الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما يُريد لكم الشيطانُ شربَ الخمر والمياسرةَ بالقِدَاح، ويحسِّن ذلك لكم، إرادةً منه أن يوقع بينكم العَداوَة والبغضاءَ في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، [[انظر تفسير"البغضاء" فيما سلف ٧: ١٤٥/١٠: ١٣٦.]] ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغِّض بعضَكم إلى بعض، فيشتِّت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام ="ويصدّكم عن ذكر الله"، يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم، [[انظر تفسير"الصد" فيما سلف ٩: ٤٨٩، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] وباشتغالكم بهذا الميسر، عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم ="وعن الصلاة"، التي فرضها عليكم ربكم ="فهل أنتم منتهون"، يقول: فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، [[انظر تفسير"الانتهاء" فيما سلف ٤٨٢، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] وعاملون بما أمركم به ربُّكم من أداء ما فرَض عليكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نُجْح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم؟.
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب، وهو أنه ذكر مكروهَ عاقبة شربها لرسول الله ﷺ، وسأل الله تحر يمَها. [[انظر ما سلف في تحريم الخمر ٤: ٣٣٠-٣٣٦/٨: ٣٧٦، ٣٧٧.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٢٥١٢ - حدثنا هناد بن السريّ، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في"البقرة": ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ ، [سورة البقرة: ٢١٩] . قال: فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنزلت الآية التي في"النساء": ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [سورة النساء: ٤٣] . قال: وكان مُنَادِي النبي ﷺ يُنادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران! قال: فدُعِي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في"المائدة":"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون". فلما انتهى إلى قوله:"فهل أنتم منتهون" قال عمر: انتهينا انتهينا!! [[الأثر: ١٢٥١٢ -"أبو ميسرة" هو: "عمرو بن شرحبيل الهمداني"، سمع عمر، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما من الصحابة. مضى برقم: ٢٨٣٩، ٢٨٤٠، ٩٢٢٨. وهذا الخبر رواه أبو جعفر من خمس طرق، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة.
ورواه أحمد في مسنده رقم: ٣٧٨ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحق، بمثله، وأبو داود في سننه ٣: ٤٤٤ رقم: ٣٦٧٠، بمثله، وفيه: "بيانًا شفاء". والنسائي في سننه ٨: ٢٨٦، ٢٨٧، بمثله. والترمذي في سننه في كتاب التفسير من طريق محمد بن يوسف، عن إسرائيل، مرفوعًا، ثم من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، عن وكيع. عن إسرائيل، مرسلا. ولكن جاء هنا في رواية هناد بن السري، عن وكيع، مرفوعًا. وقال الترمذي بعد ذكر رواية أبي كريب: "وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف"، يعني أنه أصح مرسلا. وانظر ما سيأتي في باقي التخريج.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٧٨، من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل بمثله، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في السنن ٨: ٢٨٥، من طريق عبيد الله بن موسى أيضًا، ومن طريق إسمعيل بن جعفر، عن إسرائيل، بمثله.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: ٣٩، من طريق محمد بن يوسف، عن إسرائيل، (كطريق الترمذي) وفيه زيادة: "فإنها تذهب العقل والمال"، الآتية في رقم: ١٢٥١٣، وليس في رواية الترمذي.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: ١٥٤، من طريق أحمد بن حنبل، عن خلف بن وليد، عن إسرائيل، بمثل ما في المسند.
وخرجه ابن كثير في تفسيره ١: ٤٩٩، ٥٠٠/ ثم ٣: ٢٢٥، وقد صحح أخي السيد أحمد هذا الحديث في المسند رقم: ٣٧٨، ثم قال: "وذكره ابن كثير في التفسير ١: ٤٩٩، ٥٠٠/٣: ٢٢٦ وقال: هكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن أبي إسحق. وكذا رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق الثوري، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، عن عمر، وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. والله أعلم. وقال علي بن المديني: "هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله: انتهينا - إنها تذهب المال وتذهب العقل".
قال أخي السيد أحمد: "وقول أبي زرعة أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر، لا أجد له وجهًا. فإن أبا ميسرة لم يذكر بتدليس، وهو تابعي قديم مخضرم، مات سنة ٦٣. وفي طبقات ابن سعد ٦: ٧٣، عن أبي إسحق قال: أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم: لا تؤذن بي أحدًا من الناس، وليصل علي شريح قاضي المسلمين وإمامهم = وشريح الكندي، استقضاه عمر على الكوفة، وأقام على القضاء ستين سنة، فأبو ميسرة أقدم منه".
أقول: ولم يذكر أحد غير أبي زرعة فيما بحثت، أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر، بل كلهم ذكر سماعه من عمر.]]
١٢٥١٣ - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا أبى، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فإنها تَذْهب بالعقل والمال! = ثم ذكر نحو حديث وكيع. [[الأثر: ١٢٥١٣ - هذه الزيادة: "فإنها تذهب العقل والمال"، أشرت إليها في التعليق السالف في رواية أبي جعفر النحاس، وذكرها ابن كثير، من رواية ابن أبي حاتم.]]
١٢٥١٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر بن الخطاب: اللهم بيِّن لنا، فذكر نحوه.
١٢٥١٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه = وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله.
١٢٥١٦ - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله. [[الآثار: ١٢٥١٤ - ١٢٥١٦ - انظر التخريج في رقم: ١٢٥١٢.]]
١٢٥١٧ - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني أبو معشر المدني، عن محمد بن قيس، قال: لما قدِم رسول الله ﷺ المدينة، أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسِر، فسألوه عن ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما﴾ [سورة البقرة: ٢١٩] ، فقالوا: هذا شيء قد جاء فيه رخْصة، نأكل الميسر ونشرَب الخمر، ونستغفر من ذلك!. حتى أتى رجلٌ صلاةَ المغرب، فجعل يقرأ: ﴿قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ [سورة الكافرون] . فجعل لا يجوز ذلك، [[في المطبوعة، والدر المنثور: "لا يجود ذلك" (بتشديد الواو المكسورة) ، وفي المخطوطة كما أثبته غير منقوطة، وهو الصواب إن شاء الله.]]
ولا يدري ما يقرأ، فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [سورة النساء: ٤٣] . فكان الناس يشربون الخمرَ، حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون. فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله تعالى ذكره:"إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون"، فقالوا: انتهينا يا رب! [[الأثر: ١٥٢١٧ - ذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣١٨، ولم ينسبه لغير ابن جرير.]]
* * *
وقال آخرون: نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه كان لاحَى رجلا على شراب لهما، فضربه صاحبه بلَحْيَىْ جمل، ففَزَر أنفه، فنزلت فيهما. [["لاحاه يلاحيه ملاحاة ولحاء": إذا نازعه وشاتمه = و"لحي الجمل" (بفتح اللام وسكون الحاء) : وهما"لحيان": وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم. يقال: لحي الجمل، ولحي الإنسان، وغيرهما. وكان في المطبوعة: "لحي" بالإفراد، وأثبت ما في المخطوطة بالتثنية: "لحيي" = و"فزر الشيء": صدعه. و" فزر أنفه": شقه.]]
ذكر الرواية بذلك:
١٢٥١٨ - حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد أنه قال: صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا، فَدَعانا. قال: فشربنا الخمرَ حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضلُ منكم! قال: فأخذ رجل من الأنصار لَحْيَى جملٍ فضرب به أنف سعد ففَزَره، فكان سعد أفزَرَ الأنف. قال: فنزلت هذه الآية:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" إلى آخر الآية. [[الأثر: ١٢٥١٨ - رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد. كلها صحيح.
فرواه من هذه الطريق الأولى أحمد في مسنده رقم: ١٥٦٧، ١٦١٤، مطولا. ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة في مسنده: ٢٨، رقم: ٢٠٨.
ورواه مسلم من طريق أبي جعفر هذه، عن محمد بن المثنى نفسه (١٥: ١٨٦، ١٨٧) وفيه"وكان أنف سعد مفزورًا"، بخلاف رواية أبي جعفر"أفزر الأنف". ورواه مطولا بغير هذا اللفظ من طريق"الحسن بن موسى، عن زهير، عن سماك".
ورواه البيهقي في السنن ٨: ٢٨٥، من طريق وهب بن جرير، عن شعبة.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: ٤٠، من طريق زهير، عن سماك.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: ١٥٤.
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٣: ٢٣٠، والسيوطي في الدر المنثور ٢: ٣١٥، وقصر في نسبته، وزاد أيضًا نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
وكان في المخطوطة: "صنع رجل من الأنصار فدعانا"، أسقط"طعامًا"، وهي ثابتة في المطبوعة، وفي جميع روايات الخبر. ولذلك أثبتها.
وقوله: "فكان سعد أفرز الأنف"، في جميع الروايات: "مفزور الأنف"، أي مشقوقه، كما سلف في التعليق: ٢، ص٥٦٩ ولم تقيد كتب اللغة: "أفزر الأنف"، على"أفعل". وهذا مما يثبت صحته، وهو جائز في العربية.]]
١٢٥١٩ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، قال حدثنا شعبة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال، قال سعد: شربتُ مع قوم من الأنصار، فضربت رجلا منهم = أظنّ بفكّ جمل = فكسرته، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر"، إلى آخر الآية. [[الأثر: ١٢٥١٩ - في المطبوعة: "قال حدثنا أبو الأحوص، عن سماك"، وهو خطأ لا شك فيه وكان في المخطوطة في آخر الصفحة: "قال حدثنا أبو الأحوص قال" ثم بدأ في الصفحة التالية: "عن سماك ... "، فنسى الناسخ في نسخة فأسقط"حدثنا شعبة"، وبدأ: "عن سماك".]]
١٢٥٢٠ - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: شربت الخمر مع قوم من الأنصار، فذكر نحوه. [[الأثر: ١٢٥٢٠ - هذا الأثر والذي قبلها طريقان أخريان للأثر رقم: ١٢٥١٨، انظر التخريج في التعليق عليه.]]
١٢٥٢١ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبره، أن سالم بن عبد الله حدَّثه: أن أول ما حُرِّمت الخمر، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابًا له شربوا فاقتتلوا، فكسروا أنف سعدٍ، فأنزل الله:"إنما الخمر والميسر"، الآية. [[الأثر: ١٢٥٢١ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣١٥، ولم ينسبه لغير ابن جرير.]]
* * *
وقال آخرون: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار.
* ذكر من قال ذلك:
١٢٥٢٢ - حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم عن جبر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شرِبوا. حتى إذا ثملوا، عبث بعضهم على بعض. [[في المطبوعة: "عبث بعضهم ببعض"، وهكذا جاء في جمبع روايات الأثر، فيما بين يدي من الكتب، ولكنها في المخطوطة كما أثبتها، وهي صحيحة إن شاء الله.]] فلما أن صَحوْا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان! = وكانوا إخوة، ليس في قلوبهم ضغائن = والله لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا! حتى وقعت في قلوبهم ضغائن، [[في المطبوعة: "في قلوبهم الضغائن"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فأنزل الله:"إنما الخمر والميسر" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون"! فقال ناس من المتكلِّفين: رجْسٌ في بطن فلانُ قتل يوم بدر، [[في المطبوعة: "هي رجس، وهي في بطن فلان"، وهكذا في سائر المراجع، وأثبت ما في المخطوطة، وكأنه صواب أيضا.]] وقتل فلان يوم أحُدٍ! فأنزل الله: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [سورة المائدة: ٩٣] ،. الآية. [[الأثر: ١٢٥٢٢ -"ربيعة بن كلثوم بن جبر الديلي البصري"، روى له مسلم والنسائي، متكلم فيه، وهو ثقة. مضى برقم: ٦٢٤٠. وكان في المطبوعة: "ربيعة بن كلثوم عن جبير، عن أبيه"، وهو خطأ. وفي المخطوطة"ربيعة بن كلثوم عن جبر، عن أبيه"، وهو خطأ أيضًا، وإن كان فيها"جبر" على الصواب. وجاء في المستدرك خطأ"جبير" وهو خطأ يصحح. مترجم في التهذيب، والكبير ٢/١/٢٦٦، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم ١/٢/٤٧٧، ٤٧٨، وثقه يحيى بن معين. وفيه عن علي بن المديني، قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول، قلت: "لربيعة بن كلثوم في حديث، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، هو: عن ابن عباس؟ قال: وهل كان يروي سعيد بن جبير إلا عن ابن عباس؟ ".
وأبوه"كلثوم بن جبر بن مؤمل الديلي"، ثقة، وثقه أحمد مضى برقم: ٦٢٤٠، مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/٢٢٧، وابن أبي حاتم ٣/٢/١٦٤.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن ٨: ٢٨٥، ٢٨٦، والحاكم في المستدرك ٤: ١٤١، ولم يذكر فيه شيئًا، ولكن قال الذهبي في تعليقه على المستدرك: "قلت: صحيح على شرط مسلم". وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ١٨، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح". ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: ٤٠ مختصرًا، بغير إسناد.
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٣: ٢٣٠، من رواية البيهقي في السنن، وقال: "ورواه النسائي في التفسير، عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة، عن حجاج بن منهال".
وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣١٥. وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه.]]
١٢٥٢٣ - حدثنا محمد بن خلف قال، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، عن أبي تميلة، عن سلام مولى حفص بن أبي القاسم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شرابٍ لنا، [ونحن على رَمْلة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطِيةٌ لنا] ، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه، وقد نزل تحريم الخمر:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصابُ والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان"، إلى آخر الآيتين،"فهل أنتم منتهون"، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله:"فهل أنتم منتهون"؟ قال: وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام. ثم صبوا ما في باطيهتهم، فقالوا: انتهينا ربّنا! انتهينا ربَّنا! [[الأثر: ١٢٥٢٣ -"محمد بن خلف بن عمار العسقلاني"، شيخ الطبري، مضى برقم: ١٢٦، ٦٥٣٤.
"سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي". كوفي ثقة. روى عنه البخاري ومسلم. قال أبو زرعة: "ذاكرت عنه أحمد بأحاديث، فعرفه" وقال: صدوق، وكان يطلب معنا الحديث". مترجم في التهذيب، والكبير ٢/١/٤٧١، وابن أبي حاتم ٢/١/٥٩.
و"أبو تميلة"، هو: "يحيى بن واضح الأنصاري" مضى مرارًا، آخرها رقم: ٩٠٠٩.
و"سلام، مولى حفص، أبو القاسم الليثي"، مروزي، مترجم في الكبير ٢/٢/١٣٤، وابن أبي حاتم ٢/١/٢٦٢. وقال البخاري في الكبير: "سمع عبد الله بن بريدة، عن أبيه: نزلت في تحريم الخمر"، قاله سعيد الجرمي: سمع يحيى بن واضح، سمع سلاما"، إشارة إلى هذا الخبر. ولم يذكر البخاري فيه جرحًا. وقال المعلق على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: "وفي الثقات: سلام الليثي، والد أبي عبيد القاسم بن سلام". وكان في المطبوعة هنا: "مولى حفص بن أبي قيس" لا أدري كيف استحل لنفسه تغيير ما كان في المخطوطة صوابًا، إلى خطأ لا ندري ما هو.
و"ابن بريدة"، هو"عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي" قاضي مرو، أخوه: "سليمان بريدة"، كانا توأمين. روى عن أبيه، وابن عباس، وابن عمرو، وابن عمر، وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة. تكلم فيه أحمد بن حنبل. قال الجوزجاني: "قلت لأبي عبد الله: سمع عبد الله من أبيه شيئًا؟ قال: ما أدري، عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعف حديثه". ووثقه ابن معين وأبو حاتم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٣. وكان في المطبوعة"أبي بريدة"، وهو خطأ محض، صوابه في المخطوطة.
وأبوه"بريدة بن الحصيب الأسلمي"، صحابي قديم الإسلام، قبل بدر. استعمله رسول الله ﷺ على صدقات قومه.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٢٣٠، من رواية أبي جعفر، وفيه"عن أبي بريدة" كخطأ المطبوعة. والسيوطي في الدر المنثور ٢: ٣١٥.
والزيادة التي بين القوسين من تفسير ابن كثير، وهو لم ينقل هذا عن غير الطبري، فلذلك زدتها، والظاهر أنها سقطت من ناسخ نسختنا. وإن كان السيوطي قد ذكر الأثر بغير هذه الزيادة.
وقوله: "ونحن على رملة"، يعني، في رملة منبتة مريعة. و"الباطية": ناجود الخمر، وهي إناء عظيم من زجاج، تملأ من الشراب، وتوضع بين الشرب يغرفون منها ويشربون. وقوله: "قال بالإناء"، يعني: أماله ثم نزعه، كفعل الحجام وهو ينزع كأس الحجامة.]]
* * *
وقال آخرون: إنما كانت العداوة والبغضاء، كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر، لا بسبب السُّكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر. فلذلك نهاهم الله عن الميسر.
* ذكر من قال ذلك:
١٢٥٢٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع = قال بشر: وقد سمعته من يزيد وحدثنيه = قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الرجل في الجاهلية يقامِر على أهله وماله، فيقعد حَرِيبًا سليبًا ينظر إلى ماله في يَدَي غيره، [[في المطبوعة: "حزينًا سليبًا"، وهي في المخطوطة غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت."حرب الرجل ماله، فهو محروب وحريب": إذا أخذ حريبته، وهو ماله الذي يعيش به، وتركه بلا شيء.]] فكانت تُورِث بينهم عداوة وبغضاءَ، فنهى الله عن ذلك وقدَّم فيه. والله أعلم بالذي يصلح خلقه. [[الأثر: ١٢٥٢٤-"جامع بن حماد"، انظر ما علقته على الأثر رقم: ١٢٣٤٤.
واذكر أن هذا الأثر قد مضى قبل، ولكن خفي علي مكانه.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال، إنّ الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياء التي سمّاها في هذه الآية"رجسًا"، وأمر باجتنابها.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دُعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر = وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نالَ سعدًا من الأنصاري عند انتِشائهما من الشراب = وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدَهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضِه، [["يسره"، يعني: غلبه في الميسر، وأخذ ماله. قال الزمخشري: "من المجاز: أسروه، ويسروا ماله. وتياسرت الأهواء قلبه، قال ذو الرمة: بِتَفْرِيقِ أَظْعَانٍ تيايَسَرْنَ قَلْبَهُ ... وَخَانَ العَصَا مِنْ عَاجِلِ البَيْنِ قَادِحُ
وهذا اللفظ كما استعمله أبو جعفر، لم تقيده كتب اللغة، ولكن مقالة الزمخشري دالة على صوابه، كما قالوا من"القمار": "قمره".]] وليس عندنا بأيِّ ذلك كان، خيرٌ قاطع للعذر. غير أنه أيّ ذلك كان، فقد لزم حكم الآية جميعَ أهل التكليف، وغيرُ ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية. فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان، فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التكليفُ اجتنابُ جميع ذلك، كما قال تعالى:"فاجتنبوه لعلكم تفلحون".
{"ayah":"إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق