الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: ٧٥].
في هذه الآيةِ أمَرَ اللهُ بالقتالِ لأَجْلِ المُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ، الذين آمَنُوا بالنبيِّ ﷺ، وعَجَزُوا عن الهجرةِ، وحُبِسُوا عنها، فبقاؤُهم بمكةَ اضطرارٌ لا اختيارٌ، ولذا سمّاهُم اللهُ المُستضعَفِينَ، أيِ: المغلوبَ على قوَّتِه وحريَّتِه واختيارِه، ثمَّ قال في وصْفِهم وبيانِ قَهْرِهم وغَلَبَتِهم: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها﴾، فهم يتربَّصونَ الهجرةَ وحُبِسُوا عنها، فنُصْرةُ المُستضعَفِينَ واجبةٌ، وهي مِن القِتالِ في سبيلِ اللهِ كما سمّاها اللهُ، والجهادُ تتعدَّدُ أسبابُهُ وتتنوَّعُ، وكلُّ قتالٍ كان في إحقاقِ الحقِّ، ودفعِ الظُّلْمِ، وإقامةِ العدلِ الذي أمَرَ اللهُ به، فهو جهادٌ في سبيلِ اللهِ، وكلُّ مجاهِدٍ على نيَّتِهِ وقصدِه، فإنّ اللهَ سمّى الدفعَ عن الأرضِ والأهلِ والذريَّةِ قتالًا في سبيلِه، فقال: ﴿وما لَنا ألاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وقَدْ أُخْرِجْنا مِن دِيارِنا وأَبْنائِنا﴾ [البقرة: ٢٤٦].
وسمّى اللهُ الدفعَ بأنواعِهِ بالقتالِ في سبيلِهِ: ﴿وقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠]، وسمّى القتالَ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ على الكافرينَ قتالًا في سبيلِ اللهِ: ﴿وقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩].
وفي آيةِ البابِ قال مجاهدٌ: «أمَرَ المؤمنينَ أنْ يُقاتِلُوا عن مُستضعَفينَ مؤمنينَ كانوا بمكَّةَ»[[«تفسير الطبري» (٧/٢٢٦)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٧٩١)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٠٢).]].
قال ابنُ عبّاسٍ: «كُنْتُ أنا وأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ، أنا مِنَ الوِلْدانِ، وأُمِّي مِنَ النِّساءِ»، رواهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري (١٣٥٧) (٢/٩٤).]].
ثمَّ نَسَبَ اللهُ الظُّلْمَ لأهلِ مكةَ لا لمكةَ، وكنّى عنها بالقريةِ تعظيمًا لها، وقد سمّاها في مواضعَ بالبلدِ الأمينِ، والحَرَمِ، وبَكَّةَ، وأُمِّ القُرى.
والبُلْدانُ مهما عَظُمَتْ تشريفًا لا تَمنَعُ أصحابَها مِن الظُّلْمِ فيها، والتعظيمُ للبلدِ يكونُ إمّا لِذاتِها، وإمّا لأهلِها، وتعظيمُ البُلْدانِ لأجلِ فضلِ أهلِها وعَمَلِهِم أعظَمُ مِن فضلِ البُلْدانِ لِذاتِها، فمكةُ أفضَلُ مِن المدينةِ في قولِ جمهورِ العلماءِ، ومع ذلك أمَرَ اللهُ بالهجرةِ مِن مكةَ مع فضلِها، بسببِ ظُلمِ أهلِها، إلى المدينةِ وهي مفضولةٌ، بسببِ فضلِ أهلِها وعملِهم.
الهجرةُ وحكمُها:
وفي قولِه: ﴿أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها﴾ وجوبُ الهجرةِ مِن بلدِ الكُفْرِ إلى بلدِ الإسلامِ، وعدمُ جوازِ الإقامةِ في بلدِ الكُفْرِ إلاَّ للطَّرِيدِ الفارِّ بدينِهِ مِن مِثْلِها، كما هاجَرَ أهلُ مكةَ إلى الحبشةِ بدِينِهم وأنفُسِهم، فيجوزُ للمسلِمِ أنْ يَفِرَّ بدِينِهِ ولو إلى بلدِ كفرٍ.
لكنْ لا يجوزُ لمسلم أنْ ينويَ الإقامةَ فيه بلا تربُّصٍ بالرَّجْعَةِ عندَ وجودِ مكانٍ آمِنٍ يُقِيمُ دِينَه في بلدٍ مسلمٍ، فإنّ الخِلْطَةَ بأهلِ البُلْدانِ تُؤَثِّرُ في الفِطَرِ، وتَنْقُلُ الطبائعَ، وتجعَلُ النفوسَ تَقْرِنُ بينَ ما لا يُقرَنُ مِن الطبائعِ والأخلاقِ وبينَ الدِّينِ، فإنِ استحسَنُوا الطبائعَ والعيشَ، استحسَنُوا الدِّينَ، فإن لم يَتأثَّرِ الرَّجُلُ بنفسِهِ، تأثَّرَتْ ذُريَّتُه، فإنْ سَلِمَ الآباءُ، لم يَسْلَمِ الأولادُ، وإنْ سَلِمَ الأولادُ، لم يَسْلَمِ الأحفادُ، وكثيرٌ في بُلْدانِ الغربِ اليومَ في أوروبا وأمريكا وجودُ نَصارى مِن آباءٍ أو أجدادٍ مُسلِمِينَ، رأَوْا أنّهم يَحفَظُونَ دِينَهم، وغاب عنهم ضياعُ دينِ أولادِهم وأحفادِهم.
الهجرةُ إلى بلدِ الكفرِ وحدودُهُ:
والمرادُ بالظُّلْمِ في الآيةِ: الكفرُ والشِّرْكُ، وإذا أُطلِقَ الظُّلْمُ في القرآنِ، فيُرادُ به الكفرُ، ومَن قُهِرَ في نفسِهِ ومالِهِ في بلدٍ مسلمٍ لا يجوزُ له الخروجُ إلى بلدِ الشِّرْكِ والإقامةُ فيه إلاَّ عابرًا متربِّصًا ينتظِرُ الفَرَجَ ورَفْعَ الـظُّـلْـمِ عنه لِيَعُودَ، لا كمَن يُقِيمُ ويتزوَّجُ ويستكثِرُ مِن الذريَّةِ، فلا يجوزُ دفعُ ظُـلْمِ الدُّنيا بإيقاعِ ظُلْمِ الدِّينِ، وهو الكفرُ، وكثيرٌ مِن بُلْدانِ الإسلامِ اليومَ تَسَلَّطَ عليها حُكّامٌ أظْهَرُوا الكفرَ، وقَهَرُوا الناسَ عليه، فكانتْ إقامةُ المُصلِحِينَ فيها كإقامتِهم في بُلْدانِ الكفرِ أو أشَدَّ، فإنْ عَجَزُوا عن الصبرِ، فلهم أنْ يتحوَّلُوا عن بلدِهم إلى بُلْدانِ المُسلِمينَ الأُخرى، فإنْ عَجَزُوا، جازَ لهم الخروجُ إلى بُلْدانِ الكفرِ التي يَظْهَرُ فيها العدلُ لهم، مُتربِّصينَ بلدًا مسلمًا يُظهِرُونَ فيه دِينَهم، كما خرَجَ الصحابةُ إلى الحَبَشةِ وهو بلدُ كُفْرٍ، فلمّا مَكَّنَ اللهُ لنبيِّه بالمدينةِ، خرَجُوا إليها، وقد كان الزُّهْريُّ عازِمًا على أنه إنْ مات هشامُ بن عبد الملك، لَحِقَ بأرضِ الرومِ، لأنّ الوليد بنَ يزيدَ كان قد نذَرَ دمَهُ إنْ قدَرَ عليه.
بلدُ الإسلامِ، وبلد الكفر:
وبلدُ الإسلامِ هو الذي يَسْكُنُهُ المُسلِمونَ ويُظهِرونَ شعائرَ دِينِهم: أصولَها وفروعَها، وأعلامَها ومشهورَها، كالتوحيدِ والصلاةِ والزكاةِ والصيامِ، والحجابِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكَرِ، والأذانِ وبناءِ المساجدِ، ولو كان الحاكمُ كافرًا في نفسِهِ، فالبلدُ يَبقى مُسلِمًا بأهلِهِ وشعائرِه، يُهاجَرُ إليه ولا يُهاجَرُ منه، فلا أثَرَ لكفرِ الحاكِمِ بعينِه، فقد يكونُ الحاكمُ مُسلِمًا والمَحْكومونَ كفّارًا، فبلدُهم بلدُ كُفْرٍ كالحبشةِ بعدَ إسلامِ النَّجاشِيِّ، هو حاكمٌ مسلِمٌ ورعيتُهُ نَصارى، وبلدُهُ بلدُ كفرٍ وإنْ آوَوْا وعَدَلُوا في حقوقِ الناسِ ولم يَظْلِمُوهم.
وقد يكونُ العكسُ، فيكونُ الحاكمُ كافرًا، ورعيتُهُ مُسلِمةً يُظهِرونَ الدِّينَ وشعائرَهُ، فالحُكْمُ لهم لا لحاكِمِهم على الصحيحِ، ولا تخلُو قرونُ الإسلامِ وأقاليمُهُ مِن ارتكابِ بعضِ الحُكّامِ لمُكَفِّرٍ، ومِن العلماءِ مَن يَنُصُّ على تكفيرِ حاكِمٍ بعينِه، فلم يأمُرُوا المحكومِينَ بالهجرةِ مِن بُلْدانِهم، وإنّما يُنظَرُ في عزلِهِ وقدرتِهِمْ عليه، وقد حكَمَ العُبَيْدِيُّونَ مصرَ والقَيْرَوانَ وغيرَها مِن المَغْرِبِ ولم يأمُرِ العلماءُ أهلَها بالهجرةِ منها، ولم يُسَمِّها أحدٌ منهم بلدَ كفرٍ، لأنّ أهلَها مُسلِمونَ يُظهِرونَ شعائرَ الدِّينِ.
ومِثلُ ذلك في ولايةِ البُوَيْهِيِّينَ للعراقِ، وكان فيها علماءُ وأَجْرَوْا حُكْمَ بلدِهم بحُكْمِ أهلِها وما يَظهَرُ مِن شعائرِ دِينِهم، وكانَ علماءُ المغربِ في القَيروانِ يُنكِرونَ على أبي جعفرٍ الدّاوُودِيِّ لَـمّا أنكَرَ عليهم سُكْناهُم تحتَ مملَكَةِ بني عُبَيْدٍ، فقالُوا له: «اسْكُتْ لا شيخَ لكَ!» ـ لأنّه لم يَتَفَقَّهْ في غالِبِ أمْرِهِ على شيخٍ ـ فإنَّهم رأَوْا أنّ بقاءَهُم تَثْبِيتٌ لأهلِها على الإسلامِ والسُّنَّةِ، ولو خَرَجُوا منها لزاغَ الناسُ، فثَباتُ العالِمِ ثباتٌ للعامَّةِ.
وفي الآيةِ: تنبيهٌ على توكُّلِ الضعيفِ على اللهِ وطلبِ المَدَدِ والعَوْنِ منه، وذلك في قولِ المُستضعَفِينَ: ﴿واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾، فهم سألُوا المُعِينَ والنَّصِيرَ مِن اللهِ لا مِن غيرِه، وإذا اجتمَعَ تمامُ الضعفِ مع تمامِ التوكُّلِ، جاء النصرُ وتحقَّقَتِ الإجابةُ.
فكاكُ الأسيرِ:
وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على وجوبِ فَكاكِ الأَسْرى مِن المُسلِمِينَ عندَ المُشرِكِينَ ما قَدَرَ المُسلِمُونَ على ذلك، والأسيرُ أحَقُّ بالزكاةِ مِن الفقيرِ ومُقدَّمٌ عليه، لأنّ الأسيرَ يَخشى على نفسِهِ ودِينِه، والفقيرَ يَخشى على نفسِهِ فقطْ، ولذا قال ﷺ: (فُكُّوا العانِيَ ـ يَعْنِي: الأَسِيرَ ـ وأَطْعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ)، رواهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري (٣٠٤٦) (٤/٦٨).]].
وفكاكُ المرأةِ الأسيرةِ أوْجَبُ مِن الرجُلِ، لأنّ الرجلَ يُخشى على دِينِه ونفسِه، والمرأةَ يُخشى على دِينِها ونفسِها وعِرضِها، وكلَّما عَظُمَ الأثرُ على الأسيرِ في نفسِهِ وعلى مَن خَلْفَه، ففَكاكُهُ أوجَبُ وأعظَمُ.
وإذا وجَبَ القِتالُ لِفَكِّ الأَسْرى، فبَذْلُ المالِ لذلك أوْلى مِن بَذْلِ الدمِ، وقد روى أشْهَبُ وابنُ نافعٍ، عن مالكٍ، أنّه سُئِلَ: أواجبٌ على المُسلِمِينَ افتداءُ مَن أُسِرَ منهم؟ قال: نَعَمْ، أليس واجب عليهم أنْ يُقاتِلُوا حتى يَستنقِذُوهم؟! فكيف لا يَفْدُونَهم بأموالِهم؟!
وقال أحمدُ: يُفادَوْنَ بالرؤوسِ، وأمّا بالمالِ، فلا أعْرِفُهُ[[«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٥/٢١٠).]].
ولعلَّ مرادَ أحمدَ: أنّ النبيَّ ﷺ كان يُفادِي الأَسْرى بالأَسْرى، لا بالمالِ، لأنّ هذا أقْوى لشوكةِ المُسلِمِينَ وهَيْبَتِهم، وألاَّ يُستضعَفُوا ويُهانُوا، فالنفوسُ أعظَمُ منزِلةً مِن الأموالِ عندَ أهلِها، والرأسُ بالرأسِ مُكافأةٌ بالمِثْلِ، لا يَظهَرُ في ذلك استضعافٌ لأحدٍ، وأمّا المالُ، فيَظهَرُ فيه الضَّعْفُ، مع القولِ بجوازِ دفعِهِ بل بوجوبِهِ إنّ تعذَّرَتِ الرؤوسُ والقوةُ، ولم يُرِدْ أحمدُ: ألاَّ يُفَكَّ الأسيرُ بالمالِ.
ويُروى عن عمرَ أنّ فَكاكَ الأسيرِ يكونُ مِن بيتِ المالِ[[السابق.]].
مراتبُ فكاكِ الأسيرِ:
والأَوْلى في فَكاكِ الأسيرِ: أنْ يكونَ بالقتالِ إن كان في المُسلِمينَ قوةٌ، ولهم مَنَعَةٌ، لإظهارِ العِزَّةِ والقُوَّةِ، وإنْ كانتْ مفاسدُ القتالِ في إضعافِ المُسلِمِينَ كبيرةً، فيكونُ بالفِداءِ أسيرٌ بأسيرٍ، وإنْ تعذَّرَ، فبالمالِ، وإنّما تأخَّرَ فَكاكُ الأسيرِ بالمالِ عن الفَكاكِ بالقتالِ والفِداءِ، لأنّ المالَ مع كونِه مُعينًا في ظهورِ وقوةِ الكفارِ إلاَّ أنّه يُطْمِعُهُمْ في المُسلِمِينَ، فيَأْسِرُونَ منهم لِيَغْنَمُوا فَكاكًا بالمالِ، ولكنْ لو فُكَّ الأسيرُ بالقتالِ والفِداءِ كان في ذلك ظهورٌ للمُسلِمِينَ وذلٌّ للكافِرينَ وردعٌ لهم.
وفَكاكُ الأسيرِ أوْلى مِن جميعِ الأصنافِ الثمانيةِ مِن بيتِ المالِ وأموالِ المُسلِمينَ.
القتالُ لفكاكِ الأسيرِ:
ولا خلافَ بينَ العلماءِ في فضلِ فكاكِ الأسيرِ ووجوبِهِ للأَسْرى الكثيرِ، وإنّما اختلَفُوا في القتالِ لفكاكِ الأسيرِ الواحدِ والاثنَيْنِ والعددِ القليلِ جدًّا في مُقابلِ القتالِ الكبيرِ، على قولَيْنِ:
الأولُ: قالوا: إنّه ليس بفرضِ عَيْنٍ، وإنّما على الكفايةِ وحسَبَ القدرةِ، وهو قولُ الحنابلةِ ووجهٌ عندَ الشافعيَّةِ.
الثاني: قالوا: إنّه فرضُ عَيْنٍ، ولا فرقَ بينَ كثيرِ الأَسْرى وقليلِه، وهو قولُ المالكيَّةِ والحنفيَّةِ ووجهٌ عندَ الشافعيَّةِ، لعمومِ الأدلَّةِ، ولم تُفَرِّقْ بينَ قليلٍ وكثيرٍ.
وإنّما عَظُمَ فَكاكُ الأسيرِ في الإسلامِ، لأنّ الأسرَ فيه استضعافٌ وهَوانٌ للمُسلِمِينَ، وظهورٌ وعِزٌّ للكافرينَ، ولو قَلَّ الأَسْرى، فالفَكاكُ للأسيرِ حَقٌّ لِعِزِّ الأمَّةِ أعظَمُ مِن كونِه حقًّا لِفَرَجِ الأسيرِ، ومِن هذا الوجهِ لم يُفرِّقْ كثيرٌ مِن العلماءِ بينَ قليلِ الأَسْرى وكثيرِهم، لأنّ الاعتبارَ في ذلك واحدٌ، فقد يُستضعَفُ المُسلِمونَ ويُهانُونَ ويُظهِرُ الكفارُ عليهم العزةَ بأسيرٍ، ولكنْ إنْ لم يكنْ في المُسلِمِينَ قدرةٌ، وكان القتالُ لفَكاكِ الأسيرِ يُضعِفُهُمْ حتى يَزدادُوا هوانًا لقوةِ الكفارِ عليهم، فيرتفعُ التكليفُ عنهم ولكنْ لا يزولُ، فإنْ مَلَكُوا قدرةً، نزَلَ الحُكْمُ بعدَ ارتفاعِه، وتعيَّنَ عليهم بعدَ تخفيفِه.
وتركُ الأسيرِ إسلامٌ له للمشرِكِينَ، ففي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ ابنِ عمرَ، قال ﷺ: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ)[[أخرجه البخاري (٢٤٤٢) (٣/١٢٨)، ومسلم (٢٥٨٠) (٤/١٩٩٦).]].
وفي «صحيحِ مسلمٍ»، مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ، قال ﷺ: (لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ) [[أخرجه مسلم (٢٥٦٤) (٤/١٩٨٦).]]، ومِن خِذْلانِهِ تركُهُ في أسْرِه.
وفَكاكُ الأسيرِ مِن وصايا النبيِّ لأمَّتِه، ففي «الصحيحِ»، أنّ عليًّا سُئل عمّا في الصَّحِيفَةِ ـ التي هي مِن الوحيِ ـ فقال: «العَقْلُ، وفَكاكُ الأَسِيرِ، ولا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ»[[أخرجه البخاري (١١١) (١/٣٣).]].
{"ayah":"وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق