الباحث القرآني
ثُمَّ قَرَّرَ ذَلِكَ بِبَيانِ ما فِيهِما مِنَ المَفاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ والدِّينِيَّةِ فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ﴾ أيْ بِسَبَبِ تَعاطِيهِما لِأنَّ السَّكْرانَ يُقْدِمُ عَلى كَثِيرٍ مِنَ القَبائِحِ الَّتِي تُوجِبُ ذَلِكَ، ولا يُبالِي وإذا صَحا نَدِمَ عَلى ما فَعَلَ، والرَّجُلُ قَدْ يُقامِرُ حَتّى لا يَبْقى لَهُ شَيْءٌ وتَنْتَهِيَ بِهِ المُقامَرَةُ إلى أنْ يُقامِرَ بِوَلَدِهِ وأهْلِهِ فَيُؤَدِّي بِهِ ذَلِكَ إلى أنْ يَصِيرَ أعْدى الأعْداءِ لِمَن قَمَرَهُ وغَلَبَهُ، وهَذِهِ إشارَةٌ إلى مَفاسِدِها الدُّنْيَوِيَّةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَصُدَّكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعَنِ الصَّلاةِ﴾ إشارَةٌ إلى مَفاسِدِهِما الدِّينِيَّةِ ووَجْهُ صَدِّ الشَّيْطانِ لَهم بِذَلِكَ عَمّا ذُكِرَ أنَّ الحُمْرَ لِغَلَبَةِ السُّرُورِ بِها والطَّرَبِ عَلى النُّفُوسِ والِاسْتِغْراقِ في المَلاذِّ الجُسْمانِيَّةِ تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى وعَنِ الصَّلاةِ وأنَّ المَيْسِرَ إنْ كانَ اللّاعِبُ بِهِ غالِبًا انْشَرَحَتْ نَفْسُهُ ومَنعُهُ حُبَّ الغَلَبِ والقَهْرِ والكَسْبِ عَمّا ذُكِرَ وإنْ كانَ مَغْلُوبًا حَصَلَ لَهُ مِنَ الِانْقِباضِ والقَهْرِ ما يَحُثُّهُ عَلى الِاحْتِيالِ لِأنْ يَصِيرَ غالِبًا فَلا يَكادُ يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وقَدْ شاهَدْنا كَثِيرًا مِمَّنْ يَلْعَبُ بِالشَّطْرَنْجِ يَجْرِي بَيْنَهم مِنَ اللَّجاجِ والحَلِفِ الكاذِبِ والغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ تَعالى ما يَنْفِرُ مِنهُ الفِيلُ وتَكْبُو لَهُ الفَرَسُ ويَصُوحُ مِن سُمُومِهِ الرُّخُّ بَلْ يَتَساقَطُ رِيشُهُ ويَحارُ لِشَناعَتِهِ بَيْذَقُ الفَهْمِ ويَضْطَرِبُ رَزِينُ العَقْلِ ويَمُوتُ شاهٍ القَلْبِ وتَسْوَدُّ رُقْعَةُ الأعْمالِ، وتَخْصِيصُ الخَمْرِ والمَيْسِرِ بِإعادَةِ الذِّكْرِ وشَرْحِ ما فِيهِما مِنَ الوَبالِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المَقْصُودَ بَيانُ حالِهِما، وذِكْرُ الأنْصابِ والأزْلامِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُما مِثْلُهُما في الحُرْمَةِ والشَّرارَةِ كَما يُشْعِرُ بِذَلِكَ ما جاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ والسَّلَفِ الصّالِحِ مِنَ الأخْبارِ الصّادِحَةِ بِمَزِيدِ ذَمِّهِما والحَطِّ عَلى مُرْتَكِبِهِما
وخُصَّ الصَّلاةُ مِنَ الذَّكَرِ بِالإفْرادِ بِالذِّكْرِ مَعَ أنَّ الَّذِي يَصُدُّ عَنْهُ يَصُدُّ عَنْها لِأنَّهُ مِن أرْكانِها تَعْظِيمًا لَها كَما في ذِكْرِ الخاصِّ بَعْدَ العامِّ وإشْعارًا بِأنَّ الصّادَّ عَنْها كالصّادِّ عَنِ الإيمانِ لِما أنَّها عِمادُهُ والفارِقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الكُفْرِ إذِ التَّصْدِيقُ القَلْبِيُّ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وهي أعْظَمُ شَعائِرِهِ المُشاهَدَةِ في كُلِّ وقْتٍ ولِذا طُلِبَتْ فِيها الجَماعَةُ (p-17)لِيُشاهِدُوا الإيمانَ ويَشْهَدُوا بِهِ فَفي الكَلامِ إشارَةٌ إلى أنَّ مُرادَ اللَّعِينِ ومُنْتَهى آمالِهِ مِن تَزْيِينِ تَعاطِي شُرْبِ الخَمْرِ واللُّعَبِ بِالمَيْسِرِ الإيقاعُ في الكُفْرِ المُوجِبِ لِلْخُلُودِ مَعَهُ في النّارِ وبِئْسَ القَرارُ، ثُمَّ أنَّهُ سُبْحانَهُ أعادَ الحَثَّ عَلى الِانْتِهاءِ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ مَعَ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مُرَتَّبًا عَلى ما تَقَدَّمَ مِن أصْنافِ الصَّوارِفِ فَقالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾
19
- إيذانًا بِأنَّ الأمْرَ في الرَّدْعِ والمَنعِ قَدْ بَلَغَ الغايَةَ وأنَّ الأعْذارَ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالكُلِّيَّةِ حَتّى أنَّ العاقِلَ إذا خَلى ونَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يَتَوَقَّفَ في الِانْتِهاءِ ووَجْهُ تِلْكَ التَّأْكِيداتِ أنَّ القَوْمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم كَما قِيلَ كانُوا مُتَرَدِّدِينَ في التَّحْرِيمِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ البَقَرَةِ ولِذا قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنا ذَلِكَ بَيانًا شافِيًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ولَمّا سَمِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ (فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قالَ: انْتَهَيْنا يا رَبُّ وأخْرُجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: أوَّلُ ما نَزَلَ في تَحْرِيمِ الخَمْرِ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ﴾ الآيَةُ فَقالَ بَعْضُ النّاسِ: نَشْرَبُها لِمَنافِعِها الَّتِي فِيها، وقالَ آخَرُونَ: لا خَيْرَ في شَيْءٍ فِيهِ إثْمٌ ثُمَّ نَزَلَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ الآيَةُ فَقالَ بَعْضُ النّاسِ: نَشْرَبُها ونَجْلِسُ في بُيُوتِنا، وقالَ آخَرُونَ لا خَيْرَ في شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ الصَّلاةِ مَعَ المُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ الآيَةُ فانْتَهَوْا
وأخْرَجَ عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ لِما نَزَلَتْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «”إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ قَدْ حَرَّمَ الخَمْرَ فَمَن كانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلا يَطْعَمْهُ ولا تَبِيعُوها“ فَلَبِثَ المُسْلِمُونَ زَمانًا يَجِدُونَ رِيحَها مِن طُرُقِ المَدِينَةِ مِمّا أهَراقُوا مِنها،» وأخْرَجَ عَنِ الرَّبِيعِ أنَّهُ قالَ: «لِما نَزَلَتْ آيَةُ البَقَرَةِ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ”إنَّ رَبَّكم يُقَدِّمُ في تَحْرِيمِ الخَمْرِ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ النِّساءِ فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ:“إنَّ رَبَّكم يُقَدِّمُ في تَحْرِيمِ الخَمْرِ" ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ بِالمائِدَةِ فَحُرِّمَتِ الخَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ» وقَدْ تَقَدَّمَ في آيَةِ البَقَرَةِ شَيْءٌ مِنَ الكَلامِ في هَذا المَقامِ فَتَذَكَّرْ
{"ayah":"إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق