الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها واجْعَل لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَل لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ .
اعْلَمْ أنَّ المُرادَ مِنهُ إنْكارُهُ تَعالى لِتَرْكِهِمُ القِتالِ، فَصارَ ذَلِكَ تَوْكِيدًا لِما تَقَدَّمَ مِنَ الأمْرِ بِالجِهادِ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الجِهادَ واجِبٌ، ومَعْناهُ أنَّهُ لا عُذْرَ لَكم في تَرْكِ المُقاتَلَةِ وقَدْ بَلَغَ حالُ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ مِنَ المُسْلِمِينَ إلى ما بَلَغَ في الضَّعْفِ، فَهَذا حَثٌّ شَدِيدٌ عَلى القِتالِ، وبَيانُ العِلَّةِ الَّتِي لَها صارَ القِتالُ واجِبًا، وهو ما في القِتالِ مِن تَخْلِيصِ هَؤُلاءِ المُؤْمِنِينَ مِن أيْدِي الكَفَرَةِ، لِأنَّ هَذا الجَمْعَ إلى الجِهادِ يَجْرِي مَجْرى فِكاكِ الأسِيرِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ قَوْلُهُ: ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ إنْكارٌ عَلَيْهِمْ في تَرْكِ القِتالِ وبَيانُ أنَّهُ لا عُذْرَ لَهُمُ البَتَّةَ في تَرْكِهِ، ولَوْ كانَ فِعْلُ العَبْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ لَبَطَلَ هَذا الكَلامُ لِأنَّ مِن أعْظَمِ العُذْرِ أنَّ اللَّهَ ما خَلَقَهُ وما أرادَهُ وما قَضى بِهِ، وجَوابُهُ مَذْكُورٌ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اتَّفَقُوا عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ﴾ مُتَّصِلٌ بِما قَبْلَهُ، وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى السَّبِيلِ، والمَعْنى: ما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ وفي المُسْتَضْعَفِينَ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، أيْ في سَبِيلِ اللَّهِ وفي سَبِيلِ المُسْتَضْعَفِينَ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: المُرادُ بِالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ قَوْمٌ مِنَ المُسْلِمِينَ بَقُوا بِمَكَّةَ وعَجَزُوا عَنِ الهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ، وكانُوا يَلْقَوْنَ مِن كُفّارِ مَكَّةَ أذًى شَدِيدًا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كُنْتُ أنا وأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ النِّساءِ والوِلْدانِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: الوِلْدانُ: جَمْعُ الوَلَدِ، ونَظِيرُهُ مِمّا جاءَ عَلى فِعْلٍ وفِعْلانِ، نَحْوَ حِزْبٍ وحِزْبانِ، (p-١٤٦)ووِرْكٍ ووِرْكانِ، كَذَلِكَ وِلْدٌ ووِلْدانٌ. قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالرِّجالِ والنِّساءِ الأحْرارُ والحَرائِرُ، وبِالوِلْدانِ العَبِيدُ والإماءُ، لِأنَّ العَبْدَ والأمَةَ يُقالُ لَهُما الوَلِيدُ والوَلِيدَةُ، وجَمْعُهُما الوِلْدانُ والوَلائِدُ، إلّا أنَّهُ جَعَلَ هَهُنا الوِلْدانَ جَمْعًا لِلذُّكُورِ والإناثِ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ عَلى الإناثِ، كَما يُقالُ آباءٌ وإخْوَةٌ واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: إنَّما ذَكَرَ اللَّهُ الوِلْدانَ مُبالَغَةً في شَرْحِ ظُلْمِهِمْ حَيْثُ بَلَغَ أذاهُمُ الوِلْدانَ غَيْرَ المُكَلَّفِينَ إرْغامًا لِآبائِهِمْ وأُمَّهاتِهِمْ، ومَبْغَضَةً لَهم بِمَكانِهِمْ، ولِأنَّ المُسْتَضْعَفِينَ كانُوا يُشْرِكُونَ صِبْيانَهم في دُعائِهِمِ اسْتِنْزالًا لِرَحْمَةِ اللَّهِ بِدُعاءِ صِغارِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يُذْنِبُوا، كَما ورَدَتِ السُّنَّةُ بِإخْراجِهِمْ في الِاسْتِسْقاءِ، ثُمَّ حَكى تَعالى عَنْ هَؤُلاءِ المُسْتَضْعَفِينَ أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها واجْعَل لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَل لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أجْمَعُوا عَلى أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها مَكَّةُ، وكَوْنُ أهْلُها مَوْصُوفِينَ بِالظُّلْمِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِأنَّهم كانُوا مُشْرِكِينَ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] وأنْ يَكُونَ لِأجْلِ أنَّهم كانُوا يُؤْذُونَ المُسْلِمِينَ ويُوصِلُونَ إلَيْهِمْ أنْواعَ المَكارِهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: القَرْيَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وقَوْلُهُ: ﴿الظّالِمِ أهْلُها﴾ صِفَةٌ لِلْقَرْيَةِ ولِذَلِكَ خَفَضَ، فَكانَ يَنْبَغِي أنْ يُقالَ: الظّالِمَةُ أهْلُها، وجَوابُهُ أنَّ النَّحْوِيِّينَ يُسَمُّونَ مِثْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ الصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ بِاسْمِ الفاعِلِ، والأصْلُ في هَذا البابِ: أنَّكَ إذا أدْخَلْتَ الألِفَ واللّامَ في الأخِيرِ أجْرَيْتَهُ عَلى الأوَّلِ في تَذْكِيرِهِ وتَأْنِيثِهِ، نَحْوُ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِامْرَأةٍ حَسَنَةِ الزَّوْجِ كَرِيمَةِ الأبِ، ومَرَرْتُ بِرَجُلٍ جَمِيلِ الجارِيَةِ، وإذا لَمْ تُدْخِلِ الألِفَ واللّامَ في الأخِيرِ حَمَلْتَهُ عَلى الثّانِي في تَذْكِيرِهِ وتَأْنِيثِهِ كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِامْرَأةٍ كَرِيمٍ أبُوها، ومِن هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها﴾ ولَوْ أدْخَلْتَ الألِفَ واللّامَ عَلى الأهْلِ لَقُلْتَ مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمَةِ الأهْلِ، وإنَّما جازَ أنْ يَكُونَ الظّالِمُ نَعْتًا لِلْقَرْيَةِ لِأنَّهُ صِفَةٌ لِلْأهْلِ، والأهْلُ مُنْتَسِبُونَ إلى القَرْيَةِ، وهَذا القَدْرُ كافٍ في صِحَّةِ الوَصْفِ كَقَوْلِكَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قائِمٍ أبُوهُ، فالقِيامُ لِلْأبِ وقَدْ جَعَلْتَهُ وصْفًا لِلرَّجُلِ، وإنَّما كانَ هَذا القَدْرُ كافِيًا في صِحَّةِ الوَصْفِ لِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الوَصْفِ التَّخْصِيصُ والتَّمْيِيزُ، وهَذا المَقْصُودُ حاصِلٌ مِن مِثْلِ هَذا الوَصْفِ واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في قَوْلِهِ: ﴿واجْعَل لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَل لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ قَوْلانِ:
فالأوَّلُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُونَ اجْعَلْ عَلَيْنا رَجُلًا مِنَ المُؤْمِنِينَ يُوالِينا ويَقُومُ بِمَصالِحِنا ويَحْفَظُ عَلَيْنا دِينَنا وشَرْعَنا، فَأجابَ اللَّهُ تَعالى دُعاءَهم لِأنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا فَتَحَ مَكَّةَ جَعَلَ عَتّابَ بْنَ أسِيدٍ أمِيرًا لَهم، فَكانَ الوَلِيُّ هو الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكانَ النَّصِيرُ عَتّابَ بْنَ أسِيدٍ، وكانَ عَتّابٌ يُنْصِفُ الضَّعِيفَ مِنَ القَوِيِّ والذَّلِيلَ مِنَ العَزِيزِ.
الثّانِي: المُرادُ: واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ وِلايَةً ونُصْرَةً، والحاصِلُ كُنْ أنْتَ لَنا ولِيًّا وناصِرًا.
{"ayah":"وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











