الباحث القرآني

﴿وَلَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾: وضَعَ المَوْصُولَ مَوْضِعَ المُضْمَرِ لِلْإيذانِ بِكَمالِ سُوءِ حالِهِمْ مِنَ العِنادِ؛ مَعَ تَحَقُّقِ ما يُرْغِمُهم مِنهُ مِنَ الكِتابِ النّاطِقِ بِحَقِّيَّةِ ما كابَرُوا في قَبُولِهِ؛ ﴿بِكُلِّ آيَةٍ﴾؛ أيْ: حُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ؛ دالَّةٍ عَلى حَقِيقَةِ التَّحْوِيلِ؛ واللّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾: جَوابٌ لِلْقَسَمِ المُضْمَرِ؛ سادٌّ مَسَدَّ جَوابِ الشَّرْطِ؛ والمَعْنى أنَّهم ما تَرَكُوا قِبْلَتَكَ لِشُبْهَةٍ تُزِيلُها الحُجَّةُ؛ وإنَّما خالَفُوكَ مُكابَرَةً؛ وعِنادًا؛ وتَجْرِيدُ الخِطابِ لِلنَّبِيِّ ﷺ؛ بَعْدَ تَعْمِيمِهِ لِلْأُمَّةِ؛ لِما أنَّ المُحاجَّةَ؛ والإتْيانَ بِالآيَةِ؛ مِنَ الوَظائِفِ الخاصَّةِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَما أنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾: جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ؛ لا عَلى جَوابِها؛ مَسُوقَةٌ لِقَطْعِ أطْماعِهِمُ الفارِغَةِ؛ حَيْثُ قالَتِ اليَهُودُ: لَوْ ثَبَتَّ عَلى قِبْلَتِنا لَكُنّا نَرْجُو أنْ تَكُونَ صاحِبَنا الَّذِي نَنْتَظِرُهُ؛ تَغْرِيرًا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ وطَمَعًا في رُجُوعِهِ؛ وإيثارُ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلالَةِ عَلى دَوامِ مَضْمُونِها؛ واسْتِمْرارِهِ؛ وإفْرادُ قَبِلْتِهِمْ مَعَ تَعَدُّدِها؛ بِاعْتِبارِ اتِّحادِها في البُطْلانِ؛ ومُخالَفَةِ الحَقِّ؛ ولِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّ مَدارَ النَّفْيِ هو التَّعَدُّدُ؛ وقُرِئَ: "بِتابِعِ قِبْلَتِهِمْ"؛ عَلى الإضافَةِ؛ ﴿وَما بَعْضُهم بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾؛ فَإنَّ اليَهُودَ تَسْتَقْبِلُ الصَّخْرَةَ؛ والنَّصارى مَطْلِعَ الشَّمْسِ؛ لا يُرْجى تَوافُقُهُمْ؛ كَما لا يُرْجى مُوافَقَتُهم لَكَ؛ لِتَصَلُّبِ كُلِّ فَرِيقٍ فِيما هو فِيهِ؛ ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهُمْ﴾؛ الزّائِغَةَ؛ المُتَخالِفَةَ؛ ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِن العِلْمِ﴾؛ بِبُطْلانِها؛ وحَقِّيَّةِ ما أنْتَ عَلَيْهِ؛ وهَذِهِ الشَّرْطِيَّةُ الفَرَضِيَّةُ وارِدَةٌ عَلى مِنهاجِ التَّهْيِيجِ؛ والإلْهابِ؛ لِلثَّباتِ عَلى الحَقِّ؛ أيْ: ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهم فَرَضًا؛ ﴿إنَّكَ إذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾؛ وفِيهِ لُطْفٌ لِلسّامِعِينَ؛ وتَحْذِيرٌ لَهم عَنْ (p-176)مُتابَعَةِ الهَوى؛ فَإنَّ مَن لَيْسَ مِن شَأْنِهِ ذَلِكَ إذا نُهِيَ عَنْهُ؛ ورُتِّبَ عَلى فَرْضِ وُقُوعِهِ ما رُتِّبَ مِنَ الِانْتِظامِ في سِلْكِ الرّاسِخِينَ في الظُّلْمِ؛ فَما ظَنُّ مَن لَيْسَ كَذَلِكَ؟ و"إذَنْ" حَرْفُ جَوابٍ؛ وجَزاءٍ؛ تَوَسَّطَتْ بَيْنَ اسْمِ "إنَّ"؛ وخَبَرِها؛ لِتَقْرِيرِ ما بَيْنَهُما مِنَ النِّسْبَةِ؛ إذْ كانَ حَقُّها أنْ تَتَقَدَّمَ؛ أوْ تَتَأخَّرَ؛ فَلَمْ تَتَقَدَّمْ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّها لِتَقْرِيرِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّرْطِ؛ وجَوابِهِ المَحْذُوفِ؛ لِأنَّ المَذْكُورَ جَوابُ القَسَمِ؛ ولَمْ تَتَأخَّرْ لِرِعايَةِ الفَواصِلِ؛ ولَقَدْ بُولِغَ في التَّأْكِيدِ مِن وُجُوهٍ؛ تَعْظِيمًا لِلْحَقِّ المَعْلُومِ؛ وتَحْرِيضًا عَلى اقْتِفائِهِ؛ وتَحْذِيرًا عَنْ مُتابَعَةِ الهَوى؛ واسْتِعْظامًا لِصُدُورِ الذَّنْبِ مِنَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب