانِي حالٍ مِن ضَرُورَتِهِ أنْ يَكُونَ في الجَوابِ، وبِالفِعْلِيَّةِ في زَمانٍ مُسْتَقْبَلٍ، وفي هَذا الوَجْهِ تَكُونُ عامِلَةً، ولَعَمَلُها مَذْكُورٌ في النَّحْوِ. الوَجْهُ الثّانِي: أنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِجَوابٍ ارْتَبَطَ بِمُتَقَدِّمٍ، أوْ مُنَبِّهَةً عَلى مُسَبَّبٍ مَشْرُوطٍ حَصَلَ في الحالِ، وهي في الحالَيْنِ غَيْرُ عامِلَةٍ؛ لِأنَّ المُؤَكِّداتِ لا يُعْتَمَدُ عَلَيْها، والعامِلُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وذَلِكَ نَحْوُ: إنْ تَأْتِنِي إذَنْ آتِكَ، وواللَّهِ إذَنْ لَأفْعَلَنَّ. فَلَوْ أسْقَطْتَ إذَنْ، لَفُهِمَ الِارْتِباطُ. ولَمّا كانَتْ في هَذا الوَجْهِ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَيْها، جازَ دُخُولُها عَلى الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الصَّرِيحَةِ نَحْوُ: أزُورُكَ فَتَقُولُ: إذَنْ أنا أُكْرِمُكَ، وجازَ تَوَسُّطُها نَحْوُ: أنا إذًا أُكْرِمُكَ، وتَأخُّرُها. وإذا تَقَرَّرَ هَذا، فَجاءَتْ إذًا في الآيَةِ مُؤَكِّدَةً لِلْجَوابِ المُرْتَبِطِ بِما تَقَدَّمَ، وإنَّما قَرَّرَتْ مَعْناها هُنا لِأنَّها كَثِيرَةُ الدَّوْرِ في القُرْآنِ، فَتُحْمَلُ في كُلِّ مَوْضِعٍ عَلى ما يُناسِبُ مِن هَذا الَّذِي قَرَّرْناهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب