الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٧٥، ٧٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما أمر الله سبحانه وتعالى بالقتال في سبيل الله ووجَّه الأمر للذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة؛ أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة، وبيَّن فضل القتال في سبيل الله وأنَّ المقاتل في سبيل الله سواء قُتِل أو غَلَب فله الأجر من عند الله :﴿فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء ٧٤]؛ وَبَّخَ الله أولئك الذين يمتنعون عن القتال وقال: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (ما) هنا للاستفهام، ومعناه الإنكار، ويحتمل أن يكون الإنكار والتعجب؛ يعني أن يكون معناه الإنكار على هؤلاء الذين لم يقاتلوا والتعجب من حالهم.
وقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ سبق مِرارًا كثيرة بأن القتال في سبيل الله هو القتال لتكون كلمة الله هي العليا لا غير.
وقوله: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ﴾ يحتمل أن تكون معطوفة على لفظ الجلالة؛ أي: وفي سبيل المستضعفين، ويحتمل أن تكون معطوفة على ﴿سَبِيلِ﴾؛ أي: وفي المستضعفين من الرجال، والمعنيان يصُبَّان في قناة واحدة سواء قلنا: في سبيل المستضعفين، أو: في المستضعفين أنفسهم. والمستضعفون من الرجال هم الذين لا يستطيعون أن يخرجوا من هذه القرية التي تسومهم سوء العذاب.
﴿وَالنِّسَاءِ﴾ معطوفة على المستضعفين أو معطوفة على ﴿الرِّجَالِ﴾، أيهما أولى؟ إذا قلنا: معطوفة على ﴿الرِّجَالِ﴾ صار المعنى أن النساء ينقسمن إلى قسمين: قسم مستضعف وقسم غير مستضعف، والمراد بالآية القسم المستضعف، وإذا قلنا: معطوفة على ﴿الْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ صار النساء لا ينقسمن إلى قسمين، بل هنَّ قسم واحد، وأن المرأة لا يلزمها أن تهاجر، ولكن المعنى الأول أحسن؛ لأن من النساء من هاجرت ولم تبْقَ في دار الذل والهوان.
وقوله: ﴿وَالْوِلْدَانِ﴾ هذا هو الذي يمكن أن نقول: إنه معطوف على قوله: ﴿الْمُسْتَضْعَفِينَ﴾، وذلك لأن الولدان لا يستطيعون الهجرة ولا يستطيعون الخروج، وهم في هذه الأماكن مظلومون، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فواجب علينا أن نقاتل في سبيل الله سبحانه وتعالى وفي هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
وقوله: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لكل ما سبق من المعطوف والمعطوف عليه، ﴿يَقُولُونَ﴾ أي: يقول كل واحد منهم، أو (يقولون) على معنى الجملة، وإن لم يكن هذا القول صادرًا من كل واحد؛ وذلك لأن الجماعة الذين على هدف واحد وعلى طريق واحد يكون قول القائل منهم قولا للجميع.
﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾، ﴿أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ والمشار إليه القرية التي هم ساكنوها وباقون فيها وهي مكة؛ لأن قريشًا كانت تسوم من يُسلم سوء العذاب.
وقوله: ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ ﴿الظَّالِمِ﴾ هنا نعت، لأيش؟
* طلبة: للقرية.
* طالب: لـ(أهل).
* الشيخ: لاسم الإشارة في ﴿هَذِهِ﴾، ولكن كيف يكون نعتًا والمعنى قائم بغير المنعوت؛ لأنه قال: ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ ولم يقل: الظالمة؟
والجواب عن هذا أن يقال: النعت نوعان: حقيقي، وسببي:
فالحقيقي: ما عاد فيه الوصف على المنعوت؛ كما تقول: مررت بزيدٍ الفاضلِ. هنا (الفاضل) هذا وصفٌ عائد أيش؟ على من؟ على زيد.
والسببي: ما كان الوصف فيه عائدًا إلى غير المنعوت، لكن له به علاقة؛ كما لو قلت: مررت بزيدٍ الفاضلِ أبوه. فهنا الفضل لا يعود على زيد بل يعود على أبيه، لكن له به علاقة وارتباط، ولهذا أُضيفَ إليه فقيل: (أبوه)، فالضمير في (أبوه) عائد على زيد، ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ من هذا الباب، النعت فيه سببي ولَّا حقيقي؟
* طلبة: سببي.
* الشيخ: سببي، ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾، وعلى هذا فنقول: ﴿الظَّالِمِ﴾ صفة لـ﴿هَذِهِ﴾، و(أهل) فاعل بالظالم، ﴿الظَّالِمِ﴾ اسم فاعل، و﴿أَهْلُهَا﴾: (أهل) فاعل، و(أهل) مضاف، و(ها) مضاف إليه.
﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ لماذا هم ظالمون؟ هل المراد الظلم الذي هو العدوان على حقِّ هؤلاء المؤمنين، أو ما هو أعمُّ كظلمهم بالشرك والعدوان أيضًا؟
* طلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني؛ فأهل هذه القرية ظالمون في حق الله لإشراكهم به، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣]، وهؤلاء أيضًا ظالمون بالنسبة لاعتدائهم على هؤلاء المؤمنين حيث كانوا يؤذونهم ويسومونهم سوء العذاب.
﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ ﴿وَاجْعَلْ لَنَا﴾: الواو هذه حرف عطف، و﴿اجْعَلْ﴾ معطوفة على ﴿أَخْرِجْنَا﴾؛ يعني: ويقول أيضًا: ﴿اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ﴾ أي: من عندك ﴿وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (اجعل لنا وليًّا) يعني: يتولَّانا؛ يتولى أمورنا، و﴿نَصِيرًا﴾ ينصرنا على أعدائنا.
وتأمَّل أن كلمة ﴿اجْعَلْ﴾ جاءت مرتين؛ لأن المقام مقام دعاء، ومقام الدعاء ينبغي فيه البسط؛ لأن الداعي يُناجي اللهَ عز وجل، ومناجاة الحبيب لمحبوبه كلما زادت كان ذلك أقوى في المحبة، ولهذا ترى الإنسان إذا كان يحب شخصًا يحب أن يُكثر معه الكلام، وربما يجلس يتكلم معه مدة طويلة وكأنها أقلُّ من هذه المدة بكثير.
﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ والنصير هو الْمُدافع المانع من عدوِّك أن يعتدي عليك.
فإذا قال قائل: أليست الولاية تأتي بمعنى النُّصرة؟
قلنا: بلى، ولكن -كما أسلفنا قبل- قليل مقامُ الدعاء ينبغي فيه البسط.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء ٧٦، ٧٧].
* الشيخ: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ ما نوع الاستفهام هنا؟
* طالب: إنكاري، ويحتمل أن يكون إنكارًا وتعجبًا.
* الشيخ: إي، إنكار وتعجب.
قوله: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ﴾ معطوفة على أيش؟
* طالب: (...) معطوفة على لفظ الجلالة.
* الشيخ: إي نعم، ويكون التقدير؟
* الطالب: في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين.
* الشيخ: أو على سبيل؟
* الطالب: (...) الله، والمستضعفين من الرجال.
* الشيخ: يعني: وفي المستضعفين لتخليصهم.
طيب، ما المراد بـ(قرية) في قوله: ﴿الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾.
* طالب: مكة.
* الشيخ: مكة، هل هناك دليلٌ على أنها مكة؟
* طالب: من الآية؟
* الشيخ: نعم، من الآية أو غير الآية.
* الطالب: الواقع يا شيخ عند نزول الآيات.
* الشيخ: ما فيه آيات تدل على هذا؟
* الطالب: آية أخرى؟
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ﴾.. [محمد: ١٣].
* الشيخ: أحسنت، تمام.
قوله: ﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ ما الفرق بين الوليِّ والنصير؟
* طالب: الوليُّ هو الذي يتولَّى أمر الإنسان، وليُّ الأمر.
* الشيخ: بجلْب المنفعة له ودفْع؟
* الطالب: المضرة.
* الشيخ: والنصير؟
* الطالب: النصير هو المعين الذي ينصرك ويؤازرك.
* الشيخ: نعم، يعني: ويمنع أعداءه منه؛ لأن النصر معناه المنع؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ [غافر ٢٩].
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لَمَّا وبَّخ الله سبحانه وتعالى وتعجَّب من الذين لا يقاتلون في سبيل الله بيَّن أن المقاتلين ينقسمون إلى قِسمين فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وهذه جملة مكوَّنة من مبتدأ وخبر؛ المبتدأ قوله: ﴿الَّذِينَ﴾، والخبر قوله: ﴿يُقَاتِلُونَ﴾.
وقوله: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: يقاتلون الكفار.
وقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: في دينه وشرعه؛ أي: من أجْله، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القتالَ في سبيل الله، هو قِتال من يُقاتِل لتكون كلمةُ الله هي العُليا، هذا هو القتال في سبيل الله، وما عدا ذلك فليس في سبيل الله.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ هذه الجملة مكوَّنة من مبتدأ وخبر؛ المبتدأ: ﴿الَّذِينَ﴾، والخبر: جملة ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾.
و﴿الطَّاغُوتِ﴾ صيغة مبالغة من الطغيان، فالتاء فيها كالتاء في قوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل ١٢٠]، فالتاء للمبالغة، وكما يقولون: فلانٌ عَلَّامَة، التاء أيضًا للمبالغة، وعلى هذا فيكون آخر الكلمة -يعني آخر أصول الكلمة- هو الواو في الطاغوت، وأما التاء فهي مزيدة للمبالغة، فمَنْ هو الطاغوت؟
يُعرف المعنى بذِكْر المقابل، فالطاغوت هو مقابل مَن يُقاتل في سبيل الله، فكل من قاتل لغير سبيل الله فهو مقاتِل في الطاغوت سواء قلنا: إنه الشيطان، أو أولياء الشيطان، أو العصبية، أو غير ذلك، المهم أننا نفهم أن المراد بسبيل الطاغوت هو ما كان لغير سبيل الله من المقابلة، وقد مرَّ علينا قاعدة مفيدة في هذا: أن الشيء قد يُعرف بمعرفة مقابله، ومرَّ علينا منه قوله تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٧١].
وقوله: ﴿الطَّاغُوتِ﴾ يعني: كل ما تجاوز به الإنسان حَدَّه، فإنه طغيان وطاغوت.
﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ﴾ الفاء للتفريع على ما سبق؛ أي: قاتلوا أيها المقاتلون في سبيل الله أولياء الشيطان الذين اتخذوا الشيطانَ وَلِيًّا فغرَّهم وأضلَّهم، وهم الذين يقاتلون لا لتكون كلمة الله هي العليا.
﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ لما أمر بقتال أولياء الشيطان بيَّن أنهم مغلوبون وأنَّ المقاتِل لأولياء الشيطان غالب؛ يؤخذ هذا من التعليل من قوله: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾، وإذا كان ضعيفًا فإنه لا مقاومة منه للحق.
وقوله: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ﴾ إذا كان كيد الشيطان ضعيفًا وهو الذي يأتي به مكرًا وخديعةً، فما كان صريحًا فهو من باب أَوْلى، والشيطان له كيد ومكائد، يكيد للإنسان، لكنه ضعيف، إذا ذُكِر اللهُ خَنَسَ، وإلا فهو يكيد حتى في غير القتال، يكيد للإنسان في العبادات؛ فيأتيه أولًا من باب التهاون بالعبادة ويُهوِّنها عليه ويقول: إذا تركتَ هذه المرَّة تفعلها المرَّة الأخرى، ثم إذا هَمَّ بها في المرة الأخرى أيضًا وسوس له وثبَّطه، ويُهَوِّن عليه المعصية ويقول: هذه معصية بسيطة، ولا يراك أحد، وليس عندك أحد، ليس عندك إلا الله، والله غفور رحيم، وما أشبه ذلك، فيُهَوِّنها عليه كيدًا ويُزيِّنها، ولكن مع ذلك فكيدُهُ ضعيف؛ لأنه لا يُقاوم الحقَّ أبدًا.
* في هذه الآية عدة مسائل وفوائد:
* أولًا: بيان أن الناس ينقسمون في الجهاد إلى قسمين..
* طالب: اللي قبلها يا شيخ.
* الشيخ: اللي قبلها؟ ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ﴾؟
﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ﴾ * فيها فوائد:
* أولًا: توبيخ من توانى عن الجهاد؛ لقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها أيضا: ذِكْر ما يشجِّع على القتال من الناحية النفسية؛ لقوله: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾؛ لأن ذكر ما يثير الإنسان ويهيِّجه أمر مطلوب، ولا شك أن الإنسان إذا قيل له: إن هناك رجالًا مستضعَفين ووِلدانًا ونساءً، لا شك أنه سوف يزداد هِمَّةً وإقدامًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكفار قد استضعفوا هؤلاء وأهانوهم.
* ومن فوائدها: وجوب الدفاع عن المستضعَفين عند الكفار؛ لأن الله تعالى وبَّخ على الأمرين: على ترك القتال في سبيل الله، وعلى ترك القتال في سبيل هؤلاء المستضعَفين لتخليصهم، وهذا أمرٌ واجبٌ على كل مسلم مع القدرة؛ أن يفكَّ أسيرَ المسلمين، وأن يرفع الظلم عنه بقدر المستطاع؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز التوسل بالحال؛ لقوله: ﴿أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾؛ توسَّلوا إلى الله تعالى بذِكْر حال أهل هذه القرية بأنهم ظالمون لهم، وذِكْر الحال؛ أن الإنسان مظلوم، يوجب الرقة والعطف.
واعلم أن التوسل إلى الله عز وجل يكون بأمور:
الأمر الأول: التوسل إلى الله بأسمائه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف ١٨٠] فتقول: يا غفور اغفر لي، ويا رحيم ارحمني، وهُنا ينبغي أدبًا وعقلًا وفِطنةً أن لا يُتوسَّل لمطلوب إلا بالاسم المناسب له؛ فإذا كان يريد أن يسأل الله المغفرة يتوسل بأيش؟ بـ(الغفور)، الرِّزق بـ(الرزاق)، البطش بالظالم بـ(شديد العقاب)، وما أشبه ذلك.
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه قوله ما جاء في الحديث المأثور: «اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»[[أخرجه الترمذي (٣٥٢٤) من حديث أنس بلفظ: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث».]]، فإن هذا توسلٌ إلى الله تعالى بصفة من صفاته، ومنه أيضًا: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي إِذَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي»[[أخرجه النسائي في المجتبى (١٣٠٥) من حديث عمار بن ياسر.]]، ومنه أيضًا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ» »[[أخرجه البخاري (١١٦٢) من حديث جابر بن عبد الله.]].
الثالث: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، والأفعال وإن كانت من الصفات لكن هي نوع آخر؛ كقولك: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. فإن الصحيح أن الكاف هنا للتعليل؛ أي: لأنك صلَّيتَ على إبراهيم، ولا غرابة أن تأتي الكاف للتعليل؛ فقد جاءت في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة ١٩٨] أي: لهدايته إياكم، على أحد الوجهين، وإذا قلنا: إن الكاف في قوله: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ»[[أخرجه البخاري (٣٣٧٠) من حديث كعب بن عجرة، و(٤٧٩٨) من حديث أبي سعيد الخدري.]] زال عنا الإشكال الذي يعرضه كثير من العلماء، وهو أنه كيف يُشبِّه الصلاةَ على محمد ﷺ بالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم مع أنَّ محمدًا وآله أفضل من إبراهيم وآله، إذا جعلنا الكاف للتعليل زال الإشكال، وإذا جعلناها للتشبيه -وهو لا يصح، لكن تنزُّلًا- فإن ذلك على قول بعض العلماء: إن هذا من باب ذِكْر الصلاة على النبي ﷺ مرتين: مرةً مطلوبة، ومرةً مُخبَرًا عنها؛ مطلوبة: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، » مُخبَرًا عنها: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ»[[أخرجه البخاري (٣٣٧٠) من حديث كعب بن عجرة.]]. فإن محمدًا لا شك أنه من آل إبراهيم؛ من آل إبراهيم نَسَبًا ومن آله اتِّباعًا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران ٦٨]، فهو من آله عليه الصلاة والسلام نَسَبًا واتِّباعًا، لكن ما ذكرناه أولًا أنَّه من باب أيش؟ التوسل إلى الله تعالى بأفعاله أَوْلى.
الرابع: التوسل إلى الله تعالى بحال الداعي؛ يعني بأن يذكر الإنسانُ حالَه لله عز وجل ويعرضها؛ فإنَّ ذِكْر الحال التي تقتضي الْحُنُوَّ والعطف توسلٌ بها، ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص ٢٤].
الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان بالله عز وجل ورسوله، ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران ١٦].
السادس: التوسل إلى الله عز وجل بدُعاء الصالحين؛ أن يتوسل الإنسان إلى الله بدُعاء رجلٍ صالحٍ؛ مثل قول عُكَّاشة بن محصن: «ادْعُ الله أن يجعلني منهم. فقال: «أَنْتَ مِنْهِمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٨١١) ومسلم (٢٦١ / ٣٦٩) من حديث أبي هريرة.]]، ومثل دخول الرجل الأعرابي الذي قال: «يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادعُ الله أن يُغيثنا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٠١٣) ومسلم (٨٩٧ / ٨) من حديث أنس.]]، ومنه دعاء المؤمنين؛ فإن دعاء المؤمنين لمن سبقهم من هذا النوع، أو لا؟ فيه توسل؟ لا ليس فيه توسل، حقيقةً ليس فيه توسل.
السابع: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح؛ كتوسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار؛ «فإن ثلاثةً آواهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوا فيه، ثم انطبقت عليهم صخرةٌ عجزوا عنها، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة: أحدهم بالبِرِّ، والثاني بالعِفَّة، والثالث بالوفاء، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٧٢) ومسلم (٢٧٤٣ / ٩٩) من حديث عبد الله بن عمر.]]. فهذه أقسام التوسل الجائز.
أما التوسل الممنوع فضابطه أن يتوسل إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة؛ لأن هذا نوعٌ من الاستهزاء بالله عز وجل والسخرية به؛ إذ إن الوسيلة ما يُتوسل به إلى المطلوب، فإذا قدَّمتَها بين يدي دعائك وهي ليست بوسيلة صار هذا كالاستهزاء بالله عز وجل؛ مثل أن يتوسل الإنسان بنفس الشخص الصالح: اللهم إني أسألك بفلان. ومن ذلك على القول الراجح الجاه: اللهم إني أسألك بجاه فلان. فإن هذا التوسل حرام؛ لأنه توسلٌ إلى الله بما لم يكن وسيلة، ولهذا حرَّمنا على الإنسان تعليق التمائم إذا لم تكن من القرآن، لماذا؟ لأنها وسيلة غير صالحة، وكل من توسل إلى الله بوسيلة غير صالحة فإن توسُّله حرام.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز الجهر بالسوء لمن ظُلِم؛ فتقول: فلانٌ ظلمني، فلانٌ أخذ مالي، وما أشبه ذلك، ولا يُعَدُّ هذا من باب الغِيبة؛ لقوله: ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾، وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء ١٤٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أيدي الكفار لها ولاية على ما تحتها، بمعنى أن الكافر إذا كان له بلد أو مدينة أو ما أشبه ذلك فإنَّ له ولاية عليها؛ لقوله: ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾، فجعلهم أهلها، ومع ذلك فليسوا بأهلها في الحقيقة؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال ٣٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز دعاء الإنسان ربَّه أن يُخرجه من القرية الظالمِ أهلُها؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾، وإذا كان له قدرة فليخرج، ولكن هل المراد بـ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ الذين اعتدوا علينا، أو ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ الذين اعتدوا على حق الله؟
الظاهر الأول، يعني أن الإنسان لا يجوز أن يدعو الله أن يُخرجه من البلد إلا إذا كان أهلُها قد ظلموه بمنعه عن دينه وعن إقامته، أما إذا كانوا ظالمي أنفسهم ولكنه لا ينالون مسلمًا بسوء فإنه لا تجب الهجرة، ولا ينبغي أن يدعو الله تعالى بأن يخرج منها إلا إذا خاف على دينه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن للإنسان أن يطلب من الله تعالى وليًّا من عنده؛ لقوله: ﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾، ولا يقال: إنه لا بد أن تقول: اللهم تولَّني. فأنت إما أن تدعو الله بأن يتولاك أو أن يُيَسِّر لك وليًّا، وكذلك يقال: ﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾، واعلم أن الوليَّ والنصير إذا اجتمعا صار الولي فيما ينفع والنصير في دفع ما يضُرُّ، وأما إذا أُفرِد أحدُهما شمل الآخر، فإذا قيل (ولي) بدون (نصير) فالمراد به من يجلب لك الخير ويدفع عنك الشر، وإذا كان (نصير) بلا (ولي) فالمراد من يدفع الشر ويجلب الخير، وإذا اجتمعا صار الوليُّ فيمن يجلب الخير، والنصيرُ فيمن يدفع الشر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عُلُوِّ هِمَّة هؤلاء حيث قالوا: ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ في الولي، و﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ في النصير؛ لأن الولي إذا جاء من عند الله -وكذلك النصير- فهذا هو الذي ينفع، أما الولي الذي لا يأتي من عند الله عز وجل وإنما حملته الحمِيَّة والعصبية فهذا قد ينفع وقد لا ينفع.
* وفي الآية أيضًا: التوسل بالربوبية؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا﴾، وهذا من أيِّ أنواع التوسل السبع التي ذكرنا؟
* طلبة: الصفات.
* الشيخ: في الصفات، وأكثر ما يكون الدعاء إذا كان فيه توسل يكون بالربوبية؛ لأن الربوبية هي التي بها الْمُلْك والخلق والتدبير، وإن كان يأتي بالألوهية مثل (اللهم)، لكن أكثر ما تكون بالربوبية.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ..﴾ [النساء ٧٦].
* طالب: التوسل بجاه النبي ﷺ وبجاه الله عز وجل؟
* الشيخ: أما بجاه النبي فلا يجوز؛ لأنه ليس وسيلة؛ إذ إن جاه النبي عليه الصلاة والسلام هي منزلة رفيعة للرسول لا تنفعني أنا، عرفت؟ أما جاه الله فلا يجوز التوسل، إلى من تتوسل؟! إلا إذا أراد بالجاه: الوجه، وقال: أتوسل بصفة الله، فهمت؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: مثل: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ» »[[أخرجه أبو داود (٤٦٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]].
* الطالب: بعض العلماء منع التوسل بجاه الله.
* الشيخ: إي، صحيح ما لم يُرِد بالجاه الوجه، جاه الله عند مَن؟! لأن الجاه معناه المنزلة عند الغير، فلان له جاه عند فلان؛ يعني: منزلة عالية، فمَنْ أعلى من الله؟!
* الطالب: لا أحد.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: فإذن التوسل بجاه الله ينقص من ذاته؟
* الشيخ: إي، هذا ما يجوز، أما إذا أراد الإنسان الوجه فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التوسل بالصفات.
* طالب: التوسل بشهادة أن لا إله إلا الله، لأن الله يحبها ومن صفات التوحيد؟
* الشيخ: التوسل بشهادة أن لا إله إلا الله من العمل الصالح، أما التوسل بـ(لا إله إلا الله) فهو من التوسل بالصفة، عرفت؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: من يعرف الفرق، التوسل بشهادة أن لا إله إلا الله من باب التوسل بالعمل الصالح، والتوسل بـ(لا إله إلا الله) من باب التوسل بالصفة؟
* طالب: شيخ، التوسل بشهادة أن لا إله إلا الله توسل بالعمل على أساس أنه يشهد أن لا إله إلا الله..
* الشيخ: بفعل الإنسان.
* الطالب: والتوسل بـ(لا إله إلا الله) توسل بصفة؛ لأن من صفات الله تبارك وتعالى..
* الشيخ: انفراده بالألوهية.
* طالب: شيخ هل يؤخذ من الآية (...)؟
* الشيخ: من أين هذا؟
* الطالب: ﴿أَهْلُهَا﴾.
* الشيخ: الأهل ما تكون إلا في الملك؟ ما تكون الأهل ما تضاف إلا لمالك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أهل الثناء والمجد؛ أي صاحب أو مستحق، فهمت؟ لكن على كل حال هو لولا أن هناك سُنَنًا تدل على عدم ذلك لكنا نقول: هذا ظاهر الحال؛ أن الأهل إذا كان مخلوقًا أُضيفَ لمخلوق فالأهل هو المالك، هذا هو الأصل.
وبيوت مكة فيها خلاف، والصحيح أنها تُملَك بذواتها، لكن الأرض لا تُملَك، ثم اختلفوا هل تُملَك بذواتها ومنافعها؟ المذهب: لا تُملَك لا بذواتها ولا بمنافعها، ولهذا حرَّموا على أهل مكة إيجار البيوت؛ قالوا: الرجل من أهل مكة لا يجوز له أن يؤجر بيته، حتى وإن استأجره لا يجوز أن يؤجره غيره؛ لأنه إذا ظُلِم لا يمكن أن يدفع الظلم عن نفسه بظلم غيره.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله جوازَ البيع دون الإجارة؛ قال: البيع؛ لأنه يملك عين البناء، فهو ملكه، له أن يبيع، وأما المنافع فالناس سواء في المسجد الحرام.
ومذهب الشافعي جواز البيع والإجارة، وهو الذي عليه العمل الآن، لكن احتكارها هذا هو الممنوع؛ بمعنى أنه إذا جاء وقت الموسم زدنا في إجارتها لأن الناس محتاجون إليها، هذا هو الممنوع.
ولهذا يؤسف أن الناس في زمن الموسم -فيما سبق أما الآن ما أدري- يزيدون السلع الاستهلاكية؛ إذا كان الخبز أربعة بريال يجعلونه اثنين بريال.
* طالب: ثلاثة بريال.
* الشيخ: وبغير الموسم؟
* الطالب: أربعة بريال.
* الشيخ: أربعة بريال، يعني معناه الربع، وهذا خلاف عمل الجاهلية، الجاهلية يخدمون الحجاج ويسقونهم النبيذ مجانًا.
واختار شيخ الإسلام -رحمه الله- جواز البيع دون الإجارة. قال: البيع؛ لأنه يملك أحيانًا البناء فهو ملكه، له أن يبيعه، وأما المنافع فالناس سواء في المسجد الحرام.
ومذهب الشافعي: جواز البيع والإجارة، وهو الذي عليه العمل الآن، لكن احتكارها هذا هو الممنوع، بمعنى أنه إذا جاء وقت الموسم زدنا في إجارتها؛ لأن الناس محتاجون إليها، هذا هو الممنوع؛ ولهذا يؤسف أن الناس في زمن الموسم -فيما سبق، أما الآن ما أدري عنهم- يزيدون السلع الاستهلاكية، إذا كان الخبز أربعة بريال يجعلونه اثنين بريال.
* طالب: ثلاثة بريال.
* الشيخ: وبغير الموسم؟
* الطالب: أربعة بريال.
* الشيخ: أربعة بريال، إي نعم، أعوذ بالله! العادي إذا صار يباع ثلاثة بريال في الموسم كم يباع في غير الموسم؟
* طالب: أربعة بريال.
* الشيخ: أربعة بريال؛ يعني معناها الربع، وهذا خلاف عمل الجاهلية؛ الجاهلية يخدمون الحجاج ويسقونهم النبيذ مجانًا.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء ٧٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق لنا قول الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ [النساء ٧٦] فما المراد بالطاغوت هنا؟
* طالب: الكلمات تعرف بأضدادها، وهنا قابل الطاغوت في سبيل الله، فكل ما ليس في سبيل الله فهو طاغوت.
* الشيخ: فهو طاغوت؛ حتى لو قاتل حمية وعصبية؟
* الطالب: لو قاتل حمية، كل هذا طاغوت، والطاغوت كذلك في تعريفه..
* الشيخ: هل لك دليل على هذه القاعدة التي زعمتها؟ يعني مثال آخر يؤيد ويمكن أن نأخذ من تكاثر الأمثلة قاعدة؟
* الطالب: أمثلة كثيرة مرت معنا، قوله تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٧١].
* الشيخ: نعم، فإن كلمة ﴿ثُبَاتٍ﴾ قد تشكل على الإنسان، لكن إذا قرنت بهذه عرفت، وأشياء كثيرة من هذا النوع أو قريبًا منه.
يؤخذ من قوله: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٧٦] أنه ينبغي في الحث على الجهاد أن يبيَّن ضعف العدو؛ فهو عكس ما قال الفقهاء: إنه يمنع المخذّل والمرجف، منين؟ ما هو المقصود في هذا إغراء المسلمين على القتال، عكسه أيش؟ المرجف الذي يقول: العدو قوي، ليس لنا به قوة، ولا نستطيع مقابلته وما أشبه ذلك، أقول: هذا عكسه فيستفاد من هذا أنه ينبغي أن تُذكر حال العدو بالضعف حتى يشتد ويقوى جانب الإنسان.
* من فوائد هذه الآية الكريمة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه﴾: بيان أن الإيمان يحمل على الإخلاص؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه﴾، ويمكن أن نقيس على هذا بقية الأعمال الصالحة، فالذين آمنوا يتعلمون العلم لحفظ شريعة الله ونشرها بين عباد الله، والذين آمنوا يتعبّدون لله تعالى بالصلاة والصدقة وغير ذلك تقربًا إلى الله، عكس ذلك الذين كفروا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على المؤمنين بالإخلاص؛ لأن الله ساق ذلك ثناءً عليهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن من قاتل في غير سبيل الله ففيه خصلة من خصال الكفر؛ لقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوت﴾ حتى لو كان مؤمنًا يصلّي، ويصوم، ويزكّي، ويحج فقاتل حميّة أو عصبيّة، ففيه شبه من الكفار وخصلة من خصال الكفر.
ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب قتال أولياء الشيطان، تؤخذ من أين؟
* طالب: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَان﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَان﴾ فأمر الله تعالى بقتال أولياء الشيطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذكر ما يحمل على الامتثال، تؤخذ من قوله: ﴿أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَان﴾ لأن فيه الحث والإغراء على مقاتلتهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكفار المحاربين من أولياء الشيطان؛ لقوله: ﴿أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَان﴾ وكيف كانوا أولياءه؟ سبق لنا شرح ذلك؛ أنهم يمتثلون لأمره ولنهيه، فإذا أمرهم بالفحشاء امتثلوا إذا نهاهم عن البر امتثلوا، فبذلك صاروا له أولياء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ضعف الشيطان، أو بعبارة أعم: بيان ضعف ما يعمله الشيطان بالكيد أو بغير الكيد؛ لأنه إذا كان كيده ضعيفًا فما لا يكيد به أضعف؛ لقوله: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا ينبغي للإنسان أن يخشى أو يخاف أولياء الشيطان؛ لأن أولياء الشيطان ضعفاء، كما أن الشيطان الذي هو وليّهم كيده ضعيف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيطان يكيد للإنسان؛ لقوله: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَان﴾ فاحذر كيده، لا يغرنك، ربما يوسوس لك في التهاون بالعبادة المطلوبة أو في غشيان العبادة الممنوعة، ويقول: الله غفور رحيم، الأمر سهل، افعل وتُبْ، حتى يكيد لك فتقع في الشباك؛ فاحذر كيده.
{"ayahs_start":75,"ayahs":["وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا","ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَیۡدَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِیفًا"],"ayah":"وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق