الباحث القرآني
﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ هَذا الِاسْتِفْهامُ فِيهِ حَثٌّ وتَحْرِيضٌ عَلى الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وعَلى تَخْلِيصِ المُسْتَضْعَفِينَ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا تُقاتِلُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ. وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وما لَكَمْ في أنْ لا تُقاتِلُوا، فَلَمّا حُذِفَ حَرْفُ الجَرِّ، وحُذِفَ أنْ ارْتَفَعَ الفِعْلُ ”والمُسْتَضْعَفِينَ“ هو مَعْطُوفٌ عَلى اسْمِ اللَّهِ؛ أيْ وفي سَبِيلِ المُسْتَضْعَفِينَ. وقالَ المُبَرِّدُ والزَّجّاجُ: هو مَعْطُوفٌ عَلى سَبِيلِ اللَّهِ؛ أيْ في سَبِيلِ اللَّهِ وفي خَلاصِ المُسْتَضْعَفِينَ.
وقَرَأ ابْنُ شِهابٍ: في سَبِيلِ اللَّهِ المُسْتَضْعَفِينَ بِغَيْرِ واوِ عَطْفٍ. فَإمّا أنْ يَخْرُجَ عَلى إضْمارِ حَرْفِ العَطْفِ، وإمّا عَلى البَدَلِ مِن سَبِيلِ اللَّهِ؛ أيْ في سَبِيلِ اللَّهِ سَبِيلِ المُسْتَضْعَفِينَ؛ لِأنَّهُ سَبِيلُ اللَّهِ تَعالى. وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ يَكُونَ: والمُسْتَضْعَفِينَ مَنصُوبًا عَلى الِاخْتِصاصِ يَعْنِي: واخْتَصَّ مِن سَبِيلِ اللَّهِ خَلاصَ المُسْتَضْعَفِينَ؛ لِأنَّ سَبِيلَ اللَّهِ عامٌّ في كُلِّ خَيْرٍ، وخَلاصُ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ مِن أيْدِي الكُفّارِ مِن أعْظَمِ الخَيْرِ وأخَصِّهِ، انْتَهى كَلامُهُ. ولا حاجَةَ إلى تَكَلُّفِ نَصْبِهِ عَلى الِاخْتِصاصِ؛ إذْ هو خِلافُ الظّاهِرِ.
ويَعْنِي بِالمُسْتَضْعَفِينَ مَن كانَ بِمَكَّةَ مِنَ المُؤْمِنِينَ تَحْتَ إذْلالِ قُرَيْشٍ وأذاهم إذْ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ خُرُوجًا، ولا تَطِيبُ لَهم (p-٢٩٦)عَلى الأذى إقامَةٌ. ومِنَ المُسْتَضْعَفِينَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ، وأُمُّهُ، وقَدْ دَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّجاةِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وسَمّى مِنهم: الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، وسَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ، وعَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ. وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ﴾ تَبْيِينٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ.
والظّاهِرُ أنَّ الوِلْدانَ المُرادُ بِهِ الصِّبْيانُ، وهو جَمْعُ ولِيدٍ. قِيلَ: وقَدْ يَكُونُ جَمْعَ ولَدٍ، كَوَرَلٍ ووِرْلانٍ. ونَبَّهَ عَلى الوِلْدانِ تَسْجِيلًا بِإفْراطِ ظُلْمِ مَن ظَلَمَهم؛ وهم غَيْرُ مُكَلَّفِينَ لِيَتَأذّى بِذَلِكَ آباؤُهم، ولِأنَّهم كانُوا يُشْرِكُونَ آباءَهم في الدُّعاءِ طَلَبًا لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى، وتَخْلِيصِهِمْ مِن أذى الكُفّارِ. وهم أقْرَبُ إلى الإجابَةِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهم ذُنُوبٌ كَما فَعَلَ قَوْمُ يُونُسَ، وكَما هي السُّنَّةُ في خُرُوجِ الصِّبْيانِ في العِيدِ؛ لِأنَّهُ يُطْلَقُ عَلى العَبْدِ ولِيدٌ، وعَلى الأمَةِ ولِيدَةٌ، وغَلَبَ المُذَكَّرُ عَلى المُؤَنَّثِ إذْ دَرَجَ المُؤَنَّثُ في الجَمْعِ الِاسْتِسْقاءَ. وقِيلَ المُرادُ بِقَوْلِهِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ الأحْرارُ وبِالوِلْدانِ العَبِيدُ لِأنَّهُ يُطْلَقُ عَلى العَبْدِ ولِيدٌ وعَلى الأمَةِ ولِيدَةٌ، وغَلَبَ المُذَكَّرُ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا﴾ لَيْسَ لَهم مِنَ القُوَّةِ والمَنَعَةِ مِنَ الظُّلْمِ إلّا بِالدُّعاءِ والِاسْتِنْصارِ بِاللَّهِ تَعالى والقَرْيَةُ هُنا مَكَّةُ بِإجْماعٍ.
وتَكَلَّمُوا في جَرَيانِ الظّالِمِ، وهو مُذَكَّرٌ عَلى القَرْيَةِ، وهو مُؤَنَّثٌ، وهَذا مِن واضِحِ النَّحْوِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْ أُنِّثَ فَقِيلَ الظّالِمَةِ، أوْ جُمِعَ فَقِيلَ الظّالِمِينَ، وأجابَ عَنْ ذَلِكَ وهَذا لَمْ يُقْرَأْ بِهِ؛ فَيُحْتاجُ إلى الكَلامِ فِيهِ. ولَوْ تَعَرَّضْنا لِما يَجُوزُ في العَرَبِيَّةِ في تَراكِيبِ القُرْآنِ لَطالَ ذَلِكَ، وخَرَجْنا بِهِ عَنْ طَرِيقَةِ التَّفْسِيرِ. ووَصَفَ أهْلَها بِالظُّلْمِ إمّا لِإشْراكِهِمْ، وإمّا لِما حَصَلَ مِنهم مِن شِدَّةِ الوَطْأةِ عَلى المُؤْمِنِينَ وإذْلالِهِمْ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والآيَةُ تَتَناوَلُ المُؤْمِنِينَ والأسْرى، وحَواضِرَ الشِّرْكِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ انْتَهى. ولَمّا دَعَوْا رَبَّهم أجابَ كَثِيرًا مِنهم في الخُرُوجِ؛ فَهاجَرَ بَعْضُهم إلى المَدِينَةِ، وفَرَّ بَعْضُهم إلى الحَبَشَةِ، وبَقِيَ بَعْضُهم إلى الفَتْحِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى اسْتَجابَ دُعاءَهم؛ فَجَعَلَ لَهم مِن لَدُنْهُ خَيْرَ ولِيٍّ وناصِرٍ؛ وهو مُحَمَّدٌ؛ فَتَوَلّاهم أحْسَنَ التَّوَلِّي، ونَصَرَهم أقْوى النَّصْرِ. ولَمّا خَرَجَ مِن مَكَّةَ ولّى عَلَيْهِمْ عَتّابَ بْنَ أُسَيْدٍ، وعُمْرُهُ واحِدٌ وعِشْرُونَ سَنَةً، فَرَأوْا مِنهُ الوِلايَةَ والنَّصْرَ كَما سَألُوا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ يُنْصِفُ الضَّعِيفَ مِنَ القَوِيِّ، حَتّى كانُوا أعَزَّ بِها مِنَ الظَّلَمَةِ.
{"ayah":"وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق